نقاط على الحروف

طيلة الأشهر الماضية، بنى وما زال الفريق السياسي والإعلامي المعادي للمقاومة سردية فرض تسليم سلاح المقاومة تحت شعار بناء دولة قوية وذات سيادة. هؤلاء الذين يكنّون أنفسهم بـ"السياديين" أصابهم الخرس في محضر كلام المبعوث الأميركي طوم براك الذي كان بمثابة قنبلة كان من المفترض أن تولّد ردود أفعال أو بيانات استنكار. صرّح براك لصحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية بأن لبنان "يواجه خطرًا وجوديًا" في وقوعه في "قبضة القوى الإقليمية" أي انضمامه إلى ما وصفه بـ"بلاد الشام"، ما لم تحل قضية السلاح، وعاد وأوضح على منصة X أنه لم يقصد تهديد لبنان بل أراد الإشادة بالخطوات الكبيرة التي قطعتها سورية في تحركها "بسرعة للاستفادة من الفرصة التاريخية". وبين التصريح الصحافي لبراك والتوضيح على وسائل التواصل الاجتماعي علقت المنصات الإعلامية المحلية التي تدور في فلك القوى السياسية المعادية للمقاومة، وانكشف أكثر فأكثر زيف ادّعاءات الحرص على السيادة الوطنية التي يبدو أنها محصورة بنزع سلاح المقاومة لا أكثر، فيما لم يلاق تصريح براك المهدّد لوجود لبنان أصلًا أي تعليق بل شهدنا موجة من تمييع الحدث ومروره مرور الكرام أو من التخفيف من وطأته وجديته، هكذا رست المشهدية الإعلامية المحلية.
التصريح الأميركي ونظرية التهميش:
على الرغم من إحداث تصريح براك بخصوص ضم لبنان إلى سورية، ضجة عارمة، إلا أن بعض وسائل الإعلام المحلية لجأت إلى نظرية التهميش وتمرير الحدث بشكل عابر دون أي تعليق إيجابي أو سلبي. يمكن العودة هنا، إلى نشرة أخبار lbci، في 12 تموز غداة التصريح الأميركي. نلحظ تمرير الخبر بشكل عابر، ونقل فحوى التصريح دون أي تعليق، مع عرض جزء من المقابلة الصحافية مع المبعوث الأميركي. هذا المسار شهدناه أيضًا على mtv التي أعادت بث التصريح ضمن دقيقة وربع الدقيقة، وأرفقته بنص التفسير على منصة X، دون أي تعليق من المحطة، أو حتّى استنكار، إذ كان لافتًا في قناة "المر" وصفها تصريح براك بـ"الخطأ الشكلي" وراحت تربطه بالوضع في المنطقة وتدعو السلطة اللبنانية إلى "التحرك بسرعة" بما أن "الوضع في المنطقة يتحرك بسرعة غير مسبوقة". وكمن يعيد تأكيد تصريح براك، سألت المحطة في مقدمة نشرة أخبارها: "هل ستتّخذ (السلطة اللبنانية) موقفًا قبل فوات الأوان؟"، بمعنى نزع سلاح المقاومة قبل تنفيذ تهديد المبعوث الأميركي!.
حفلات التبرير:
الى جانب تهميش الخبر/الحدث، كان لافتًا التقليل من أهميته والعمل على تقزيمه وإفراغه من مضمونه، تمهيدًا لعملية تبرير عدم الرد عليه. على سبيل المثال، استخدمت "الجديد" في مقدمة نشرة أخبارها المسائية عبارات : "تصعيد مدروس مع للصبر حدود" تعليقًا على تصريحات المبعوث الأميركي. بمعنى أن المحطة اعتبرت تهديد براك "مدروسًا" وله هدف في "رفع دوز الضغط عبر وقوع لبنان تحت القبضة الإقليمية". المسار نفسه سلكته صحيفة "الجمهورية" التي اختبأت خلف من قالت إنه "مرجع رسمي" لتقلل من شأن التصريح الأميركي. إذ نقلت عنه أن تصريح المبعوث الأميركي "لا يقدم ولا يؤخّر في الحقائق الثابتة"، وأنه "لا يجب منح هذا الموقف أهمية زائدة عن اللزوم"، معتبرة تصريحات برّاك "مناورات كلامية لا أكثر، بهدف الضغط على حزب الله والحكومة اللبنانية للانصياع لطلب نزع السلاح".
تصويب على المقاومة من بوابة تصريح براك
الصحيفة نفسها، استثمرت في كلام براك لتوجيهه صوب المقاومة بالادّعاء أن كلامه منح "حزب الله حجة إضافية للتمسك بالسلاح كسبيل وحيد ناجع للدفاع، لجهة سورية كما لجهة إسرائيل". وأن تهديد براك قدم "خدمة ثمينة للحزب في اللحظة التي يتعرّض فيها للضغوط من أجل التخلّي عن سلاحه". على المقلب عينه، استخدمت صحيفة "النهار" تهديد براك للبنان كفرصة للضغط أكثر لنزع سلاح المقاومة. يمكن الاستناد هنا إلى مقالة منشورة على موقعها الإلكتروني في 14 الحالي، تحت عنوان: "لبنان والتهديد الوجودي بين ما حاوله محور الممانعة والبعث السوري وتحذيرات توم براك". يحاول الكاتب هنا، تثبيت تصريح براك من خلال ربطه بما يحدث في سورية وتأثر لبنان به، والقول بأن النظام هناك لا يقبل "وجود قوى شيعية أيديولوجية مسلحة كحزب الله على حدوده، وتنادي بمحاربة "إسرائيل" في وقت يتّجه فيه للتطبيع معها". المقالة راحت تهوّل بحصول الحرب "الإسرائيلية" على لبنان التي ستكون "بشراسة حرب غزّة"، وأيضًا بـ"تجدد الاشتباكات ذات الطابع المذهبي على الحدود الشرقية مع سورية قد يدفع بعمليات توغل داخل لبنان". وختم بالقول: "فإما أن يلحظ قادة لبنان الذين وصلوا بدعم خارجي وزعماء الطائفة ال