خاص العهد

تتواصل الوقفات الشعبية المغربية تنديدًا بالإبادة الجماعية والتجويع والحصار الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني بغزة، واستنكارًا لقتل الصحفيين ومحاولة طمس الحقيقة، وتنديدًا باستمرار النظام المغربي في تطبيعه مع الكيان المجرم، وآخرها؛ كانت الوقفة التي دعت إليها الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة استنكارًا لقتل الصحفيين الذين بلغ عددهم 238 صحفيًّا شهيدًا في قطاع غزة.
ويقود هذا الحراك الشعبي العديد من الهيئات الوطنية المغربية، وفي مقدمتها الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع.
وفي هذا السياق، أجرى موقع "العهد" الإخباري حوارًا خاصًا مع القيادي في السكرتارية العامة للجبهة المغربية لدعم فلسطين والمناضل الحقوقي ومنسق الائتلاف المغاربي لهيئات حقوق الإنسان عبد الإله بن عبد السلام الذي تطرق إلى كل التحديات التي تواجه هذا العمل النضالي لإسقاط التطبيع.
ما أهمية المسيرات المغربية المتواصلة لإسقاط التطبيع؟
لا بد من الإشارة إلى أن التطبيع الخياني الذي انخرط فيه النظام المغربي، ليس هو الأول ونقصد به الرسمي والعلني؛ لأن النظام كان دائمًا مطبعًا مع الكيان الصهيوني، منذ احتلاله الوطن الفلسطيني سنة 1948، وقد سبق للملك الحسن الثاني أن طبّع مع العدو سنة 1986 من القرن الماضي، مباشرة بعد زيارة وزير خارجية الكيان حينها شيمون بيريز للمغرب.
وتم فتح مكتب اتصال "إسرائيلي" بالرباط، ولكن الشعب المغربي وقواه المناضلة، لم تطبّع واستمرت في دعمها للشعب الفلسطيني ومقاومته بالنضال، واستطاعت سنة 2000 من إسقاط ذاك التطبيع المخزي، وأُغلق مكتب الاتصال الصهيوني بالرباط، وتوقفت العلاقات العلنية طبعًا.
واستمرت القوى المناضلة المغربية في بلورة مبادرات متعددة، ضد محاولات العدو الصهيوني اختراق النسيج المغربي.
وفي سنة 2017 ولمناسبة مرور مئة سنة على وعد بلفور المشؤوم، انخرط عدد من القوى في نضال ومعارك مستمرة ضد كل أشكال التطبيع، حيث تأسس الائتلاف المغربي لمساندة فلسطين وضد التطبيع، وهو الائتلاف الذي ضم أغلب المكونات المجتمعية المناضلة، من أجل التصدي للتطبيع ودعم المقاومة، والإسهام في العمل من أجل فك الحصار عن قطاع غزة، بالمسيرات والتظاهرات، والمشاركة في السفن التي تتوجه لغزة لفك الحصار، وتوجه الأطقم الطبية لغزة، وإرسال مساعدات طبية إلى القطاع، وعدد من الأنشطة الفنية والثقافية والرياضية في بين الناشئة والشباب، نساءً ورجالًا، لإبقاء جذوة القضية الفلسطينية مشتعلة.
واستطاع المناهضون والمناهضات للتطبيع داخل البرلمان المغربي طرد وفد صهيوني برئاسة عمير بيريز، وزير الحرب "الإسرائيلي" السابق، عند محاولته المشاركة في ندوة متوسطية بمجلس المستشارين المغربي.
وقد كان لهذه المساعي والتحركات نتائجها على الأرض، حيث شجعت كل تلك الفئات على الانخراط والمشاركة الواسعة في الفعاليات التي عرفتها بلادنا، بعد معركة طوفان الأقصى المستمرة.
وبعد انخراط النظام في اتفاقيات "أبراهام" في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2020، عمد عدد من مكونات الائتلاف المذكور إلى التحرك والتظاهر واللجوء للقضاء، وووجهت كل تلك التحركات المناهضة للتطبيع، من طرف السلطات المغربية بالقمع والاعتقال والمحاكمات غير العادلة، والأحكام الجائرة بالسجن، والغرامات المالية.
وبعد عملية طوفان الأقصى، تكثفت الأنشطة الداعمة للمقاومة والمناهضة للتطبيع، وتم تأسيس إطار يضم أحرار وحرائر المغرب المناهضين للعدوان الصهيوني، وللتطبيع المخزي من مختلف التوجهات السياسية، والعقائدية والحقوقية، والنقابية وحركة المقاطعة BDS.
وحمل هذا الإطار اسم الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، وهو يضم الآن 19 هيئة، وله فروع محلية في 30 من كبريات المدن المغربية، والحصيلة ميدانيًّا منذ اليوم الأول 7 تشرين الأول/أكتوبر هي 709 تظاهرات محلية، و280 مسيرة محلية، و26 يومًا وطنيًّا احتجاجيًّا عمت أغلب مدن المغرب منذ تأسيس الجبهة في 28 شباط/فبراير 2021، حيث تقام الأنشطة في يوم واحد وتوقيت واحد.
