اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي تفاصيل مشروع عباس - سلام لفلسطينيّي لبنان: نزع السلاح وتهجير الآلاف وإزالة المخيمات

مقالات

قرار الحكومة بـ
مقالات

قرار الحكومة بـ "حصر حيازة السلاح بيد الدولة" قراءة في الميثاقيَّة والشرعيَّة

69

اتَّخذت الحكومة اللبنانيَّة في جلستها، يوم الخميس في 7 آب 2025، قرارًا قضى بـ "حصر حيازة السلاح بالدولة وحدها"، أي بسحب سلاح المقاومة، وذلك في ظلِّ استمرار العدوِّ بعمليَّات الخرق والقتل والتفجير والهدم في الجنوب وفي غير الجنوب.

إنَّ هذا القرار يجعل لبنان مكشوفًا قانونًا وواقعًا أمام قوَّات العدوّ؛ قانونًا بجعل هذا السلاح خارجًا على الشرعيَّة، وتسهيل الانقضاض عليه، وواقعًا بنزع الوسيلة التي يمكن أن يواجه بها لبنان العدوَّ عندما يريد مهاجمته. وهو يتجاهل دفاع المقاومة الإسلاميَّة عن البلاد منذ 1982، والمقاومات السابقة منذ الستينيَّات، والتي أدَّى كفاحها جميعًا وما قدَّمته من تضحيات وشهداء، إلى تحرير لبنان من الاحتلال.

وفي المقابل، فإنَّه لا الحكومات السابقة ولا هذه الحكومة، حاولت تقوية الدولة وتقوية الجيش كي يحافظ على الوطن ويدافع عن شعبه.

وفي ما يلي، سنعالج مدى مشروعيَّة [1]  هذا القرار وشرعيَّته. 

السلطة والمقاومة

تقوم المقاومات الوطنيَّة في العالم في مواجهة الاحتلال عندما لا تستطيع السلطة بقوَّاتها الرسميَّة الاضطلاع بهذه المهمَّة، أو عندما تقصِّر في القيام بها أو تتآمر مع المحتلِّ. فيكون دور المقاومة على النحو الآتي:  

1-في الحالة الأولى، المساعدة، فتشكِّل المقاومة جزءًا من القوَّات المسلَّحة حسب المادَّة 13 من اتِّفاقيَّتي جنيف الأولى والثانية لسنة 1949 والمادَّة 4 من الاتِّفاقيَّة الثالثة.

ويطلق على عناصرها في الموادِّ المذكورة أعلاه "أفراد الميليشيات الأخرى والوحدات المتطوِّعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظَّمة الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع".

2- الحالة الثانية، القيام منفردة بواجب مقاومة العدوِّ. 

3- في الحالة الثالثة، مواجهة العدوِّ والحكومة معًا، كما حصل في فيتنام، وتذكر هؤلاء المقاومين المادَّة 1  الفقرة 4 من البروتوكول الأوَّل، والتي تنصُّ على أن تتضمَّن الأوضاع التي نصَّت عليها المادَّة الثانية المشتركة في ما بين هذه اتِّفاقيات جنيف "المنازعات المسلَّحة التي تناضل فيها الشعوب ضدَّ التسلُّط الاستعماريِّ والاحتلال الأجنبيِّ وضدَّ الأنظمة العنصريَّة. وذلك في ممارستها لحقِّ الشعوب في تقرير المصير."

الوضع في لبنان

فشل الحكم في مواجهة العدوِّ

تميَّز الوضع في لبنان على مدى تاريخه بفشل الحكومة في مواجهة العدوِّ الصهيونيِّ، بل وفي عدم رغبتها في الدفاع عن الحدود  وعن المواطنين وأرزاقهم. وكان شعارها: "قوَّة لبنان في ضعفه"، وأسلوبها هو التوسُّل إلى الغرب وخاصَّة أميركا لردع العدوِّ، ولكن دون طائل. وحتَّى قرارات مجلس الأمن، كالقرار 425 الذي صدر بعد عدوان 1978، كان العدوُّ يستخفُّ بها، بل ويكرِّر بعدها عدوانه وبشكل أكثر خطورة وهمجيَّة، كما في اجتياح 1982.

لقد كان العدوُّ، منذ ما قبل إنشاء كيانه، يشنُّ الاعتداءات على لبنان، من مجزرة حولا عام 1948، حتَّى مجازر اليوم التي لمَّا تتوقَّفْ، فيستبيح السيادة ويقتل الناس ويدمِّر أرزاقهم. فما الحلُّ؟

إنَّ أبسط المبادئ القانونيَّة، بل والإنسانيَّة تقضي بالدفاع عن النفس والمال، ناهيك عن السيادة والكرامة. من هنا كان حمل السلاح.

شرعيَّة السلاح ومشروعيَّته

 تتأتَّى شرعيَّة السلاح ومشروعيَّته من وظيفته، فإذا كان يُستخدم لارتكاب جرائم القتل والسرقة وغيرها فهو سلاحٌ مجرم يجب قتال حامليه ومصادرته وإحالتهم إلى المحاكمة (قانون العقوبات اللبنانيُّ، الكتاب الثاني، الباب الثامن،  الفصل الأوَّل م547-559)  

وإذا كان يُحمل لمساندة العدوِّ وتسهيل احتلاله، فهو سلاح خيانة، يجب قتال مستخدميه ومحاكمتهم أمام المحاكم العسكريَّة (قانون العقوبات، الكتاب الثاني، الباب الأوَّل، الفصل الأوَّل، م 273-275).
وإذا كان السلاح يُحمل للدفاع عن النفس والمال والكرامة والسيادة، فهو سلاح شرعيٌّ ومشروع.

في نظر القانون الدوليِّ

هو سلاح شرعيٌّ؛ لأنَّه يقاوم المحتلَّ لتحرير الأرض والتمكين من ممارسة حقِّ تقرير المصير الذي يكفله ميثاق الأمم المتَّحدة والعشرات من قراراتها.

فالميثاق ينصُّ في ديباجته على أنَّنا (شعوب الأمم المتَّحدة) "نكفل بقبولنا مبادئ معيَّنة ورسم الخطط اللازمة لها ألَّا تُستخدم القوَّة المسلَّحة في غير المصلحة المشتركة".

 وجاء في المتن (م2/4): "يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في عَلاقاتهم الدوليَّة عن التهديد باستعمال القوَّة أو استخدامها ضدَّ سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسيِّ لأيَّة دولة أو على أيِّ وجه آخر لا يتَّفق ومقاصد الأمم المتَّحدة".

أمَّا القرارات، فمن أهمِّها:

-الإعلان رقم 1514 بتاريخ  14 كانون الأول/ ديسمبر 1960 الذي يرى أنَّ إخضاع الشعوب يشكِّل إنكارًا  لحقوق الإنسان الأساسيَّة ولميثاق الأمم المتَّحدة الذي يحثُّ على اتِّخاذ التدابير الضروريَّة لضمان وصول الشعوب إلى حكم نفسها دون تحفُّظ.

- القرار 2649 بتاريخ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر1970 بشأن عدم شرعيَّة حرمان الشعوب المستعمَرة،

وخاصَّة شعب جنوب أفريقيا وفلسطين، من الحقِّ في تقرير المصير.

- القرار 3034 بتاريخ 18 كانون الأوَّل/ديسمبر 1972 الذي يؤكِّد شرعيَّة النضال من أجل التحرُّر.

- الإعلان رقم 3103، كانون الأوَّل/12 ديسمبر 1973 الذي يحدِّد المبادئ الأساسيَّة للمناضلين من أجل الحريَّة، وينصُّ على: 

أ-أنَّ نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعماريَّة الأجنبيَّة والأنظمة العنصريَّة، في سبيل تحقيق حقِّها في تقرير المصير والاستقلال، هو نضال شرعيٌّ ويتَّفق مع مبادئ القانون الدوليِّ

ب-أنَّ أيَّ محاولة لقمع هذا النضال، مخالِفة لميثاق الأمم المتَّحدة ولإعلان مبادئ القانون الدوليِّ الخاصَّة بالعلاقات الودِّية والتعاون الدوليِّ.

ومن القرارات التي تؤكِّد على التحرُّر وحق تقرير المصير: 2778 (1972)، 2599 (1972)، 3070 (1973)، 3089 (1973)، 3246 (1974)... 65/201 (2010)، 65/222 (2010)، 67/373 (2013)... 

كما كُرِّس حقُّ تقرير المصير في العهدين الدوليَّين للحقوق المدنيَّة والسياسيَّة والحقوق الاقتصاديَّة والاجتماعية والثقافيَّة:

 م1: " 1.  لجميع الشعوب حقُّ تقرير مصيرها بنفسها. وهى بمقتضى هذا الحقِّ حرَّة في تقرير مركزها السياسيِّ وحرَّة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ والثقافيِّ. 

ونظرًا لتواتر هذا الحقِّ وتوفُّر الإجماع عليه، أصبح من المبادئ القطعيَّة jus cogens في القانون الدوليِّ الإنسانيِّ [2] .  

في نظر القانون اللبنانيِّ

قضى اتِّفاق الطائف في القسم ثانيًا، تحت عنوان:  "بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانيَّة"، بالآتي:

تقوم حكومة الوفاق الوطنيِّ بوضع خطَّة أمنيَّة مفصَّلة مدَّتها سنة، هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانيَّة تدريجيًّا على كامل الأراضي اللبنانيَّة بواسطة قوَّاتها الذاتيَّة". هذه الفقرة كانت موجَّهة إلى الوجود السوريِّ في لبنان، كما ورد في مذكَّرة ما سمِّي: "كتلة نوَّاب الشرقيَّة" التي قُدِّمت إلى سعود الفيصل في مؤتمر الطائف [3].

 وتتَّسم خطوطها العريضة بالآتي:

1-    الإعلان عن حلِّ جميع المليشيات اللبنانيَّة وغير اللبنانيَّة وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانيَّة خلال ستَّة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطنيِّ وانتخاب رئيس الجمهوريَّة وتشكيل حكومة الوفاق الوطنيِّ، وإقرار الإصلاحات السياسيَّة بصورة دستوريَّة.

إلَّا أنَّه بخصوص المقاومة، فقد أشاد بها البيان الختاميُّ للجنة الثلاثيَّة التي رعت اتِّفاق الطائف [4]، ما يدلُّ على أنَّ المقصود بالميليشيات تلك التنظيمات التي كانت تقتتل في الداخل، وخاصَّة تلك التي كانت تقاتل الجيش اللبنانيَّ، إذ ليس صدفة أن يبدأ العمل لعقد اجتماعات الطائف في حمأة هجوم "القوَّات اللبنانيَّة" على الجيش اللبنانيِّ.

2- تعزيز القوَّات المسلَّحة:

1-    إنَّ المهمَّة الأساسيَّة للقوَّات المسلَّحة هي الدفاع عن الوطن، وعند الضرورة حماية النظام العامِّ عندما يتعدَّى الخطر قدرة قوى الأمن الداخليِّ وحدها على معالجته.

ج- يجري توحيد وإعداد القوَّات المسلَّحة وتدريبها لتكون قادرة على تحمُّل مسؤوليَّاتها الوطنيَّة في مواجهة العدوان الإسرائيليِّ.

وقد حُلَّت جميع الميليشيات، لكنَّ المقاومةَ لم يُطلب حلُّها من قبل آباء الطائف العارفين بروح مقرَّراته، والذين قرَّروا- تحت القسم "ثالثًا":

ج- "اتِّخاذ كافَّة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانيَّة من الاحتلال الإسرائيليِّ." ولم يقم بهذه المهمَّة في السابق ولا اليوم سوى المقاومة.

حقُّ الدفاع عن النفس

الدفاع عن النفس يأتي في مقدِّمة ما تقوم به الكائنات الحيَّة في مواجهة الاعتداء عليها. وهو أوَّل حقوق الإنسان وحقوق الشعوب. فإذا لم يتأمَّن فلا فائدة لأيٍّ من الحقوق الأخرى [5] . لهذا نراه مكرَّسًا في القانون الدوليِّ والقوانين الداخليَّة لمختلف البلدان في العالم. وهي تشرطه بأن:

1-    يكون ردًّا على اعتداء غير محقٍّ، 

2-    ألَّا يكون الاعتداء نتيجة استفزاز من قبل من يدَّعي الدفاع عن النفس [6]،  

3-    أن يكون مباشرًا، لدفع المعتدي ومنعه من استكمال جريمته، فلا يكون بعد نهاية العدوان؛ لأنَّ خطره المباشر يكون قد زال، وإلَّا يكون انتقاميًّا، وهو محظور؛ لأنَّه يشكِّل استيفاءً للحق بالذات بدلًا من مراجعة القضاء، ما تحظره الموادُّ 429-431 من قانون العقوبات اللبنانيِّ.

4-    أن يكون متناسبًا مع فعل الاعتداء [7]. 

هذا الحقُّ، وإن كان يمارسه الأفراد الذين يكونون ضحايا اعتداء، فما يمنع عندما يكون الخطر واسعًا من أن تقاومه الجماعات؟ إنَّنا نرى ألَّا شيء يمنع ذلك، ما دامت الغاية هي رد الاعتداء وحفظ الأنفس أو الأموال.

في القانون الدوليِّ

جاء في ميثاق الأمم المتَّحدة،: م51: ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحقَّ الطبيعيَّ للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوَّة مسلَّحة على أحد أعضاء "الأمم المتَّحدة"، وذلك إلى أن يتَّخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليِّ.

كما أكَّد مشروع الموادِّ حول مسؤوليَّة الدولة لسنة 2001، الحقَّ في الدفاع عن النفس، إذ جاء في نصِّ المادَّة 21 :

إنَّ الدفاع عن النفس "يستبعد عدم شرعيَّة (أيْ يعدُّ شرعيًّا) أيِّ إجراء يتمُّ تنفيذه ضمن الحدود التي يفرضها القانون الدوليُّ... ويستهدف الإجراء المتَّخذ وَفقًا لميثاق الأمم المتَّحدة" [8]. 

في القوانين الداخليَّة

جاء في قانون العقوبات اللبنانيِّ، المادَّة 184: "يُعَدُّ ممارسةَ حقٍّ، كلُّ فعل قضت به ضرورة حاليَّة لدفع تعرُّض غير محقٍّ ولا مثار على النفس أو الملك أو نفس الآخر أو ملكه".

وجاء في قانون العقوبات الفرنسيِّ، المادَّة 5- 122:

"لا يُسأل جنائيًّا الشخص الذي، في مواجهة اعتداء غير مبرَّر على نفسه أو على آخرين، يقوم في الوقت نفسه بفعل تقتضيه ضرورة الدفاع عن النفس عن نفسه أو عن الآخرين، ما لم يكن هناك تفاوت بين وسائل الدفاع المستخدم وخطورة الاعتداء."

 الدفاعُ عن النفس والإجماع الوطنيُّ

إنَّ القضايا الوطنيَّة تستلزم موقفًا إجماعيًّا أو شبه إجماعيٍّ من قبل الشعب، فهل كان الأمر كذلك في لبنان؟

الجواب بالنفي كما هو معروف. إذًا هل سقطت شرعيَّة السلاح؟

الجواب: إنَّ ما مَنَحَ الشرعيَّة للسلاح، ليس التوافق الشكليُّ ولا الموضوعيُّ، بل مبادئ  القانون الدوليِّ والقانون الداخليِّ والخطر المحدق والآني والمباشر، كما بيَّنَّا. فإذا لم تقم بعض الفئات بالمشاركة في الدفاع عن الوطن أو رفضت ذلك، فتكون مقصِّرة، ولا يُبنى على موقفها، على أساس أنَّ عدم قيام بعضهم بواجبهم لا يصبح قاعدةً حتَّى لو كان هؤلاء يشكِّلون أغلبيَّة، إذ ليس من الواجب أن يسلِّم المعرَّض للاعتداء نفسه وأطفاله للقتل ويجعل مستقبلَه ورزقَه ووسائل معيشته رهن إرادة العدوِّ. فالمحلُّ هنا ليس محلَّ تصويت وديمقراطيَّة شكليَّة؛ لأنَّ ذلك يأتي بعد سلامة الإنسان وسلامة الوطن وتحقيق سيادته. فالديمقراطيَّة ورأي الأغلبيَّة يدخل في تنظيم العيش المشترك، والنظام يُقَرُّ في وطن قائم محفوظ المقوِّمات: الشعب والأرض والسلطة السيَّدة. فإذا لم يُحفظ مقوِّم من هذه المقوِّمات، فلا نكون حيال وطن، فكيف إذا لم تُحفظ كلُّها؟! 

استنادًا إلى كلِّ ما سبق، فإنَّ سلاح المقاومة لا يتمتَّع بالشرعيَّة وحسب، بل وبالمشروعية؛ لأنَّه يأتي تلبيةً لكلِّ الحقوق المذكورة أعلاه، ولأنَّه يأتي في سياق ما تقوم به الشعوب الحرَّة من دفاع عن أوطانها، وما يقوم به أيُّ إنسان يتعرَّض للقتل أو حتَّى للحرمان من وسائل معيشته، من دفاع عن النفس. 

قرار الحكومة بـ "حصر حيازة السلاح بالدولة وحدها" 

هذا القرار الذي يقضي، وَفق ما تريد الحكومة، بتجريد المقاومة من سلاحها، في ظلِّ عجز السلطة عن الدفاع عن الوطن، وخاصَّة عن جنوبه وعن شعبه، هو حرمانٌ للبنان من قوَّته، وكشفٌ له أمام العدوِّ الذي لن يتورَّع عن استباحته، لا سيَّما بعد أن أكَّد نتنياهو نواياه بالسيطرة على المنطقة بما فيها لبنان.

لقد أتى قرار الحكومة فاقدًا للمشروعيَّة؛ لأنَّه فاقد للشرعية الوطنيَّة، وللشرعية الميثاقيَّة، وللشرعيَّة الدستوريَّة، وللشرعية القانونية، وللشرعيَّة الأخلاقية، وللشرعيَّة الإنسانيَّة.

الشرعيَّة الوطنيَّة: إنَّ أوَّل ما استهلَّ به القسم الثاني من وثيقة الطائف (ثانيًا)، تحت عنوان "بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانيَّة" هو: "تمَّ الاتِّفاق بين الأطراف اللبنانيَّة على قيام الدولة  القويَّة القادرة". وسيادة الدولة تفرض الدفاع عن الوطن وصيانة استقلاله وسيادته وموارده وحماية أبناء شعبه والحفاظ على وسائل معيشتهم؛ على هذا تقوم الشرعيَّة الوطنيَّة. 

وهذا ما تفرِّط به الحكومة الحاليَّة، عندما تحاول منع أبناء الشعب من القيام بهذه المَهمَّات، بدلًا من أن تدعم كلَّ مبادرة تقوم بها قوَّة شعبيَّة، وتقيم تنسيقًا وتكاملًا بينها وبين الجيش اللبنانيِّ.

من هنا، فهي فاقدة للشرعيَّة الوطنيَّة. 

الشرعيَّة الميثاقيَّة: إنَّ قرار الحكومة بنزع سلاح المقاومة لم يقرِّره المجتمعون في الطائف، ولم يفعله آباء الطائف بعد عودتهم إلى لبنان، وقد قضت وثيقة الطائف في القسم (ثالثًا/ج) بـ "اتِّخاذ كافَّة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانيَّة من الاحتلال الإسرائيليِّ".

كما أنَّ الحكومة تتناسى ما قضت به وثيقة الطائف من واجب إعداد القوَّات المسلَّحة حتَّى تصبح قادرة " على تحمُّل مسؤوليَّاتها الوطنيَّة في مواجهة العدوان الإسرائيليِّ".

وإلى كلِّ هذا، فإنَّ مكوِّنًا أساسيًّا من مكوِّنات البلد، يشكِّل نحو 35% من أبنائه، رفض هذا القرار، وإنَّ 60% من اللبنانيِّين، بحسب آخر استطلاع للرأي[9] ، يؤيِّدون الإبقاء على سلاح المقاومة. من هنا، فإنَّ قرار الحكومة مخالف لوثيقة الطائف، وهو لهذه الأسباب يكون فاقدًا للشرعيَّة الميثاقيَّة.

الشرعيَّة الدستوريَّة: تقوم الشرعيَّة الدستوريَّة على الانسجام مع أحكام الدستور. والدستور اللبنانيُّ مكوَّن من المقدِّمة التي أُقرَّت في اتِّفاق الطائف، والفصول الأخرى؛ والمقدِّمة تعدُّ جزءًا من الدستور وأحكامها ذات قيمة دستوريَّة، كما قضى المجلس الدستوريُّ [10] .

وقد جاء في الفقرة "ي" من هذه المقدِّمة:

- "لا شرعية لأيِّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". 

ولمَّا كانت الحكومة قد ناقضت ميثاق العيش المشترك باتِّخاذها قراراً يخالف موقفَ مكوِّن أساسيٍّ من مكوِّنات لبنان، يؤيِّده 60% من الشعب اللبنانيِّ، من هنا، يكون قرار الحكومة فاقدًا للشرعيَّة
الدستوريَّة الشرعيَّة القانونيَّة: لأنَّ قرار الحكومة يقضي بحرمان من يتعرَّضون للعدوان من وسائل الدفاع عن النفس، والذي يقرُّه القانون اللبنانيُّ والقوانين الدوليَّة والوطنيَّة في مختلف بلاد العالم، كما تقضي به الشرائع السماويَّة، فهو فاقد للشرعيَّة القانونيَّة. 

الشرعيَّة الأخلاقيَّة: يقضي الحسُّ الأخلاقيُّ بمساعدة من يتعرَّض للاعتداء بقدر الطاقة[11] ، فإن لم تكن المساعدة بالدفاع بالقوَّة ممكنة، فبرفع الصوت والاستنكار وبذل الجهد مع من يمكن أن يساعد. إلَّا أن حكومة نوَّاف سلام، لم تتخلَّ عن هذا الواجب الأخلاقيِّ وحسب، بل هي راحت تمكِّن العدوَّ من رقاب اللبنانيِّين بحرمان من يمتلكون القوَّة ويتصدَّون للعدوان من أسباب قوَّتهم، من هنا فهي فاقدة للشرعيَّة الأخلاقيَّة.

الشرعيَّة الإنسانيَّة:  إنَّ الطبيعة الإنسانيَّة تجعل البشر يتعاطفون بعضهم مع بعض، ويتألَّمون لمن يتعرَّضون للكوارث، وما التظاهرات المؤيِّدة لسكَّان غزَّة والشاجبة لجرائم العدوِّ إلَّا الدليل على ذلك. أمَّا حكومتنا فلا تكترث جدِّيًّا بقتل وتهجير مئات الآلاف من البشر، بل وتعمل على تسهيل ذلك. من هنا، فهي فاقدة للإحساس الإنسانيِّ وللشرعيَّة الإنسانيَّة.

الفشل الإستراتيجي: تخطِّط الدول لمستقبلها القريب والمتوسِّط والبعيد، لكنَّ سلطات لبنان، باستثناء ما حاوله الرئيس فؤاد شهاب، لم ترَ نفسها مضطرَّة إلى ذلك، فتركت الدولة تسير من يوم ليوم حسب ما تشاء لها الأقدار. أمَّا حكومة اليوم فطرحت على نفسها إقامة "دولة قادرة وعادلة، عصريَّة وفاعلة"، ولمَّا كان العدوُّ الصهيونيُّ متربِّصًا بهذه الدولة، فهي تقول، إنَّها "ستلتزم بالكامل مسؤوليَّةَ أمن البلاد، والدفاع عن حدودها وثغورها، دولة تردع المُعتدي، تحمي مواطنيها وتُحصِّن الاستقلال". ولكن من أين تأتي بالقوَّة والعدوان قائم؟ وهل سيسمح العدوُّ بقيام هذه الدولة "القادرة"؟ تعلِّمنا التجربة أنَّ العدوَّ لن يسمح بذلك، فهو يمنع امتلاك القوَّة في أيِّ دولة في منطقتنا ما استطاع إلى ذلك سبيلًا. وتجربته مع العراق بتدمير مفاعل تمُّوز سنة 1981، ومحاولاته المستميتة للقضاء على البرنامج النوويِّ السلميِّ الإيرانيِّ، وكذا تجاربه مع سورية في العقود الأخيرة، لا سيَّما ما يقوم به اليوم، أبلغ دليل على ما نقول.

من هنا، فإنَّ ما أعلنت الحكومة عنه من إقامة الدولة القادرة والتي ستردع العدوَّ، سيكون العدوُّ له بالمرصاد، فلا يبقى أمامها سوى دول الغرب وخاصَّة أميركا، كي تمدَّها بالقوَّة؛ غير أنَّه من المعروف أنَّ هذا الغرب ليس مستعدًّا لمدِّ جيش لبنان بالوسائل التي تمكِّنه من مواجهة العدوِّ، والسلطة لا تملك الجرأة للتوجُّه إلى دول غير الدول الغربيَّة. لذا فإنَّ خطَّتها، بل قل حلمها ببناء الدولة المرجوَّة لن يتحقَّق. فإذا أصرَّت على حصر السلاح بـ "الدولة"، وهو سيكون سلاحًا لا يعتدُّ به لمواجهة التهديد الصهيونيِّ، وسُحب سلاح المقاومة، فسيتحوَّل لبنان إلى دولة يتحكَّم بها العدوُّ، ولن يسمح لها لا بالتقدُّم ولا بالازدهار إلَّا ضمن الهامش الذي لا يضرُّ بمصالحه. وبهذا تكون السلطة أمام فشل طويل الأمد، إذًا، ستكون أمام لا شرعيَّة إستراتيجيَّة.

 

المصادر:

 [1] - يرى دومينيك داربون، أنَّ المشروعية تعرَّف أنها "قبول الطابع الأخلاقي العادل والضروري للمؤسسات التي تُشكّل السلطة [1]". بمعنى آخر، هي "ممارسة السلطة بطريقة مُرضية في نظر أكبر عدد من الناس [2]"، أو هي أيضاً "الصفة الخاصة التي يُدركها الكيان الاجتماعي والسياسي من قِبل رعاياه وأحزابه، والتي تمنح سلطته. الشرعية هي نتاج شروط كالثقة والموافقة [3] والمعاملة بالمثل [4]"، أو وجود معايير وقيم. cf. Dominique Darbon, Gouvernance et fabrique de l’ordre politique 2010, http://www.institut-gouvernance.org/docs/chro2010-gouvernance-et-fabrique-de-lordre-politique.pdf

[2] - راجع تقرير لجنة القانون الدوليّ في الأمم المتّحدة (A/74/10)، 2019، الفصل الخامس، الاستنتاج 23، الملحق، حيث عدّت من بين القواعد القطعية: منع العدوان، منع الgenocide، منع الجريمة ضدّ الإنسانيّة، القواعد الأساسيّة للقانون الدوليّ الإنسانيّ، منع التمييز العنصريّ والأبارتايد، منع الرق، منع التعذيب، الحقّ في تقرير المصير.

[3] - خالد ملكي، الوثائق الدستورية اللبنانية منذ سنة 1860، المنشورات الحقوقية صادر، ص247 و248. راجع كذلك مقال المحامي أسامة رحّال بعنوان "المقاومة الدستوريّة والسلطة غير الميثاقيّة"، المنشور في جريدة الأخبار بتاريخ 15 آب 2025.

[4] - جاء في البيان، الفقرة الخامسة: "...البيان بفقرته الخامسة على ما يأتي:

«وبالنسبة إلى تنفيذ القرارات الدولية القاضية بإزالة الاحتلال الإسرائيلي من لبنان إزالة تامة، فإنّ اللجنة الثلاثية إذ تشيد بالمقاومة البطولية التي يقوم بها الشعب اللبناني في الجنوب ضد الاحتلال الإسرائيلي فإنّها تدعو مجدّداً الأطراف الدولية المعنية وخاصة مجلس الأمن (...) بالعمل بكافة الوسائل لتنفيذ القرار 425 وسائر قرارات مجلس الأمن...» خالد ملكي، مرجع سابق، ص 251.

[5] - راجع التعليق العام، رقم 6 الذي اعتمدته اللجنة في دورتها السادسة عشرة (1982 )، والتعليق العام رقم 14 الذي اعتمدته اللجنة في دورتها الثالثة والعشرين (1984 ). Document type United Nations report

[6] - جاء في قانون العقوبات اللبنانيّ، م 184: " لدفع تعرّض غير محقّ ولا مثار"

[7] - شرط قانون العقوبات الفرنسيّ: الدفاع عن النفس بألَّا" يكون هناك تفاوت بين وسائل الدفاع المستخدم وخطورة الاعتداء."

[8] - مشروع الموادّ بشأن مسؤولية الدولة عن الفعل غير الشرعيّ دوليًّا لسنة 2001، والتعليق عليه، الصادر عن الصليب الأحمر سنة 2001: ص191 و192.

[9] - استطلاع للرأي بالعيّنة، أجراه المركز الاستشاريّ للدراسات والتوثيق ما بين 27 تمّوز و4 آب 2025.

[10] - قرار المجلس الدستوريّ رقم 1/1997، تاريخ 27/7/ 1997.

[11] - من بين عدد كبير من المصادر في فلسفة الأخلاق، راجع جون لوك، في الحكم المدنيّ، ترجمة ماجد فخري، اللجنة الدوليّة لترجمة الروائع، بيروت، 1959، ص142.

الكلمات المفتاحية
مشاركة