اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي سلام لا يحتمل التمايز ضمن فريقه.. وموقف متري يفتح الباب أمام "لحظة تخلٍّ" عن العناد

مقالات مختارة

هل ما زالت هناك حاجة إلى هذه الحكومة؟
مقالات مختارة

هل ما زالت هناك حاجة إلى هذه الحكومة؟

42

ابراهيم الأمين - صحيفة الأخبار

صحيح أن الرئيس جوزيف عون يعتبر أن المعادلة الخارجية فرضته رئيساً على البلاد. كما يعرف جيداً أن الأمر ما كان ليحصل لولا طبيعة اللحظة الإقليمية التي حصلت فيها الانتخابات الرئاسية. لكنّه افترض أنّ هناك مجالاً لتسوية سياسية تعوّض القوى السياسية عن قرار الخارج فرضه رئيساً بالقوة. وفهم بقاء الرئيس نجيب ميقاتي على رأس الحكومة الأولى في عهده عنواناً لهذه التسوية.

لكنّ الخارج الذي لم يستشر أحداً في قراره الرئاسي، تصرّف بالطريقة نفسها، ولم يستشر أحداً عندما تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة. وكانت تلك أولى الإشارات التي تلقّاها عون من الخارج حيال قواعد اللعبة الجديدة.

هذه الحقيقة كانت متصلة بنتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان أواخر العام الماضي، وما اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ في حينه إلا انعكاسٌ لانعدام التوازن في المعادلة السياسية الداخلية. وهو خلل أصاب المقاومة نفسها التي أدركت، بعد وقت قصير، أن الاتفاق لم يكن مناسباً لحجم التضحيات التي قدّمتها في مواجهة العدوان.

ومع ذلك، لجأ الجميع إلى اعتماد استراتيجية النهوض، والسير نحو التعافي الضروري من المعركة القاسية. وهو سياق له متطلّباته الكثيرة، أبرزها أن المقاومة قرّرت التزام وقف إطلاق النار بصورة كاملة، ولو على حساب دماء تُسفك من جسمها أو من بيئتها، إضافة إلى الخسائر المتصلة بالنازحين والدمار. لكنّ المقاومة لم تفعل ذلك عن عمد، ولا هي تصرّفت كمن خسر الحرب، ولا أعطت إشارات إلى أنها مستعدّة للاستسلام، وهو بالتحديد ما فهمه العدو سريعاً.

ومنذ انتهاء مهلة الستين يوماً الشهيرة، كان العدو، برعاية الأميركيين ودول إقليمية كبيرة منها السعودية، يفترض أن منع تعافي المقاومة، مهمة لا تقع كلها على عاتقه، وأن على واشنطن والرياض، وعلى القوى اللبنانية الحليفة، أن تقوم بدورها في هذا المجال. وعليه، انطلقت الحملة الداخلية تحت عنوان حصرية السلاح، والمقصود به نزع سلاح المقاومة ليس إلّا.

لكنّ العدو الذي لا يثق بأحد أصلاً، وقد زادت قناعته بذلك بعد طوفان الأقصى، كان يفترض أن هناك أرضية تسمح لواشنطن والرياض ولقوى لبنانية أن تقوم بمناورة كبيرة، تقود إلى محاصرة المقاومة ودفعها إلى تنازلات في جوهر عملها، كما قدّمت تنازلات في الملفات السياسية والحكومية.

وقد قرأ العدو، كما أميركا والسعودية، وحتى القوى المحلية، في طبيعة ردّة فعل المقاومة على كل ما حصل على الجبهة مع إسرائيل، على أنها إشارة ضعف.

كما قرأ هؤلاء تساهل المقاومة مع القرارات الداخلية في المجالات السياسية والإدارية والأمنية والاقتصادية، على أنه إشارة ضعف أكبر، وخرجوا بخلاصة تقول إن حزب الله، ليس ضعيفاً فحسب، بل هو مردوع إزاء أي ردّة فعل، فلا هو قادر على مواجهة إسرائيل، ولا هو قادر على مواجهة خصومه في الداخل أيضاً. وعليه، انطلق هؤلاء في عملية سياسية من نوع مختلف، تركّز على سبل فكّ الارتباط بين الرئيس نبيه بري وحزب الله.

