اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي  وفد من حزب الله جال على المستوصفات الصحية في شرق صيدا 

نقاط على الحروف

أبواق التطبيع والفتنة في لبنان تستعيد مشروع صهينة فلسطين
نقاط على الحروف

أبواق التطبيع والفتنة في لبنان تستعيد مشروع صهينة فلسطين

95

تكثر، في المرحلة الراهنة، ظاهرة المواقف الداخلية التي تدعو إلى التطبيع مع "إسرائيل"، وبعضها يأخذ شكل التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، والآخر يأتي في سياق تحليلات سياسية أو استضافات تلفزيونية وإلكترونية لشخصيات سياسية وحزبية وإعلامية معروفة. وشخصيات أخرى بدأت تبرز، في الوسط الإعلامي، بتوقيت مدروس. 

اللافت في العنصر المشترك، في تفاصيل هذه الظاهرة والمواقف، إنّها تأتي نسخةً مكرّرةً مع بعض الرتوش والاجتهاد في التعبير وكأنها تنطلق من مشغّل واحد مع الأخذ بالحسبان تنوّع اللهجة تبعًا لتنوّع التوجّهات السياسية لهذه الشخصيات. ويكرّس ظهورها وسائل إعلام لبنانية وعربية معروفة الخلفيات والتوجّهات والدعم المالي والسياسي، والتي تصبّ كلّها في خانة التسويق للمنطق الأمريكي – الإسرائيلي حيال التعامل مع لبنان وقضايا المنطقة.

يوضح خبير في مجال الدعاية والإعلام أن هذه الظاهرة ليست جديدة، في سياق استخدام وسائط الاتصال، لترويج فكرة أو موقف سياسي محدّد. وغالبًا ما يلجأ صانعو الرأي العام إلى هذا الأسلوب للإيحاء بوجود اتجاه واسع في شريحة كبيرة من المؤثرين، من كتّاب ومحللين وشخصيات تملك مواقع نافذة ومشهورة، يؤيدون مشروعًا ما أو فكرة ما وصولًا إلى تكوين رأي عام، سرعان ما ينتشر بين الناس، وتتبنّاه المجتمعات المستهدفة على أنه واقع أو حقيقة. وهنا ينقسم الجمهور إلى فئات ثلاث، الأولى: ترفض ما يقال، الثانية: تؤيد ما يقال، أما الثالثة فتذهب إلى الانكفاء السلبي، فتأخذ فرصة لنفسها قبل أن تحسم خيارها بين التأييد والرفض.

يضيف الخبير نفسه أن الكذب هي الأداة التي يدأب المؤثرون على استخدامها كونها السبيل الأنجع في إطار سياسة الإغراق المعلوماتي الآتي من جهات متعدّدة ومختلفة. هذا فضلًا عن كونها أداة فعالة في سياق عملية الإشهار السلبي؛ حيث تجد طريقها إلى الانتشار السريع في ظل تعدّد وازدحام وسائل التواصل الإعلامية والإلكترونية؛ وأهمها الهواتف الذكية التي تنتشر بين أيدي الناس، على اختلاف أعمارهم ووعيهم ومستوياتهم الثقافية، وتمدّ المستخدم بكمّ ضخم من الأخبار المتتالية والمتكرّرة التي تستلزم جهدًا كبيرًا للتحقّق من صحتها أو كذبها، فكيف لو تحوّل هذا المستخدم إلى موزّع مجاني للأخبار على دائرة غير متناهية للافراد والمجموعات؟!

لعلّ مكمن الخطر، في هذه الظاهرة، تركيزها على مواقف محدّدة وفقًا لتقنية الـ focus، حيث تتقاطع الأخبار والتلفيقات والمواقف والتصريحات والتحليلات على محور واحد، وتستخدم لغة إعلامية وسياسية متشابهة ومتماثلة، وتستهدف بخطابها الموجّه شرائح محدّدة سعيًا للتأثير فيها بشكل مباشر وغير مباشر، وتقوم بالتشويش على أفكار هذه الشرائح، فتسعى لتعديل قناعاتها من خلال تضمين الخطاب رسائل تمسّ اهتمامات الناس وقضاياهم من منطلق إنساني أو اجتماعي، ويحمل في طيّاته التخويف من المستقبل وتبيان خطر هذه القناعات على حياة الناس واستقرارهم، ودفعهم إلى تبنّي خيارات أخرى أكثر تفاؤلًا وإيجابية.

كما يلفت الخبير في مجال الدعاية والإعلام إلى جانب آخر من خطورة هذه الظاهرة؛ وهي أن أسلوب التكرار والإصرار والاستمرار في بث الرسائل الدعائية يأتي اليوم مترافقًا ومتزامنًا مع ضغوطات متعدّدة الجهات. 

