اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي  حزب الله وجمهور المقاومة يشيّعيون الشهيد السيد رياض أحمد في بلدة رأس أسطا - جبيل 

تحقيقات ومقابلات

حينما عادت جدتي إلى الجنوب..
تحقيقات ومقابلات

حينما عادت جدتي إلى الجنوب..

214

ستظل العودة إلى المنزل من أعظم وأجلّ ما يشعر به الإنسان. نعمة الانتماء لمكان تسكن بِه أنفسنا. فكيف هي حال البيوت في الجنوب اللبناني؟ هي أرواحنا وقد تجسّدت، وهي كلماتنا وقد صارت سقفًا، وهي خبزنا وطحيننا والبرغل، والورد الذي ينمو على شرفاتنا. وكلّما هجرناها عدنا إليها، وكلّما هُجِّرنا منها استبدّ بنا الشوق إليها. فتخيل نفسك في إحدى القرى الحدودية اللبنانية، حيث تهدّد الغارات "الإسرائيلية" حياتك، ولكن، وسط هذا الخراب، يحتفظ منزلك بكنز ثمين: "المونة اللبنانية".

"عن خبرية المونة "، تخبرنا زهراء نصر الله. مع إعلان دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ عقب عدوان تموز 2006، تطلب جدتي أم غسان -التي عايشت الاحتلال في الجنوب قبل التحرير- العودة إلى منزلها في برعشيت. تقول زهراء: "يا ستي وين بدك تطلعي". أصرّت جدتي رغم كلّ محاولاتنا والتحذيرات من عدم الانسحاب الكامل للعدو من القرية. "طالعة عالدار لو مكوم حجار، بدي جيب المونة". أجبناها: "أي مونة؟ ليش بقي مونة يا ستي". تمتعض من أقوالنا وتأخذ قراراها.

تحدثنا زهراء عن رحلة العودة بعد 33 يومًا من الغياب. قادت جدتي السيارة وسط قوافل العائدين من أبناء القرى. كانت مشاهد الدمار تتزايد كلما تقدمنا في عمق الجنوب. في صبيحة ذلك اليوم الخاص في حياتي، وصلنا برعشيت، حيث تحوّل منزل جدتي إلى أطلال. هنا لم تعد البيوت بيوتنا، عادت إلى كينونتها. ظل تموز يهزها حتّى صارت ملك الأرض.

في الزيارة القصيرة إلى بيتها المدمر، وقفتُ برهة أستذكر ما مضى. ذلك البيت الذي يقبع في حارة يسكنها الطيبون وكبار السن. هنا كانت تنقي العدس وتجفف التين، هنا لعبتُ في صغري، وترندحتُ على مرجوحة تدلت بواسطة حبلة من السقف.

"المونة هذا العام لها طعمٌ آخر"، تخبرنا جدتي. في غرفتين صغيرتين نجتا من دمار كامل، "زمطت المونة". من بين الأنقاض، ورماد الحرب، استلمت جدتي مونتها من جارتها. أي صمود هذا؟ أي عزّة؟ بينما كان العدوّ يلملم أشلاء قتلاه، كان أناسنا يجمعون الحطب والمونة، ينصبون الخيم فوف الركام والأراضي.

تستذكر زهراء هنا، جارهم العجوز، الذي استأذن جدتها أن ينصب خيمة فوق أرضها، إلى حين إتمام العمار. فكان الجواب: "الدار إلك يا جار والعتبة إلنا".

هم شعب وأناس رسموا بعودتهم أجمل مقاومة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة