اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي العدوان المتواصل على غزّة: أكثر من 80 شهيدًا خلال 24 ساعة

مقالات

إستراتيجيات المشروع الأمريكي الصهيوني الجديد لابتلاع المنطقة
مقالات

إستراتيجيات المشروع الأمريكي الصهيوني الجديد لابتلاع المنطقة

133

تتسارع الأحداث بوتيرة مذهلة بشأن ملفات ظلت حبيسة الأدراج، وخضعت لنطاق التسريبات ونظريات المؤامرة، لتخرج إلى العلن وإلى نطاق التصريحات العلنية ومن مصادر كبرى مسؤولة، وليس من مصادر مجهولة، وهو ما يعطي عنوانًا للحظة الراهنة، بأننا في لحظة الحسم  وفي قلب المعركة الوجودية.

ولعل أبرز هذه الملفات التي صدرت بشأنها تصريحات علنية من أميركا والكيان الصهيوني، تترابط في ما بينها وتخضع لعنوان واحد، وهو العجلة في إعادة ترتيب المنطقة ورسم ملامح جغرافية وسياسية جديدة، انطلاقًا من قراءة أمريكية وصهيونية، بأن اللحظة مؤاتية بعد التغيرات والمستجدات الأخيرة والتي يقرأها الأميركي والصهيوني باعتبارها نصرًا يستوجب سرعة إنهاء وتحجيم كامل النفوذ المقاوم للهيمنة؛ سواء الخارجي مثل النفوذ الروسي والصيني، أو الداخلي والممثَّل في إيران وحركات المقاومة، بهدف تشكيل منطقة هيمنة خالصة لأميركا يأتي الكيان على رأسها وواجهتها، وتأتي بقية الحكومات متكاملة في منظومة الهيمنة، تابعة ومحافظة على التفوق والريادة الصهيونية عبر اتفاقات "إبراهيمية"، وموظفة وخادمة للهيمنة وترس في ماكينتها.

وقبل تناول هذه الملفات، ينبغي إلقاء الضوء على الهدف الإستراتيجي الأمريكي والصهيوني بالمنطقة في إطار الصراعين الدولي والإقليمي بشكل موجز، حتى يتسنى فهم النوايا والتوجهات الراهنة:

لا تزال أدبيات الأمن القومي الأمريكي، والتي تهدف للهيمنة واعتلاء العرش العالمي، تتمحور حول الأطروحات التقليدية الكبرى لكبار الإستراتيجيين الأمريكيين والغربيين، والتي ملخصها هو السيطرة على أوراسيا باعتبارها قلب العالم، وهذه السيطرة تكفل السيطرة على العالم.

 وهذه السيطرة تتطلب فصل روسيا عن أوروبا ومحاصرتها، حيث يرى كيسنجر، أن روسيا دون أوكرانيا لا يمكن أن تصبح قطبًا عالميًّا، وهو ما يفسر هذا الدعم غير المحدود لأوكرانيا.

كما ينبغي خلق تهديدات دائمة للصين وعدم استقرار في شرق آسيا؛ للحيلولة دون التعاون الأوراسي ومحاصرة المشاريع الصينية الخاصة بالعولمة، وهو ما يفسر محاصرة مشروع الحزام والطريق ومحاولة خلق مشروعات بديلة مثل الممر الهندي.

كما أن السيطرة على الدول المركزية في القوس الملاصق لأوراسيا هو ضمانة لهذه السيطرة، وهو ما يشمل المحاور الجيوبوليتكية الثابتة المهمة التي تحدث عنها كيسنجر، وهي، أوكرانيا وأذربيجان وكوريا الجنوبية وتركيا وإيران.

وهو ما يفسر الدور الذي تلعبه أذربيجان وسبب ذهاب الرئيس السوري الجولاني "الشرع" إليها، ويفسر الدور التركي المحوري في الإستراتيجية الأمريكية وحتمية استرضاء تركيا، ولماذا هذه الحملات المكثفة لإسقاط النظام في إيران، وليس مجرد تحجيم نفوذه. 

وللسيطرة على المنطقة ينبغي أن تكون "إسرائيل الكبرى" هي القائد؛ باعتبارها درة تاج المشروع الأميركي والغربي، وربط جميع الأنظمة بمنظومة تطبيع لتعمل ككيان واحد متعاون في حصار المقاومة وخدمة أجندة الهيمنة.

وهذا يتطلب زيادة مساحة الكيان، وهو ما أعلن عنه ترامب صراحة، إذ قال، إن مساحة الكيان الراهنة غير مناسبة، وخلق طوق آمن حول الكيان سواء، بشكل أمني جغرافي عبر مناطق عازلة في الجولان ولبنان والأردن وسيناء "بعد التهجير المستهدف"، أو بشكل سياسي عبر سيطرة حكومات وسلطات مطبِّعة ومعادية للمقاومة أيًّا كانت نظم الحكم فيها، من حيث الصبغة "إسلامية أو ليبرالية" ومن حيث الهيكلة "فيدرالية بأقليات متناحرة"، أو مركزية بجيوش لا تهدد الكيان وإنما بعقيدة قمعية وعصابية تضمن أمن الكيان وحصار المقاومة".

وهنا يمكننا تناول أبرز الملفات المستجدة، وفقًا لهذا التصور الأمريكي والصهيوني:

1- ملف تصفية القضية الفلسطينية، وفقًا للسيناريو الأسوأ للتصفية، بتهجير الشعب الفلسطيني من غزة باتجاه مصر، ومن الضفة باتجاه الأردن، وإنهاء الحديث عن أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية. 

وهو ما يتم تكثيف إجراءاته عمليًا عبر خطط الدفع بالفلسطينيين إلى رفح لإقامة "منطقة إنسانية" بين محورَي موراج وفيلادلفيا، تمهيدًا لطردهم نحو حدود سيناء، وهي خطة معلنة، ويتم التصريح بها ونشر خرائطها بوقاحة شديدة، دون حراك عربي ولا حتى مصري، واللافت أن ترامب صديق الأنظمة "المعتدلة" هو صاحب الإعلان الأول عن التهجير، وربما دفعته أشواقه لجائزة نوبل إلى ترك مهمة التصريحات الأخيرة بشأن الدولة الفلسطينية لنتنياهو، والذي أنهى الحديث حول هذا الملف وقال، إن قيامها خطر على الكيان، وبالتالي لن يسمح به.

2- محاولة رسم حدود جديدة على أنقاض حدود سايكس بيكو،  بعودة "بلاد الشام" وفقًا للخرائط العثمانية على حساب لبنان، وهو أمر لا ينبغي الاستهانة به؛ لأنه مشروع يقتضي تبادلًا للأراضي بين نظام الجولاني والكيان، حيث يتم التفريط بالجولان، وربما أجزاء من الجنوب في السويداء مثلًا "ولْنَلْحظ أحداث السويداء" لخلق منطقة عازلة مع فلسطين المحتلة، مقابل انتزاع أراضٍ من لبنان؛ لتكون تحت حكم العصابات التكفيرية كضامن لأمن الكيان وأميركا بإطباق الحصار على المقاومة بشكله اللوجستي، وبشكله الأمني أيضاً عبر تشكيل تهديد مسلح للمقاومة وجمهورها، وهو ما يعني غياب لبنان بشكله الراهن وعودته إلى ما قبل سايكس بيكو، بل وربما احتلاله بشكل كامل.

3-  تهديد العراق ومحاولة إفراغه من المقاومة، وتحريك أعداء المقاومة فيه؛ لحمل لافتات مثل "تعزيز الأمن" و"نزع سلاح الميليشيات" والتصويب على الحشد الشعبي؛ لمنع كل تهديد للقواعد الأمريكية أو أمن الكيان، وجعل العراق بكامله منطقة عازلة تمنع التواصل بين إيران وسورية، كما تم منع التواصل بين سورية ولبنان، ومن جهة أخرى تحويل العراق إلى منصة تهديد لإيران عبر استخدام أجوائه وقواعده للعدوان على عليها، وللتجسس والرصد، ومنصة دفاع متقدم لحماية أمن الكيان من الصواريخ الإيرانية.

4- استرضاء تركيا ومكافأتها على دورها في سورية، بتخليصها من صداع الأكراد وقسد ومسد وحزب العمال الكردستاني، وتعميق نفوذها في سورية، ومحاولة احتواء الأكراد داخل قوات هجينة تعمل للصالح الأمريكي، وتتخذ مسمى "الجيش السوري"، فيما هي قوات تعمل بالوكالة ولا تمتلك أسلحة تهدد الكيان، إذ سيتم دعمها بأسلحة لحرب العصابات؛ كي تكون مهيأة لقتال حركات المقاومة وقطع طرق تواصل الإمدادات، وكذلك مهاجمة القرى والمدن للقمع والقتل وإرهاب المعارضين وأنصار المقاومة والوطنيين والشرفاء.

وهناك مكافآت أخرى لتركيا؛ تتعلق بصفقات لتقاسم مكاسب خطوط الغاز والطاقة عبر مسارات خط الغاز القطري ومصالح الطاقة البديلة للمصالح الروسية، والتي كانت من ضمن أسباب متعددة لشن الحرب الكونية على سورية وإسقاط نظامها.

إن التصريحات العلنية المصاحبة للتوجه الأمريكي والصهيوني الراهن بعد صمت الأنظمة العربية وتواطئها لهو أكبر جرس إنذار؛ لأن الحديث عن "بلاد الشام" لا يهدد لبنان وحده، بل يهدد الأردن أيضاً إذا لم تنصَعْ، والمطلوب هو تشكيل دولة على غرار الدولة العثمانية، ولكن تحت ولاية أمريكية تقوم بتعيين الولاة وعزلهم، ولن يسمح فيها بجيوش وطنية، حيث ستتم الاستدارة لمحاولة تدمير كامل الجيوش الوطنية والاكتفاء بميليشيات تقمع الاضطرابات وجيش واحد قوي أمريكي وصهيوني، وهو ما يضمن الهيمنة الأمريكية في إطار صراعها الدولي وسيطرتها على هذه المنطقة بكامل بقعها الجيوستراتيجية.

وهذا التهديد الوجودي الخطير يفترض هزيمة المقاومة واستسلامها واكتفاءها بانتظار الذبح، وهو ما لم ولن يحدث، حيث ستقاتل بشرف إلى الرمق الأخير، ولعل سرعة استفاقة الشعوب والأنظمة التي لا تريد هذا المصير تستطيع خفض الكلفة والخسائر ودرء هذا الخطر سريعًا، ولكن المقاومة التي أقامت الحجة وناشدت الجميع لن تنتظر أحدًا وستقاتل ولو منفردة؛ لأن المقاومة هي طوق النجاة الوحيد، بينما من يخشى المواجهة لكلفتها سيدفع كلفة أكبر أقلها السقوط والاندثار والعبودية.

الكلمات المفتاحية
مشاركة