كما نظمت 10 مسيرات وطنية مليونية آخرها يوم الأحد 20 تموز/ يوليو 2025 بالعاصمة المغربية الرباط، إضافة إلى 30 مبادرة نوعية (وقفات للمقاطعة، سلاسل بشرية، خروج بالسيارات أو الدراجات الرافعة للأعلام الفلسطينية، لوحات مسرحية، وقفات نسائية، وقفات أمام المحاكم في أثناء محاكمة المناهضين للتطبيع، مسيرات مناهضة لسفن الإبادة التي ترسو في ميناء مدينة طنجة وميناء مدينة الدار البيضاء حاملة العتاد العسكري من الولايات المتحدة الأميركية، ودول أخرى للكيان الصهيوني العنصري.
اذًا، من خلال ما تقدم تتوضح أهمية استمرار كل أشكال الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وكذلك أهمية كل عمل نضالي مناهض للتطبيع صغيرًا كان أو كبيرًا.
كيف تفاعل الشعب المغربي مع هذا الحراك؟
أعتقد أن المسيرات الحاشدة المليونية بالعاصمة الرباط هي بمنزلة استفتاء حقيقي يبيِّن موقف الشعب المغربي من التطبيع، ومن العدو الصهيوني الغاصب للأراضي الفلسطينية والمعتدي على المقدسات الإسلامية والمسيحية بفلسطين.
وإذا كنا الآن لم نستطع إسقاط التطبيع، فإننا سنسقطه بالمزيد من النضال.
كيف ينظر الشارع المغربي لما يحصل في غزة من تجويع ممنهج؟
الشعب المغربي كسائر شعوب العالم واعٍ بالطبيعة الإجرامية للكيان الصهيوني الاحتلالي، والطبيعة الإجرامية لقوى الغرب الاستعماري، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، الداعم عسكريًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا، لجرائم الحرب والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية والتجويع والتعطيش. وواعٍ كذلك للتواطؤ المستمر لأغلب الأنظمة العربية والإسلامية؛ ليس اليوم بل منذ اغتصاب فلسطين عام 1948.
وبالتالي، فإن الشعب المغربي الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية، لا يدخر جهدًا للتعبير من جهة، عن استمرار موقفه الأصيل في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، ومن جهة أخرى، رفضه المطلق للتطبيع مع الصهاينة. وبالتالي لا يختلف عن الانخراط بكثافة في كل الأشكال النضالية التي تبلورها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، أو المكونات الأخرى الداعمة لفلسطين.
ما البرامج المستقبلية لكم في سياق النضال المغربي في معركة إسقاط التطبيع؟
في إطار استمرار عمل الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع؛ الإسنادي والداعم لمعركة إخواننا وأخواتنا، من أبناء وبنات الشعب الفلسطيني، من أجل حقوقه المشروعة والعادلة، في تقرير المصير والاستقلال، وعودة اللاجئين وتحرير الأسرى والأسيرات، وبناء الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة، على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف، وإدراكًا من الجبهة أن المعركة هي معركة الأحرار والحرائر سواء للشعوب المغاربية، أو العربية أو الإسلامية، أو المناصرين للحق الفلسطيني، عبر قارات المعمورة كافة، وأن الشعب الفلسطيني والمقاومة الباسلة، ينوبان عن الجميع، فإن الجبهة تؤكد استمرارها في التضامن والإسناد، من خلال برنامج نضالي؛ هذه بعض معالمه:
- المسيرات الوطنية في العاصمة الرباط، ومدن مغربية كبرى.
- تنظيم يوم وطني تخليدًا لذكرى 7 تشرين الأول/أكتوبر، يوم الثلاثاء 7 تشرين الأول/أكتوبر 2025، إضافة إلى تنظيم ندوة دولية حول التحولات الاستراتيجية بعد طوفان الأقصى أواخر شهر أيلول/سبتمبر، وندوة وطنية حول التطبيع التربوي يوم 4 تشرين الأول/أكتوبر 2025، إضافة إلى تنظيم أنشطة لمناسبة ذكرى وعد بلفور المشؤومة وأنشطة لمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والاستمرار في التضامن اليومي والأسبوعي، بتنظيم الوقفات والمسيرات والمهرجانات دعمًا لمعركة طوفان الأقصى، والإعداد للمشاركة في الأسطول العالمي لفك الحصار عن غزة الأبية.
- إعداد اللائحة السوداء للمطبعين والمطبعات ومناقشة كيفية تصريفها إعلاميًّا وجماهيريًّا، ودعم كل المبادرات التي تقوم بها المكونات المشكِّلة للجبهة سواء أمام القضاء المغربي أو الدولي، أو أمام المؤسسات الوطنية والدولية لحقوق الإنسان.