مقالات

في أيار الفائت، بدأ الحديث على المستوى السياسي والعسكري في كيان العدو عن خطّة احتلال غزة. ورقةٌ أشهَرَها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بموازاة المعلومات التي تضخّها أوساطه بشأن تعذُّر نجاح المفاوضات مع حماس.
السؤال المركزي الذي يشكّل اليوم محور مناقشات العدو على الصعيد الميداني وحتى "المُجتمعي" يقوم على فكرة: هل فعلًا تستطيع "إسرائيل" تنفيذ الخطة على الأرض؟ وإلى ماذا تحتاج العملية فعليًّا؟
فلنضع جانبًا الخلاف الكبير بين نتنياهو ورئيس الأركان إيال زمير، والذي سينتهي باستقالة الأخير أو إقالته، وبمعزل عن رأي القيادة العسكرية التي لا تتفق مع توجيهات رئيس الحكومة؛ المسألة تتطلّب الكثير من الإجراءات العملية بالنسبة للجيش "الإسرائيلي" ولسلطات الاحتلال.
المطروح من جانب نتنياهو هو خيار من ثلاثة؛ إمّا احتلال القطاع بأكمله أو جزء منه (المخيّمات الرئيسة) أو مدينة غزة، وإمّا إقامة حكم عسكري، وإمّا ترحيل مليون من سكانه، وفق ما يفيد رئيس برنامج سياسات الأمن القومي في معهد أبحاث الأمن القومي عوفر شلح.
يقول المحلل العسكري يوآف زيتون، إن نتنياهو يؤيّد خيار الاحتلال الكامل، وهو ما يحتاج إلى موافقة الكابينت لإصدار أمر للجيش للبدء بالتنفيذ، غير أن المؤسسة العسكرية تميل إلى تغليب خيار التوصّل إلى صفقة تعيد الأسرى إلى "ديارهم".
الخلاف الجوهري بحسب زيتون، هو حول الشروع في عملية برية كبيرة وطويلة، مع عدد كبير من القتلى وتكاليف باهظة، ولكن دون هدف بعيد المدى، والذي يخشى نتنياهو من تحديده لمستقبل غزة؛ باعتباره قرارًا سياسيًّا محفوفًا بالأخطار، تتهرّب منه حكومة "إسرائيل" وتتردّد في اتخاذه مجددًا.
منذ بدء الحرب على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، تُكرّر أوساط العدو خيارات قد تلجأ إليها الحكومة، ومنها:
- إدارة عسكرية "إسرائيلية" تشمل إقامة مستوطنات في قطاع غزة،
- سيطرة دولية متعددة الجنسيات بقيادة عربية-أمريكية؛ تشارك فيها كلٌّ من مصر والإمارات والأردن،
- مشاركة السلطة الفلسطينية في إدارة مليوني غزي.
إلامَ تحتاج العملية؟
وفق موقع "كالكاليست"؛ الخطّة يجب أن تلحظ تكاليف:
جنود الخدمة النظامية والاحتياط، الطعام، المياه، الأدوية، الخدمات الأساسية المطلوبة لسكان غزة البالغ عددهم بحسب التقديرات مليونين ونصف.
أمَّا عسكريًّا، فيتطلَّب الأمر:
- 4 فرق عسكرية،
- تجنيد 100 ألف جندي في الاحتياط،
- تعزيز الحدود مع الأردن وسورية ولبنان،
- التأهُّب الدائم بوجه اليمن وإيران.
على الرغم من ذلك، تُبيّن التقديرات "الإسرائيلية" أنْ لا مساحة خالية لإجلاء سكان غزة من المدينة، فالأمر يحتاج الى إقامة "مدينة إنسانية" على أنقاض رفح أو خان يونس، وهذا يستغرق أشهرًا من العمل وتمويلًا دوليًّا.
الفاتورة المُرهقة
تُشير مقاربة إيال زمير ومعارضته للخطة إلى أنها ستؤدي إلى سقوط المزيد من القتلى في صفوف الجيش "الإسرائيلي"، والأهمّ مقتل الأسرى الصهاينة الذين لم يعودوا في سلّم أولويات نتنياهو.
الانهيارات النفسية
أرقام تدهور الصحة النفسية لجنود العدو العائدين من القتال في غزة حاضرةٌ في التحليلات "الإسرائيلية". حالات الصدمات النفسية بالآلاف وحالات الانتحار تتزايد، والتوقعات الأخيرة تتحدّث عن موجة جديدة من إقبال جنود الاحتلال باتجاه الاختصاصيين النفسيين العسكريين بعد انتهاء المعارك في غزة، إن حصل فعلًا.
حربٌ أبدية
في المحصّلة، ورطة غزة تُغرق قيادة جيش الاحتلال أكثر وبقرار من نتنياهو. الكلام "الإسرائيلي" يُشير إلى أن القتال في غزة سيستمرّ إلى الأبد ودون نهاية، وهذا يضمن لنتنياهو استعادة مكانته في القاعدة اليمينية وتحقيق الهدف الثابت لديه وهو البقاء في السلطة، أي أن كلّ سيناريو يؤمّن له ذلك لن يتخلّف عن السيْر به مهما كلّف استمرار الحرب.