نقاط على الحروف

زيارة المبعوث الأميركي توماس برّاك الى بيروت وعودته المرتقبة إليها، هو عنوان لعاصفة أرادها الإعلام المعادي للمقاومة. "براك"، والذي تطلب إدارته نزع سلاح المقاومة ووضع جدول زمني للتنفيذ، تناغمت معه منصات محلية ذهبت إلى ما هو أبعد من هذا المطلب؛ إلى تعميم أجواء من الترهيب واستخدام العصا الإسرائيلية بشنّ عدوان جديد على لبنان، في حال لم تلتزم المقاومة، والدولة اللبنانية على وجه الخصوص، بتنفيذ الأجندة الأميركية.
هكذا؛ في سحر ساحر عُمّمت هذه الأجواء إعلاميًا، والتي توحي بكثير من التهويل باستغلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة ونتائجها المدّمرة والوحشية على الجنوب اللبناني والبقاع والضاحية، للضغط على بيئة المقاومة التي تعتقد هذه الميديا المعادية أنها "الخاصرة الرخوة"، وتستطيع من خلالها تمرير أو فرض الأجندات الأميركية ومن خلفها الإسرائيلية.
"نداء الوطن" .. إعلام التهويل
"الحرب راجعة؟"؛ بهذا العنوان طالعتنا صحيفة "نداء الوطن"، في عددها الصادر في الثالث من الشهر الحالي. هو عنوان تهويلي تحريضي مرفق بصورة أرشيفية عن العدوان الإسرائيلي الأخير على الضاحية الجنوبية. ربط مقصود يتوجه إلى بيئة المقاومة، على وجه التحديد، للقول لها : "إن لم تنفذ مقاومتكم الشروط الأميركية؛ فسيصار إلى شنّ عدوان إسرائيلي عليكم". في المضمون؛ نقلت الصحيفة، عن ما أسمته "مصادر ديبلوماسية فاعلة في بيروت"؛ أن هذه المصادر: "لم تخفِ قلقها من احتمال أن تتطور الأمور ميدانيًا، في الأسابيع المقبلة، وسط ترجيحات متزايدة بشأن ضربة إسرائيلية تستهدف البنية التحتية العسكرية لـ"حزب الله" في شمال الليطاني، مع تركيز خاص على مناطق بعلبك والهرمل". وأضافت المصادر أن من شأن هذه "الخطوة المحتملة فرض توازن قوى جديد يُضعف نفوذ "الحزب"، ويقلّص الحضور الإيراني في لبنان، تمهيدًا لعودة الورقة التفاوضية، ولكن بشروط أكثر صرامة". وفي نهاية التقرير؛ تشير الصحيفة إلى أن: "أي انفجار ميداني لن يقتصر على حزب الله؛ سيطال كامل البيئة اللبنانية، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا"، في ظل "الهشاشة الداخلية". طبعًا، يقُصد، هنا، شمل جميع اللبنانيين للضغط أكثر على المقاومة، والإدعاء بأن "الاعتراض" بات أشمل وأوسع!.
تقاطعت هذه الأجواء مع ما نشرته صحيفة "الديار"، في اليوم عينه. إذ نقلت عن "مصدر وزاري سابق"- كما وصفته- مطلع على تفاصيل ملف المطلب الأميركي، بأن للأميركيين "وجهة نظر أخرى؛ تنصّ على أن السلطة التنفيذية هي في يدّ الحكومة، ويجب عليها وضع جدول زمني لحصر السلاح بيد الجيش اللبناني، وبدء التنفيذ بحسب هذا الجدول". الصحيفة كشفت مستويين من التهديدات الأميركية للبنان، في حال لم ينفذ هذا المطلب:
المستوى الأول عسكري: ويشمل اعتداءات إسرائيلية جوية؛ قد تستهدف "عمق بيروت" ‘لى جانب تهديد آخر آتٍ من الشرق، ويتمثل بوجود آلاف المقاتلين الشيشان والإيغور الذين "يصطفّون على الحدود اللبنانية من الجهة السورية".
المستوى الثاني: يتمثل بالاقتصاد، إذ تقول الصحيفة إنه من المتوقع زيادة الضغط على لبنان؛ سيما من باب "اللائحة السوداء"، إضافة إلى منع أي مساعدات أو قروض أو هبات إن لم يلتزم لبنان بالطلب الأميركي.
لماذا السلاح.. انتفى دوره!:
يمكن العودة، هنا، إلى ما قبل بثّ هذه الأجواء، إلى تمهيد قامت به وسائل الإعلام اللبنانية في إدعاء أن سلاح المقاومة انتفى دوره، ومن هنا وجب تسليمه والخضوع للأجندة الأميركية . تمثل هذا الأمر بالاتكاء على مدى عدوانية الحرب الإسرائيلية الماضية وقساوتها على لبنان، والتهويل بأن الحرب القادمة ستكون أشدّ ضراوة!.
قناة lbci، وفي تقرير إخباري سابق بثّته في شهر حزيران المنصرم، تحت عنوان "تموز شهر حاسم في بث تسليم سلاح حزب الله"، يستعرض الورقة الأميركية وتشكيل الدولة اللبنانية للجنة مؤلفة من مستشاري الرؤوساء الثلاثة للرد على هذه الورقة. والملاحظ، في نهاية التقرير، قول المعدّ بأن: "حزب الله" فصل مساره عن المنطقة: "انسحب من حرب إسناد غزة"، و"لا يردّ على الاعتداءات الإسرائيلية"، و"لم ينخرط في الحرب الإسرائيلية، ضد إيران"، ليسأل بعدها :" فماذا بقي من دور للسلاح؟".
الخدعة الإسرائيلية
إشاعة هذه الأجواء كانت مقصودة تحضيرًا لعودة المبعوث الأميركي إلى بيروت، والتي بالطبع ركزت على قضية السلاح لا على قضية حماية اللبنانيين وردع العدو.. وربما الأخطر ما ينتظر هؤلاء، بعد التغرير بهم إعلاميًا، بأن نزع السلاح سيؤدي إلى "السلام" والازدهار الاقتصادي!.
لكن يبدو أن في طيّات هذه الورقة ما هو أخطر. إذ كشفت صحيفة "الأخبار"، في عددها الصادر يوم الخميس الماضي، ما وصفته بـ"خدعة العدو"، ضمن تقرير معنوان :"خدعة العدو: الانسحاب الأول مقابل إخلاء المقاومة منطقة ما بين الليطاني والأولّي". يتضمن التقرير إقرارًا بالخداع الأميركي الذي يتمثل بطلب العدو "إخلاء منطقة واسعة ما بين الليطاني والأولّي، التي يراها الاحتلال :" القاعدة الخلفية لحزب الله". إضافة إلى تسليم السلاح الثقيل والانسحاب من "بيروت الكبرى والضاحية وأقضية جبل لبنان"، حتى تصبح المقاومة "حالًا شبيهة بالأحزاب الأخرى؛ محصورة ضمن مناطقها"!.