مقالات

الضغوط كلها التي تُمارس على لبنان، اليوم، الإقليمية أو الدولية أو "الإسرائيلية" المباشرة وغير المباشرة، والتي تنفذها أطراف داخلية لبنانية، تُظهر أن هدفها نزع سلاح حزب الله بالسياسة أو بالديبلوماسية أو بالتهديد بالقوة، أو بالوعد بالانسحاب وإنهاء الاحتلال وبإعادة الإعمار أو بأي طريقة أخرى مهما كانت، المهم في الأمر: الوصول إلى نزع سلاح حزب الله بشكل كامل.
عمليًا، الهدف الأساسي من نزع سلاح حزب الله ليس هو نزعه وحسب، إنما الهدف الأبعد هو إفقاد لبنان القدرة على ردع العدو "الإسرائيلي"، لكي يتسنى له استباحة الأرض والجو والسيادة كما يحلو له. وهذا الهدف، لو وُجدت طريقة لكي يتحقق من دون نزع السلاح، سوف يتم السير فيها وتجاوز عملية النزاع هذه، على أساس أن السلاح سيكون عقيمًا ومن دون أي فعالية، لو كان من يتحكّم به لا قدرة ولا قرار لديه باستعماله في مواجهة الاحتلال، وحينها يصبح السلاح من دون قيمة ومن دون دور، فلن يكون له تاليًا أي تأثير في معادلة المواجهة ضد "إسرائيل".
في الواقع؛ هناك نماذج كثيرة في المنطقة تعيش هذه المعادلة، حيث توجد عدة دول إقليمية، عربية وإسلامية، تملك أسلحة نوعية ومتطورة، مثل مصر والإمارات والسعودية وقطر، وتركيا ربما، ولا وجود لأي رفض أو أي تحفظ "إسرائيلي" أو أميركي في امتلاكها هذه الأسلحة، بل بالعكس، تنشط دائمًا إستراتيجية ذات أبعاد تجارية، أميركية وغربية و"إسرائيلية"، عبر شركات أسلحة غربية، ومنها شركات يهودية، لتحقيق صفقات ضخمة تحصل عبرها هذه الدول على أحدث الأسلحة.
إذًا، مشكلة "إسرائيل"، ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية، ليست السلاح بل بمن يملك القرار باستعماله أو بعدم استعماله ضد كيان الاحتلال .
بناء على ذلك؛ تتقدم الحاجة إلى السيطرة على قرار الدول او المجموعات التي يمكن أن تواجه الاحتلال، على الحاجة إلى نزع الأسلحة من هذه الدول أو المجموعات. ومن هنا عمليًا، فإن أفضلية فرض عملية التطبيع مع كيان الاحتلال تفرض نفسها، وبقوة على لبنان، على عملية نزع سلاح المقاومة.
انطلاقًا من ذلك، يبدو أن استراتيجية الأميركيين اليوم، والتي هي عمليًا استراتيجية "إسرائيل"، بدأت تنحرف إلى تجاوز عملية نزع سلاح المقاومة إلى عملية فرض التطبيع على لبنان، وأهم مظاهر هذه الاستراتيجية تكمن في الآتي:
• سعي أميركي و"إسرائيلي"- والنجاح في ذلك عمليًا- إلى فرض إخراج قرار نزع سلاح حزب الله، بشكل معقد وغير قابل للتطبيق عمليًا، من خلال رفض مبدأ التسلسل المنطقي بانسحاب الاحتلال وإعادة الإعمار وطرح موضوع السلاح في أطر التوافق الوطني، عبر إستراتيجية أمن وطني أو استراتيجية دفاعية.
• المسارعة إلى طرح فكرة منطقة اقتصادية، في المنطقة الحدودية جنوب لبنان، قبل إيجاد حل لموضوع إنهاء الاحتلال وإعادة الإعمار وتأمين سبل عودة أهالي البلدات الحدودية.
هكذا، يحمل هذا الطرح- أي منطقة اقتصادية- كثيرًا من النقاط المنتجة للتطبيع مع العدو، حيث لن يكون هناك عمليًا إمكان لهكذا منطقة حدودية، من دون وجود عملية تبادل تجاري أو مشاركة إدارة واستثمار أعمال تجارية، الأمر الذي لا يمكن أن يحصل، لا عمليًا ولا قانونيًا ولا تجاريًا، من دون وجود نواة علاقات سياسية، والتي هي عمليًا: التطبيع.