اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي تحوُّل المعادلات الإقليمية: اليمن وفلسطين يعيدان رسم ملامح الردع في وجه الكيان

مقالات

الماء سلاح إستراتيجي للكيان الصهيوني.. من العريش إلى صيدا!
مقالات

الماء سلاح إستراتيجي للكيان الصهيوني.. من العريش إلى صيدا!

110

شكّل نهر اليرموك -ينبع من المنطقة الواقعة بين جبل حوران وهضبة الجولان- وما يزال قضية محورية في التفكير "الإستراتيجي" المتعلّق بالسيطرة على الموارد المائية والممرات البحرية في العالم ولا سيّما في منطقة ما يسمّى "الشرق الأوسط". وإذا ما تتبّعنا السياق التاريخي لهذا الملف وجدنا أن سلطات الاستعمار الفرنسي والبريطاني أولت منذ ثلاثينيات القرن الماضي الاهتمام البالغ بهذا النهر وبما عُرف لاحقًا بحوض اليرموك، فجعلت منه خطًا حدوديًا يفصل بين الحدود الأردنية-السورية ومن ضمنها هضبة الجولان المحتلة. وحيّن صنّف قرار تقسيم فلسطين الصادر في العام 1947 جزءًا منه علامة حدودية فاصلة بين الأردن وفلسطين دخل نهر اليرموك في قائمة البنود "الجيوستراتيجية" في أجندة الاستهدافات الصهيونية.

يمتاز نهر اليرموك بأهميته الحيوية للأمن المائي العربي نظرًا لموقعه الإستراتيجي كأحد أكبر روافد نهر الأردن، ولذلك جعله قادة "إسرائيل" هدفًا دائمًا وبندًا حاضرًا في أي اتفاق أو معاهدة مع الدول العربية المحيطة بفلسطين، وهو لا يقلّ أهمية في سلّم الأطماع الصهيونية عن الثروات المائية اللبنانية التي أمعن العدوّ في سرقتها طوال سنوات احتلاله للبنان. ومن هنا نفهم إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على عقد اتفاق مع سورية ولبنان يضمن -إلى جانب الملفات السياسية والعسكرية- تحقيق بندين رئيسيين هما: 

 - اتفاق "إسرائيلي" - سوري - أردني حول مياه حوض اليرموك.
 - الإقرار بمزارع شبعا اللبنانية المحتلة على أنها أرض سورية.

وهذان الأمران إن تحقّقا يكفلان السيطرة "الإسرائيلية" على منابع المياه في كلّ من لبنان وسورية والأردن ما يسهم في زيادة حجم ومستوى إطباقها على هذه الدول والتحكّم بها وبمواردها الطبيعية وشريانها الحيوي، كما يهدّد استقرارها المعيشي والاقتصادي وأمنها المائي من خلال تقييد تدفق المياه إليها وتحويلها إلى بحيرة طبريا وحصر الاستفادة منها بالكيان الصهيوني.

أما بالنسبة لفلسطين المحتلة فإن "إسرائيل" التي تسيطر منذ العام 1967 على معظم مصادر المياه فيها تمارس سياسة "الفصل العنصري المائي" بحق الفلسطينيين حيث تقيّد استخدامهم للموارد المائية وتحظر عليهم حفر الآبار الارتوازية لتعويض النقص، وتعمد باستمرار إلى تخريب البنى التحتية للمياه في المناطق الفلسطينية من خزانات وآبار ومحطات تغذية -على غرار ما فعلت في حرب فلسطين بين العامين 1947 و1949 حيث دمّرت العصابات الصهيونية محطة "روتنبرج" الكهربائية لمنع السيطرة العربية الحصرية على موارد نهري الأردن واليرموك- وتمنع أعمال تأهيل التمديدات المائية بما يجعل من هذه المناطق أشبه بأماكن صحراوية لا يستطيع فيها الفلسطينيون ري مزروعاتهم ولا سيّما في الضفّة الغربية، ما يسهم في إضعاف الدورة الاقتصادية المحلية وزيادة نسبة البطالة والفقر. وهذا نموذج حقيقي وواقعي عما سيحلّ بلبنان وسورية والأردن إذا ما توصّل الصهاينة إلى تنفيذ مأربهم الشيطاني.

ولتوضيح الخطر الإستراتيجي الناتج عن المخطّط "الإسرائيلي" المائي لا بد من الإشارة إلى بعض المعطيات وأهمها أن لنهر الأردن منابع ثلاثة هي: نهر الحاصباني الذي ينبع من السفوح الشمالية الغربية لجبل الشيخ ويجري في الأراضي اللبنانية مسافة 24 كلم حتّى يصل إلى شمال فلسطين، ويتّحد مع نهر اللدان الذي ينبع من الجليل وكذلك مع نهر بانياس الذي ينبع من سورية، وتندمج الأنهار الثلاثة في بحيرة الحولة ثمّ تتدفّق جنوبًا لترفد نهر الأردن، وإلى الجنوب من طبريا ينضم إليها نهر اليرموك. وهكذا فإن الهيمنة على هذه المنابع توفر لـ"إسرائيل" كميات هائلة من المياه وتتيح لها امتلاك قيد حيوي إضافي يمكّنها من فرض شروطها وتوسيع دائرة احتلالها المباشر لسورية ولبنان والأردن تحت مظلة الأمن المائي.