وقد حصلت أمور كثيرة عزّزت هذا التوجه لدى هذا الفريق، وجعلته ينزلق بعيداً في مشروعه لضرب سلاح المقاومة.
حتى لحظة إقدام عون وسلام على كارثة قرار الالتزام بالورقة الأميركية، كان حزب الله يفضّل الابتعاد عن السجال والمواجهة في الداخل. وإضافة إلى ابتعاد الحزب نهائياً عن لغة التهديد في خطابه عن الجبهة مع العدو، فهو غادر أكثر لغة النزال مع القوى المحلية، ويراعي كثيراً التركيبة السياسية القائمة داخلياً، ولم يكن في وارد الدخول في أي مشكلة مع أحد. وقد وافق على كثير من قرارات الحكومة لتفادي الاصطدام برئيس الجمهورية أو برئيس الحكومة.

لكنّ الأمور وصلت إلى مرحلة فرضت على الحزب اعتماد خطاب شديد الوضوح إزاء ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال واصل عون وسلام السير بالخطة الأميركية. وكانت الذروة في الخطاب الشهير للأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، عندما قال إن المقاومة لن تسلّم السلاح، وستدافع عنه ومستعدّة لـ«قتال كربلائي» إذا لزم الأمر.

بعد خطاب قاسم، تبدّل المشهد السياسي كثيراً. حتى الرئيس بري، الذي ضغط بقوة لعدم مغادرة الحكومة وفتح الباب أمام حوار واسع مع الأميركيين ومع عون وسلام، وجد أن الآخر لا يريد التوصل إلى حل، وأن كل ما يحصل هو استجابة عمياء لقرار بضرب المقاومة، ولو أدّى ذلك إلى حرب أهلية في لبنان.

وفيما كان الرئيس بري يهمّ بسؤال الموفد الأميركي توم برّاك عن طروحاته حول الخطوة مقابل الخطوة، فإن طبيعة الوفد الأميركي الذي رافق برّاك، والموقف الذي قاله المشرّع ليندسي غراهام عن أن أميركا لا تفكر في مطالبة إسرائيل بأي خطوة قبل مباشرة الحكومة بنزع السلاح، والسمة العدائية التي اتّسمت بها مواقف أفراد الوفد الأميركي في زيارته الأخيرة إلى لبنان، كل ذلك دفع بري إلى أن يوضح، من خلال رسائل واجتماعات، وفي خطابه الأحد الماضي، بأن موقفه لا يختلف عن موقف حزب الله بشأن مصير سلاح المقاومة، مع إشارة أكثر وضوحاً منه، عندما حذّر من رمي كرة النار في حضن الجيش، قاصداً إفهام الأطراف الداخلية والخارجية على حدّ سواء، بأن العمل على دفع الجيش إلى صدام مع المقاومة سيكون له تأثير كارثي على وحدة البلاد وسلمها الأهلي.

اليوم، تقف البلاد أمام محطة جديدة في المواجهة الداخلية - الخارجية حول سلاح المقاومة، ويصرّ عون وسلام على السير في هذا المشروع، رغم نفض إسرائيل يدها من الورقة الأميركية، وإعلان برّاك نفسه عدم وجود موافقة إسرائيلية على مقترحه، ما يعني أمراً واحداً: أن عون وسلام يقدّمان للناس دليلاً جديداً على أنهما يهتمان لرضى من أتى بهما إلى حيث يجلسان اليوم، وأن الأولوية لديهما هي إرضاء أميركا والسعودية، وأنهما مقتنعان بأن لا خيار أمام المقاومة سوى إلقاء السلاح، ولا حجة لهما سوى القول إن عدم تسليم السلاح سيقود لبنان إلى حرب جديدة، والشيعة إلى التهلكة.

في هذه الحالة، يحار المرء في كيفية مقاربة النقاش مع مسؤولين من هذا الصنف. ويصبح السؤال مشروعاً عمّا إذا كانت عناصر الشراكة لا تزال متوافرة معهما، ومع بقية القوى اللبنانية المنخرطة في المشروع الأميركي - السعودي - الإسرائيلي الهادف إلى نزع سلاح المقاومة وفرض السيطرة الأمنية والعسكرية وليس السياسية فقط على لبنان.

في هذه الحالة، يصبح السؤال عن جدوى البقاء في الحكومة مشروعاً، لا بل يصبح مادة أولى على طاولة النقاش. ذلك أن فكرة الاجتماع ضمن مؤسسة رسمية لمعالجة مشكلة البلاد قد أُسقطت على أيدي عون وسلام وبقية القوى المحلية، ما يجعل المقاومة وفريقها السياسي في حلّ من هذه التسوية. أمّا ما يتعلق بالجبهة مع العدو، فإن التطورات في فلسطين والمنطقة كفيلة وحدَها بالإجابة عن السؤال الأصعب: هل تعود إسرائيل مجدّداً إلى الحرب؟

الكلمات المفتاحية
مشاركة