اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي وداع شعبي حاشد للفنان زياد الرحباني في الحمرا

مقالات

الجولاني ورهان الإمساك بالسلطة عبر الاقتصاد
مقالات

الجولاني ورهان الإمساك بالسلطة عبر الاقتصاد

116

منذ تسلّمه الرئاسة في كانون الثاني/يناير 2025، تبنى أبو محمد الجولاني، المعروف الآن باسم "أحمد الشرع" إستراتيجية الإمساك بالسلطة عبر الهيمنة على القطاعات الاقتصادية، لتكون عمادًا لسلطته عوض الجماعات المسلحة المشكلة من موزاييك من المقاتلين الأجانب الأوزبيك والشيشان والطاجيك وغيرهم. وقد لخص الجولاني الذي اتّخذ صفة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية ومدتها خمس سنوات، إستراتيجيته بعنوان عريض: "انتهت الحرب ضدّ الطغيان، وبدأت المعركة ضدّ الفقر".


من هنا فإن الجولاني بات يستخدم إعادة الإعمار والاستثمار الأجنبي كأدوات لتعزيز شرعيته وتوسيع تحالفاته الإقليمية، لا سيما مع تركيا من جهة، ومع المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، مستندًا إلى تشعب مصالح البورجوازية الشامية والحلبية مع النخب الاقتصادية في البلدان الثلاثة آنفة الذكر. 

التركيز على المدن الكبرى


في إطار مشروعه لإحكام قبضته على السلطة، بناء على نصائح رعاته الأتراك والقطريين بالدرجة الأولى، فإن الجولاني بات يرتكز على البورجوازية الدمشقية والحلبية وهي الطبقة نفسها التي شكلت عماد النظام السابق على مدى العقدين الماضيين. لذا فإن مشروعه يسعى للتركيز على إعادة تأهيل البنى التحتية في دمشق وحلب على حساب الريف الذي يبدو أنه سيكون مهملًا وسيكون تحييده معتمدًا بالدرجة الأولى على إثارة النعرات الطائفية بغية إلهائه عن أزمته الحقيقية، وعبر ربطه بشبكة من العطاءات التي تشكّل عمادًا للاقتصاد الريعي بغية اجتذاب الولاءات من قبل القبائل والعشائر العربية في شمال وشرق سورية من جهة وربط بعض المناطق الريفية من خلال المجالس المحلية، وشبكات رجال الأعمال ومن خلال المشاريع الاقتصادية وعقود الشراكة، يدمج هذه الأطراف ضمن نظامه، ويضمن ولاءها عن طريق ربط مصالحها المالية ببقاء النظام واستقراره.

العلاقات الإقليمية 

يعلن الجولاني أنه يتفاوض مع تركيا وروسيا بغية البت في طبيعة وجودهما العسكري في سورية، إلا أن هذا يغطي البعد الاقتصادي في العلاقة، خصوصًا مع تركيا التي وعدها بمنحها حصة الأسد من عقود إعادة الاعمار والتجارة في مقابل الدعم الذي قدمته وتقدمه له أنقرة للبقاء في سدة الحكم ودعم نظامه.


والجدير ذكره أن حجم التجارة التركية – العربية بلغ أكثر من 55 مليار دولار في 2023، بمعدل نمو 10 بالمئة سنويًا. وتسعى تركيا لتعزيز هيمنتها في سورية بغية تأكيد حضورها في مواجهة إيران التي كانت حاضرة في المشهد السوري حتّى تاريخ انهيار نظام الرئيس بشار الأسد من جهة، وفي مواجهة "إسرائيل" التي تسعى لتقسيم سورية في إطار إستراتيجيتها لتحويل مجمل منطقة الهلال الخصيب على صورتها من جهة أخرى. لذا فإن أنقرة تسعى لتعزيز حضورها في سورية عبر الاقتصاد والاستثمارات التركية في قطاعات البناء والطاقة والنقل بما يجعل سورية نافذة يتنفس منها الاقتصاد التركي الذي يعاني من أزمات عدة. 


ويأمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضًا أن يحول تركيا إلى حلقة وصل مع الدول العربية الخليجية الغنية بالنفط والتي تتمتع بطفرة مالية بما يجعل سورية حلقة الوصل الرئيسية لوصول الاستثمارات الخليجية إلى تركيا، في مقابل تحويل الدول الخليجية إلى أسواق للبضائع التركية. وتدرك تركيا أن الدول الخليجية وخصوصًا الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية ترحبان بدور تركي محوري في سورية يمنع إيران من استعادة حضورها في الميدان السوري من جهة، ويمكن أن يؤهل سورية لأن تكون ركنًا من أركان الاتفاقات الإبراهيمية للتطبيع مع "إسرائيل" من جهة أخرى. 

موقف الرياض وأبو ظبي 


تتعامل الرياض مع الجولاني بإيجابية بنتيجة سعيها للحد مما تعتبره نفوذًا إيرانيًا في المنطقة. أما أبو ظبي فترى في دمشق بوابة لاستثمارات تسعى إليها، خصوصًا في مجال إعادة إعمار البنى التحتية، عدا عن سعيها للاستحواذ على مينائي اللاذقية وطرطوس ومد شبكة هيمنتها على المرافئ من شواطئ المحيط الهندي إلى شرق المتوسط. 


وتسعى الدول الخليجية لمبادلة الدعم للجولاني بإجراء "إصلاحات اقتصادية" تتمثل بخصخصة القطاع العام السوري وفتحه أمام الاستثمارات الخليجية. وقد سهل التقارب التركي – الخليجي بعد 2021 للجولاني نسج شبكة تحالفات اقتصادية وسياسية بما يمكن أن يسمح له بتنويع مصادر الدعم لنظامه، حيث يمكن لتركيا أن توفّر دعمًا سريعًا له في حال حصل أي تهديد لنظامه من جهة، في ما يمكن لدول الخليج أن تؤمن التمويل من جهة وتعزز "الشرعية العربية" لسورية لإعادة دمجها في النظام الإقليمي من جهة أخرى. وقد تجلت بدايات ذلك في المؤتمر الاستثماري السعودي السوري الذي عقد في الأسبوع الثالث من تموز/ يوليو. 

العقبات التي تواجه الجولاني 


يواجه الجولاني عقبات عدة قد تمنعه من تحقيق ما يبتغيه، وأولى تلك العقبات هي العقوبات الغربية التي تجددت بـ"قانون قيصر معدل" عقب المجازر التي ارتكبتها قوات الأمن التابعة له في محافظة السويداء. ومن شأن إبقاء هذه العقوبات تقييد حركة الأموال والاستثمارات الخليجية، في ظل خشية الدول الخليجية من تعرضها لعقوبات ثانوية أميركية، في حال التعامل مع نظام الجولاني الواقع تحت العقوبات. وتخشى الدول الخليجية من "الخلفية الإسلامية" للجولاني وعلاقاته بتركيا وقطر اللتين ترعيان "الاخوان المسلمين" الذين كادوا أن يشكلوا بديلًا عن الأسر الخليجية الحاكمة دعمته الولايات المتحدة خلال رئاسة الرئيس الأميركي باراك أوباما (2009 – 2017). ويضاف إلى العقبات انقسام الجماعات المسلحة التي تؤيد الجولاني في ما بينها مما قد يهدّد استقرار الأمن وهو الشرط اللازم لاجتذاب الاستثمارات. وإذا لم يتجاوز الجولاني هذه العقبات فإنه قد يجد نفسه في معضلة بما يهدّد فرص بقائه في السلطة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة