مقالات

في زيارته الأخيرة إلى واشنطن، كان نتنياهو يختال مزهوًا بما حقق من إنجازات في لبنان وإيران، لكن عملية بيت حانون كانت من المنغصات الكبرى، التي جعلته يوجه بعدم الإعلان عن تفاصيلها المؤلمة، لحين انتهاء حفل العشاء مع ترامب، حتّى لا تكون سببًا في تسميم اللقمة وابتسامات الشياطين.
ورغم أنّ الزيارة تمت إشاعة أجواء احتفالية عن أسبابها، إلّا أنّ الحرب على غزّة، كانت هي الركيزة الأساسية، وتم إغراق الإعلام العالمي والعربي بأمواجٍ تفاؤلية، عن قرب التوصل لاتفاق هدنة، وأنّ الأمر مسألة وقت، ولا يعدو مجرد ساعات.
وفجأةً وبعد انتهاء الزيارة، تتعثر المفاوضات وتوشك على الانهيار، وذلك على إثر خرائط إعادة التموضع، التي قدمها الكيان، وهي بمثابة وثيقة استسلام، ومجرد مقدمة لإنشاء أسوأ مركز احتجاز في التاريخ، وهو ما يمهد لعملية تهجير منظمة، تحت مسميات إنسانية، رغم أنّ الإنسانية والكيان خطان متوازيان، لا يمكن أن يلتقيا ما دام الليل والنهار.
وقد اعتاد الكيان هذه اللعبة، لعبة إشاعة التفاؤل - وهي غير اللعبة عنوان المقال - وهي ترمي لعدة أهداف، تحميل حماس مسؤولية استمرار الحرب، ومحاولة امتصاص الغضب في الشارع الغربي، وتحريض المجتمع الغزّي خصوصًا والفلسطيني والعربي والإسلامي عمومًا على حماس، باعتبارها السبب الوحيد لاستمرار الحرب.
رغم أنّ حماس هي الطرف الأكثر حرصًا على وقف الحرب، ولكن ليس عبر الاستسلام، وهي لعبةٌ تنجح لكن بشكلٍ ظرفيّ، حين ينتقل الناس من ذروة الأمل إلى حافة اليأس، لكن الأمر لا يطول كثيرًا، لأنّ الغزيين لا وقت لديهم لهذا الترف الشعوري، إنّما هم يسابقون الموت على مدار الساعة، ويلاحقون مياه الشرب ومياه الاستخدام اليومي، ويركضون خلف لقمة العيش، التي تبقيهم قيد الانتظار، رغم أنّهم لا يعرفون غالبًا ماذا ينتظرون.
أمّا لعبة نتنياهو التي جرّبها ونجحت، فهي العدوان على إيران، حيث إنّ ائتلافه خسر كثيرًا من المقاعد قبل الهجوم على إيران، حيث وصلت مقاعد ائتلافه إلى 37 مقعدًا، ولكن بمجرد بدء العدوان على إيران، ارتفعت مقاعده في ""الكنيست"" حسب أكثر استطلاعات الرأي إلى 57 مقعدًا، وهذا يمهد أمامه الطريق لتشكيل حكومةٍ جديدة.
ومن ناحيةٍ أخرى كما يعتقد نتنياهو، إنّها حربٌ ذات نهايةٍ مضمونةٍ ومأمونة، على غرار الحرب الأولى، فإن كان سيرها لصالحه، استمر بها حتّى إخضاع إيران، والحصول على صك استسلامها، أمّا إن كانت لغير صالحه، تدخّلَ ترامب كإطفائي ليوقف الحرب، فحسب ظنّه أن إيران لا زالت في طور الدفاع، وهي تتصرف بمنطق ردّ الفعل.
وهو يتخّذ من العدوان الأول سابقةً قابلةً للتكرار: نبدأ بالعدوان، ثمّ حين لا يسير نحو استسلام إيران، نعرض وقفًا للنار، فتستجيب إيران، لأنّها لم تبدِ نوايا هجومية حتّى اللحظة، فلماذا لا نجربها مجددًا؟
خصوصًا أنّ استمرار الحرب على غزّة، يؤدي إلى تآكل شعبية الائتلاف النتنياهوي، وتناقص متسارع في حجم المقاعد التي سيحصل عليها في ""الكنيست""، وبالتالي فإنّ استمرار حرب غزّة بحاجةٍ إلى رافدٍ يعوّض هذا التآكل وذاك التناقص.
وقد يكون لبنان مرشحًا كذلك أو اليمن، وهذا بالنسبة للولايات المتحدة، إستراتيجية قضمٍ بطيئة، ولا يمكن إلّا أن تستمر حتّى النهاية، وكما قلنا منذ اليوم الأول إنّها حربٌ بدأت ولن تنتهي، إنّما هي أطوارٌ تعقبها أطوار، وستظل غزّة في دائرة الإبادة ومحاولات التهجير، مع رفدها بلعبة الشعبية وكراسي" ""الكنيست"""، كما شيزوفرينيا ترامب عن استحقاقه لجائزة نوبل للسلام، بكلّ ما يتطلبه ذلك من مكرٍ وخداع، ومصفوفات كلامية عن الهدوء والسلام.