مقالات مختارة

عامر علي - صحيفة الأخبار
يبدو واضحًا أنّ حكومة أحمد الشرع لم تعُد تجد حرجًا في قنوات الاتّصال المفتوحة بينها وبين "إسرائيل" منذ وصولها إلى السلطة في دمشق، وهو ما جلّاه إعلانها، مساء أمس، للمرة الأولى، عن لقاء مباشر جمع وزير خارجيّتها بوزير الشؤون الإستراتيجية ال"إسرائيلي". هكذا، تمهّد هذه الحكومة طريق التطبيع مع العدو، والذي لن يكون قائمًا، بأي حال، على مقايضة "رابحة" حتّى بالمعنى السياسي؛ إذ إنّ ما يجري عمليًا هو تكريس نتائج التدخّل "الإسرائيلي" في سورية عقب سقوط النظام السابق، والذي سيفضي، بشكل أو بآخر، إلى قيام كانتون درزي في الجنوب، ويعزّز النزعات إلى سيناريوات مشابهة في الشرق والغرب، لتبقى للشرع سلطة مهلهلة على مساحة مقلّصة، لا يُعلم إلى متى يمكن أن تصمد.
في لقاء هو الثاني من نوعه في باريس، اجتمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، مع وزير الشؤون الإستراتيجية "الإسرائيلي" رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توماس برّاك، لبحث ملف الجنوب السوري، بما فيه السويداء، التي حرصت "تل أبيب" على تحصين الحكم الذاتي القائم فيها حاليًا، ومهّدت الأرض لفتح ممرّ عابر للحدود نحوها.
وسبق الاجتماع الذي استهلّت "وكالة الأنباء السورية" (سانا) انطلاقتها بحلّتها الزرقاء الجديدة بالإعلان عنه - في أول إعلان رسمي سوري عن لقاء يجمع مسؤولين من الإدارة بآخرين إسرائيليين، بعد عقد الطرفين عددًا من اللقاءات المباشرة وغير المباشرة سابقًا -، اجتماع بين برّاك وزعيم الطائفة الدرزية في الأراضي المحتلة، المقرّب من رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، موفق طريف، الذي أعلن عبر حسابه على موقع "فايسبوك"، أنه طالب المبعوث الأميركي بأربعة إجراءات "بشكل فوري"، وفق تعبيره.
وتضمّنت الإجراءات المشار إليها: تثبيت وقف إطلاق النار بشكل شامل ومستدام في السويداء، فتح ممر بري آمن بضمانات أميركية لتمرير المساعدات الإنسانية إلى السويداء، رفع الحصار عن المحافظة، العمل على تحرير المختطفين وعودة السكان النازحين إلى القرى الدرزية، في المقرن الغربي والمقرن الشمالي.
ويأتي إعلان هذه المطالب التي تمّت مناقشتها خلال الاجتماع بين الشيباني وديرمر، في سياق مساعي "تل أبيب" لترسيخ الأوضاع الراهنة في السويداء، بعد أن نجحت في إنشاء "إدارة ذاتية درزية" هناك. وهو نجاح أعقب تدخلها المباشر في الجنوب بذريعة "حماية الدروز"، الذين كانوا تعرّضوا لمجازر راح ضحيتها مئات المدنيين جراء هجوم عنيف شنّته فصائل تابعة أو مقرّبة من الإدارة السورية الجديدة، تبعه حصار خانق ساهم بشكل مباشر في تجذير الحضور "الإسرائيلي" في الشارع الدرزي.
على أن اللافت في حديث طريف، طلبه وجود مراقبة أميركية، في محاولة لوقف أي محاولة من قبل الإدارة الجديدة للاستعانة بروسيا، التي نجحت خلال السنوات الماضية في تهدئة الأوضاع في الجنوب، ونجحت، إلى حدٍّ ما، في منع انزلاق السويداء إلى الحضن ال"إسرائيلي"، في ظلّ الموقف الروسي المعلن الداعم لوحدة الأراضي السورية، والذي حاولت حكومة أحمد الشرع أخيرًا الاستعانة به.
وبينما تجاهلت وكالة "سانا" تفاصيل اللقاء وحيثياته، وأظهرته وكأنه "لقاء طبيعي" جرت خلاله "مناقشة عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري"، نقلت "الإخبارية السورية" الرسمية عن مصدر حكومي أن "الطرفين اتفقا على التمسّك بوحدة الأراضي السورية ورفض مشاريع تقسيمها".
كما أكّدت تسريبات صحافية، من بينها ما نشره موقع "إكسيوس" الأميركي، أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تسعى للتوسط في اتفاق يتضمّن إنشاء "ممر إنساني" بين مدينة السويداء والجانب "الإسرائيلي"، بهدف إيصال "مساعدات مباشرة إلى المدنيين" في الجنوب السوري، وباعتبار أن هذا الاتفاق قد يشكّل "مدخلًا محتملًا إلى تهدئة أوسع، وربما يفتح الباب أمام تطبيع محدود في العلاقات بين الجانبين، ضمن خطوات تدريجية تقودها واشنطن لإعادة تفعيل مسار التسوية في سوريا".
وفي محاولة لامتصاص غضب الرأي العام، بعد أن أثار بيان طريف ردود فعل واسعة، نقلت "سانا"، في خبر لاحق، عن مصدر حكومي تأكيده أنه "لن يكون هناك ممر إنساني عبر الحدود". وتابعت أن "تقديم المساعدات الإنسانية يتم حصرًا بالتنسيق المباشر مع مؤسسات الدولة في العاصمة دمشق حرصًا على ضمان وصولها بشكل آمن ومنظّم إلى جميع المستحقّين بمن في ذلك محافظة السويداء وغيرها من المناطق".
وأضافت أن "الحكومة السورية منحت المنظمات الأممية المختصة التسهيلات والموافقات اللازمة للقيام بمهامها الإنسانية، كما تواصل القوافل الوطنية والإغاثية السورية عملها بشكل منتظم، بما يعكس التزام الجمهورية العربية السورية بتأمين الاحتياجات الإنسانية بالتعاون مع شركائها الدوليين".
وجاء هذا في وقت دخل فيه رتل من آليات قوات الأمم المتحدة (يوندوف) إلى محافظة السويداء، عبر طريق إزرع - بصر الحرير - السويداء، وهو الطريق الذي تسعى "إسرائيل" لتحويله إلى ممر يربط مناطق الجولان المحتل عبر أوتوستراد السلام. وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن الوفد أجرى جولة في عدد من القرى والمواقع، برفقة فصائل محلية درزية، قبل أن تصل القافلة إلى قرية الدور، أولى قرى ريف السويداء الشمالي.
بالتوازي مع ذلك، سرّبت أوساط مقرّبة من الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أنباء عن إمكانية تأجيل موعد الانتخابات البرلمانية التي كان من المُفترض إقامتها في منتصف شهر أيلول المقبل، لانتخاب 150 عضوًا وفق آلية محدثة، تقوم على تشكيل لجان مختصة مهمتها انتخاب الأعضاء الذين يشكّلون ثلثي عدد أعضاء المجلس، على أن يسمّي الشرع الثلث المتبقّي (70 عضوًا).
وبحسب ما تسرّب، فإن ذلك التوجّه يأتي نتيجة الأوضاع في الشمال الشرقي (الإدارة الذاتية) والجنوب (السويداء)، في وقت أكّدت فيه مصادر مطّلعة أن القرار الجديد يأتي تنفيذًا لرغبة أميركية - فرنسية مشتركة، في ظلّ عدم موثوقية الأوضاع في سورية حتّى الآن، والدعم المتزايد لفكرة "السلطة غير المركزية" في سورية، في الأوساط السياسية الأميركية، باعتبار أنها قد تمثّل حلًا لحالة الاستعصاء في هذا البلد، خصوصًا بعد أن حصلت السويداء على ما يشبه حالة إدارة ذاتية.
وعلى أي حال، يأتي اللقاء السوري - "الإسرائيلي" الجديد، والذي من المتوقّع أن يتبعه لقاء ثالث قريب، في محاولة واضحة من قبل الإدارة الجديدة للوصول إلى تهدئة أو إطار واضح قبل انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، في شهر أيلول المقبل، والتي تعمل واشنطن على التمهيد لمشاركة الشرع فيها، باعتبارها حدثًا استثنائيًا - لم يشارك أي رئيس سوري في هذه الاجتماعات، منذ الزيارة التي أجراها الرئيس السوري، نور الدين الأتاسي، إلى نيويورك - عام 1967.
وفي هذا السياق، أصدر الشرع مرسومًا يقضي بتعيين إبراهيم عبد الملك علبي، المولود في السعودية، والذي يحمل إلى جانب الجنسية السورية، الجنسيتين البريطانية والألمانية، سفيرًا مفوّضًا فوق العادة ومندوبًا دائمًا للجمهورية العربية السورية لدى منظمة الأمم المتحدة في نيويورك.