أولها- داخلي ويتمثّل بجرأة الأطراف السياسية والحزبية اللبنانية في الدعوة إلى أسرلة لبنان من دون وجود أي رادع أو وازع قانوني فعلي يمنعها من إطلاق مثل هذه المواقف التي تنتهك الدستور اللبناني وتتناقض مع ميثاق العيش المشترك والعقيدة الوطنية التي تؤكد استقلال لبنان بأبعاده السيادية كافّة، وتصنّف "إسرائيل" عدوًّا بائنًا وكيانًا يمارس العدوان، ويحتلّ الأرض ويأسر مواطنين لبنانيين، وينهب الثروات الوطنية، ويهدّد الاستقرار الداخلي ويحول دون نهوض لبنان بلدًا مستقلًّا ذا سيادة في قراره ومؤسساته وبرّه وبحره وجوّه. 

لعلّ انكفاء الأجهزة الرسمية عن ملاحقة ومحاسبة هؤلاء يشجعّهم أكثر على الإمعان في خطابهم المشبوه والمجاهرة بالمواقف غير الوطنية التي تهدّد السلم الأهلي والاستقرار الداخلي.

ثاني الضغوطات- يتمثّل بالإرهاب المستمر الذي ترتكبه "إسرائيل" على امتداد الأرض اللبنانية، والذي لم يوفّر الجيش اللبناني بمواقعه وأفراده. والهدف من ذلك، إلى جانب تطويع القرار الرسمي اللبناني وكسر الإرادة الشعبية وفرض أجندته الاحتلالية، تثبيت الخطاب الدعائي الذي تعكسه وسائل التواصل الداعي إلى التسليم بالواقع المستجدّ بعد الحرب بما يشبه الاستسلام من جهة، ومن جهة ثانية تسويق واقع أن السلام مع "إسرائيل" هو الخيار الراجح على خيار الحرب، وأن هناك جهات لبنانية تطالب بذلك، وأن على المعترضين أن يلتحقوا بركب التسوية حفاظًا على ما تبقّى من حياة. . وهكذا يتماهى خطاب التوهين في الداخل مع ممارسة العدو للإرهاب اليومي؛ فيأتي التأثير مباشرًا وفاعلًا أكثر.

ثالث الضغوطات – يأتي- يتابع الخبير- من الإطباق الشامل التي تمارسه الإدارة الأمريكية على الساحة اللبنانية الرسمية وغير الرسمية في الانحياز الكامل لـ"إسرائيل" وتغطية استمرارها بالعدوان على لبنان، وتصوير التزام المقاومة باتفاق وقف إطلاق النار على أنه إقرار بالضعف وعدم القدرة على المواجهة. وهذا ما دفع بعض أصحاب خطاب التطبيع إلى المجاهرة بالقول إن "لبنان دخل العصر الأمريكي"؛ مستندًا إلى مظهر الانصياع الكامل للقرار الأمريكي، سواء جاء على لسان مندوبي واشنطن الساميين إلى لبنان أم على لسان رئيس لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الأمريكي الجنسية المنحاز بدوره إلى "إسرائيل". وهذا النوع من الضغط يتواءم بدوره مع الخطاب الدعائي ذات اللسان اللبناني والعربي الداعي إلى إلقاء السلاح والالتحاق بمسيرة السلام الأمريكي.

كلّ ما سبق من ضغوطات يهدف إلى إثقال بيئة المقاومة وإشعارها بالوهن والعجز، وفك الارتباط بينها وبين قيادة المقاومة، من دون أن نغفل استخدام هؤلاء لمصطلحات الانعزال التي كانت سائدة إبّان الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي، وتصنيف اللبنانيين على أساس طوائفهم ومذاهبهم. وفي ذلك سعي مباشر إلى تغريب الشيعة ومحاولة سلخهم عن انتمائهم التاريخي والجغرافي. وهذا الأمر – وفقًا للخبير نفسه – اقتباس كامل للخطاب الصهيوني الذي اعتمده شعارًا لتسويغ مجازره بحق الفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم، والادّعاء بأن فلسطين هي أرض اليهود وتكريس مشروع "إسرائيل الكبرى".

إنه السيناريو نفسه والمخطط نفسه الذي يراد تنفيذه في لبنان، إلا أن المقاومة وبيئتها تقفان بكل اقتدار في مواجهة التغوّل الأمريكي – الإسرائيلي وأبواقه الدعائية ذات اللسان اللبناني والعربي. إذ إن القضية، عند المقاومة وأهلها وأبنائها، لا تقف عند استشهاد قريب أو عزيز أو تدمير منزل أو تخريب أملاك وأرزاق، ولا تتعلّق بمصالح خاصة أو فئوية، بل تتّصل بأساس مترسّخ في الأرض والتاريخ والوجدان. ولئن كانت المقاومة تمارس حكمتها الاستراتيجية صونًا للبنان واللبنانيين؛ فهي لم ولن تتأثر بهذه الأبواق التي دأبت على تسويق خطاب الارتهان واستغرقت في خيار التفرقة والعزل حتى لو أدّى ذلك إلى الاحتراب الداخلي. وهي تراهن على الوعي الكبير لبيئتها التي تدرك سراب هذه الخطابات الفتنوية، وقد جسّدت هذا الوعي في كثير من المحطات المفصلية، وبرهنت رسوخ موقفها وثباتها في الهوية والانتماء.

الكلمات المفتاحية
مشاركة