إن التركيز "الإسرائيلي" على المطالبة بمياه نهر اليرموك وحوضه يعود إلى خلفيات سياسية واقتصادية أهمها:

 - ندرة الموارد المائية، حيث يسعى العدوّ إلى تأمين احتياجاته من الماء من خلال السيطرة على مصادر المياه الإقليمية والاستفادة منها في الزراعة والري وتوسيع المشاريع الاستيطانية، فإن المياه كانت وما تزال أحد أهم الأهداف الإستراتيجية للحركة الصهيونية.

 - الأطماع التاريخية، فقد حدّدت الحركة الصهيونية منذ مؤتمرها في العام 1897 الأنهار العربية وروافدها في لبنان وسورية والأردن نقاطًا جوهرية تثبت دعائم مشروع بناء "الدولة اليهودية" الموعودة.

 - اقتسام الموارد المائية، وأوّلها ما جاء في "خطة جونستون" في العام 1953 حيث فرضت بريطانيا وجود "إسرائيل" في مشاريع التنمية المائية لدول حوض نهر الأردن وتوزيع المياه على الدول المحاذية له، وأسّس الصهاينة على ذلك في تصنيف بحيرة طبريا خزانًا طبيعيًا لمياه النهر بما يكفل استمرار التدفق المائي إليها.

 - تضمين الماء بندًا أساسيًا في اتفاقات التسوية، وهذا ما اندرج فعلًا في بنود اتفاقية وادي عربة بين "إسرائيل" والأردن العام 1994، فقد أقرّت الاتفاقية مبدأ تقاسم المياه، حيث تحصل "إسرائيل" بموجبه على حصة ثابتة من مياه نهر اليرموك (25 مليون متر مكعب سنويًا).
 - إزالة موانع تدفق المياه، وقد وضع العدوّ لتحقيق ذلك هدفين، الأول: احتلال هضبة الجولان للسيطرة على جزء من الموارد المائية لنهر اليرموك وروافده، والثاني: إلزام سورية بفتح قنوات السدود التي بنتها على النهر لضمان تدفق المياه بنسبة أعلى إلى الأردن ومنها إلى "إسرائيل"، وهذا ما تشترطه حكومة نتنياهو على حكومة أحمد الشرع في دمشق من خلال الاتفاق الثلاثي "الإسرائيلي" – الأردني – السوري الذي يسعى العدوّ لعقده في المرحلة المقبلة.

يفتح هذا الحديث على قضية أخرى بالغة الخطورة تتعلّق بالأطماع "الإسرائيلية" المائية، ولا تنفصل عن الصورة العامة لمخطّط الهيمنة الشاملة، حيث إن نهر الليطاني الذي يجري في الأراضي اللبناني جنوبًا ويصب في البحر الأبيض المتوسط بالقرب من مدينة صور كان وما يزال هدفًا لمشاريع الهيمنة "الإسرائيلية" على المياه فضلًا عن نهري الحاصباني والوزاني، ودأبت حكومات العدوّ المتعاقبة على ممارسة ضغوط كبيرة، سواء بالتهديد أو بالحرب أو الاحتلال المباشر أو عبر المطرقة الأميركية، لمنع لبنان من استغلال ثرواته المائية سواء عبر تحويل روافد الأنهار أو تأهيلها أو إقامة السدود عليها.

في هذا الإطار، تلفت أوساط مطّلعة إلى خطورة المرامي "الإسرائيلية" في الحديث عن خط نهر الأوّلي وتحديده خطًا أمنيًا، مشيرة إلى أن المسألة لا تقف عند مدى جغرافي – عسكري بقدر ما هو متعلّق برسم حدود تاريخية، فقد شدّد دافيد بن غوريون في عام 1941 على ضرورة أن يكون نهر الليطاني ضمن حدود "الدولة اليهودية" شرطًا لضمان بقائها وازدهارها، وسبقه إلى ذلك حاييم وايزمان الذي سعى في العام 1919 خلال انعقاد مؤتمر باريس بعد الحرب العالمية الأولى، إلى إقرار خارطة جغرافيا "إسرائيل" تبدأ من العريش في مصر إلى العقبة جنوب الأردن وتمتد شمالًا حتّى حدود الجولان والقنيطرة في سورية مرورًا بمزارع شبعا وصولًا إلى صيدا في لبنان. وهذه هي الخارطة التي يطمح نتنياهو إلى رسمها اليوم بعناوين مختلفة.. وللحديث صلة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة