مقالات

إذا تابعنا تصريحات مسؤولي الاحتلال وخطاباتهم وتهديداتهم، في المرحلة الأخيرة، وخاصة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير حربه إسرائيل كاتس، سنعتقد أن حماس في ساعات معدودة ستستسلم وترضخ لشروط الكيان بتسليم الأسرى "الإسرائيليين" والقبول ببقاء وحداته العسكرية في أكثر من محور ومنطقة داخل قطاع غزة. كما سنفهم أنه لن يكون لحركة حماس أي دور أو وجود في القطاع، سواء أكان عسكريًا أم إداريًا أم سياسيّا، وبأنّ الحرب ستنتهي كما خطط لها نتنياهو ووضع أهدافها تمامًا.
طبعًا، هذا الأمر يدور في مخيلة هؤلاء المذكورين من مسؤولي الكيان، اليوم، والذين يعيشون في عالم آخر وبعيدين عن حقيقة الميدان الفعلي في غزة حاليًا البعيد عن التمنيّات "الإسرائيلية". ويمكن القول فعلاً إنه على نتنياهو إذا أراد إنهاء هذه الحرب وإعادة الأسرى "الإسرائيليين" أن ينفذ شروط حماس بإنهاء الحرب والعدوان، والانسحاب من مناطق ومحاور القطاع كله وإجراء تبادل متوازن بين الأسرى "الإسرائيليين" وبين المعتقلين الفلسطينيين، بالإضافة إلى تسهيل عمليتي دخول المساعدات والإعمار.
في الواقع، قد تكون هذه المعادلة أيضا صعبة، أي إنهاء الحرب بشروط حماس، ولكنّها عمليًا هي الأقرب من تمنيات نتنياهو وإسرائيل كاتس ومطالبهما، وذلك استنادًا إلى المعطيات الآتية:
أولاً: بمعزل عن عدم اعتراف نتنياهو وفريقه بذلك، فقد فشلت وبشكل واضح عملية الاحتلال الأخيرة في غزة "عربات جدعون"، والتي أقرها المجلس الوزاري المصغر الأمني "الإسرائيلي"، في أوائل شهر مايو/ أيار الحالي.
هذه العملية التي كانت تهدف إلى تحقيق حسم عسكري وسياسي في قطاع غزة، في عملية منظمة من 3 مراحل (احتلال وسيطرة، محاصرة وتجويع، تهجير كامل) وذلك عبر استخدام 5 عوامل من الضغط ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في محاولة لإرغامها على القبول باتفاق لتبادل الأسرى، وتفكيك بنيتها العسكرية. ولكن ضاعت أهدافها، اليوم، بين ثبات المقاومين الفلسطينيين التاريخي والاستثنائي في قتال العدو، وبين ملاحم الصمود غير الطبيعي التي يسطّرها مدنيو غزة ببقائهم في مناطق القتال والاشتباكات، على الرغم ممّا يُفرضه عليهم العدو من جوع وحصار وقتل وتدمير. وعلى الرغم من وقوع عدد كبير من الإصابات بين جنود العدو، قتلى وجرحى، والتي فاق عددها، في الشهر الأخير وتحديدًا في عملية "عربات جدعون"، ما وقع له من إصابات في الأشهر العشرة الأخيرة من حربه على القطاع.
هذا في غزة ، أما في خارجها، فيمكن القول إن مستويات الضغط على نتنياهو تتصاعد متسارعة، وذلك على الشكل الآتي:
1.الضغوط داخل الكيان: تتسارع وتتصاعد عمليات الضغط الشعبي والسياسي على نتنياهو لإنهاء الحرب والسير بصفقة متوازنة ومقبولة. وذلك بين ضغط الجيش الذي لم يعد يجد أي أفق لحربه على غزة، وبين مشكلات التجنيد وخاصة الحريديم الذين بدأوا يتكلمون عن الهجرة النهائية من الكيان، وبين ازدياد عدد نواب الكتل الدينية التي تنسحب من الائتلاف المكون لحكومة نتنياهو، والتي أصبحت مهددة بالسقوط.
2.الضغوط من خارج الكيان: خاصة من عدد كبير من الدول الأوروبية، والتي تنادي جميعها بإنهاء الحرب والإبادة في غزة. لقد تحولت هذه الضغوط، أيضا إلى لوبي دولي غربي، بدأ يتوسع بشكل لافت، يتحضّر أولاً للاعتراف بالدولة الفلسطينية ويضغط باتجاه الصعد كافة لفرض حل الدولتين (دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب "إسرائيل").
مع تلك الضغوط الداخلية والخارجية كلها على حكومة نتنياهو لإنهاء الحرب فورًا؛ جاءت المطالبات الجدية من عدد غير بسيط من نواب الكونغرس الأميركي بوقف المساعدات والدعم العسكري لإسرائيل فورا، في حال عدم إيقافها الحرب والإبادة ضد غزة، لترفع من نسبة الضغوط على نتنياهو وحكومته المتشددة لدرجة لا يبدو أنه قادر على الوقوف في وجهها، الأمر الذي بدأ يفرض نهاية قريبة لهذه الحرب المجنونة.