اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي "العهد" ينفرد بحديث خاصّ مع مجاهد جريح عن الحرب والآلام الحيّة: المعركة كانت دواءنا

مقالات

تكليف الرئيس عون الجيشَ بالتصدي لتوغلات العدو تحوّل نوعي في المقاربة الرسمية
مقالات

تكليف الرئيس عون الجيشَ بالتصدي لتوغلات العدو تحوّل نوعي في المقاربة الرسمية

252

في لحظة دقيقة يمرّ بها لبنان والمنطقة، اتّخذ فخامة رئيس الجمهورية قرارًا حاسمًا بتوجيه الجيش اللبناني إلى التصدي لأي توغل أو اعتداء "إسرائيلي" على الأراضي اللبنانية، وذلك بعد الاعتداء الأخير في بلدة بليدا الذي أودى بحياة الشهيد الموظف إبراهيم سلامة.

لم يكن القرار مجرّد ردٍّ على خرقٍ أمني محدود، بل جاء بمثابة إعلان موقف سيادي جامع يعبّر عن إرادة الدولة في الدفاع عن كرامتها وأرضها، وعن رفضها أن تبقى الاعتداءات "الإسرائيلية" أمرًا واقعًا يمرّ من دون حساب.

قرار سيادي بامتياز: الدولة تستعيد زمام المبادرة

منذ سنوات طويلة، كانت الدولة اللبنانية تُنتقد على غياب ردّها المباشر على الاعتداءات "الإسرائيلية". أما اليوم، فإن القرار الرئاسي بإعطاء الأمر للجيش بالتصدي يشكّل تحوّلًا نوعيًا في المقاربة الرسمية، إذ يضع المؤسسة العسكرية في موقع الفعل لا ردّ الفعل، ويعيد الاعتبار لدور الدولة كضامن وحامٍ للسيادة.

بهذا الموقف، أعاد الرئيس التأكيد على أن الجيش اللبناني ليس جيش مراقبة أو انتظار، بل جيش مقاوم بزيٍّ رسمي، يُعبّر عن إرادة شعبٍ لا يقبل الإهانة.

"إسرائيل" لا تفهم إلا لغة القوّة

منذ قيام الكيان الصهيوني، أثبتت الوقائع أن "إسرائيل" لا تفهم إلا لغة القوّة. كلما تراجع الموقف العربي، تقدّمت "إسرائيل" وتمادَت في اعتداءاتها، وكلما واجهتها إرادة صلبة وموقف شجاع، تراجعت وأعادت حساباتها.

القرار اللبناني الأخير يعيد التأكيد أن الردع لا يصنعه الضعف، بل الإرادة والقدرة والاستعداد، وأن لبنان، رغم إمكاناته المحدودة، يمتلك عناصر قوةٍ كفيلة بإفشال أي مغامرة "إسرائيلية" جديدة.

معادلة الجيش والشعب والمقاومة

في وجه التحولات الإقليمية والدولية، يبقى الثابت الأساسي في المعادلة اللبنانية هو وحدة المسار والمصير بين الجيش والشعب والمقاومة. هذه المعادلة لم تكن يومًا عبئًا على الدولة، بل كانت صمّام أمانها الحقيقي؛ بفضلها تحرر الجنوب عام 2000، وبفضلها صمد لبنان في وجه العدوان "الإسرائيلي"  عام 2006، وبفضلها يعيش اليوم في ظلّ توازن ردعٍ غير مسبوق.

إن من يسعى إلى تفكيك هذه المعادلة إنما يعمل -عن قصد أو عن جهل- على إضعاف قدرة لبنان الدفاعية، وفتح الباب مجددًا أمام العدوان.

تناقض الفريق المعارض: شعارات تتبدّل مع الريح

المفارقة اللافتة اليوم أن الفريق المناهض للمقاومة، الذي لطالما ردّد شعار "الجيش وحده يحمينا"، هو نفسه الذي يعترض اليوم على قرار الرئيس بإيكال مهمّة التصدي للجيش، متذرعًا بأن "الجيش ضعيف" و"لا يجب زجه في مواجهة مع إسرائيل"،

فأي منطق هذا؟

كيف يمكن لفريقٍ أن يطالب بأن يكون الجيش وحده مسؤولًا عن الحماية، ثمّ يتراجع حين يُطلب من الجيش أن يقوم بدوره؟

إن هذا التناقض يكشف أن الاعتراض ليس على الأسلوب بل على جوهر الموقف الوطني نفسه، وأن بعض الخطابات المعارضة تفتقر إلى الثبات في المبدأ، وتغلب عليها الحسابات السياسية الضيقة على حساب الكرامة الوطنية.

الجيش لن يكون وحده

في اللحظة التي سيقرر فيها الجيش التصدي لأي عدوان، لن يكون وحيدًا. الشعب اللبناني، بكلّ أطيافه، سيقف خلف مؤسسته العسكرية، لأن الدم الذي يسيل في بليدا أو عيتا الشعب أو كفركلا هو دم كلّ اللبنانيين. أما المقاومة، فهي الضمانة الواقعية بأن أي عدوان لن يمرّ بلا ثمن، وهي العنصر المكمل الذي يجعل من قرار الجيش قرارًا عمليًا قادرًا على ردع العدوّ لا على تسجيل المواقف فقط.

هذه الشراكة بين الجيش والشعب والمقاومة "المعادلة الذهبية" هي التي ترسم اليوم خريطة القوّة اللبنانية الحقيقية، وتجعل من كلّ خرقٍ للسيادة مغامرة مكلفة لـ"إسرائيل".

القرار بين الداخل والخارج: رسائل في الاتّجاهين

داخليًا، يرسل القرار رسالة إلى اللبنانيين مفادها أن الدولة ما زالت موجودة، وأن مؤسساتها قادرة على اتّخاذ مواقف سيادية بعيدًا عن التجاذب السياسي. أما خارجيًا، فهو يوجّه رسالة حازمة إلى العدوّ "الإسرائيلي" وإلى المجتمع الدولي مفادها أن لبنان ليس ساحة مستباحة، وأن صبره ليس ضعفًا بل حكمة.

بهذا المعنى، القرار لا يحمل فقط بعدًا عسكريًا، بل أبعادًا سياسية وإستراتيجية تؤكد أن لبنان يمتلك إرادته الحرة، وأن وحدته الداخلية هي سلاحه الأقوى في مواجهة الأطماع "الإسرائيلية".

الإعلام والمزاج الشعبي: بين الغضب والتأييد

الشارع اللبناني تلقّى القرار بمزيج من الغضب على الجريمة والتأييد للموقف الرسمي. فالمواطن الجنوبي الذي يعيش على تماس مباشر مع الاعتداءات، شعر للمرة الأولى منذ فترة طويلة أن الدولة تتحدث بصوته، وأن دماء الشهداء لن تُترك دون رد.

حتّى في الوسط الإعلامي، ظهرت ملامح وعيٍ وطني جديد يدعو إلى وقف المزايدات والانقسام، والالتفاف حول الجيش باعتباره رمز وحدة اللبنانيين، لا أداة في الصراع السياسي.

خاتمة: لبنان لا يُستباح

لقد جاء قرار الرئيس عون ليقول بوضوح إن لبنان لا يُستباح، وأن من يظن أن الانقسام الداخلي يُضعف إرادته مخطئ. فما دام الجيش ثابتًا في موقعه، والمقاومة حاضرة في الميدان، والشعب مؤمنًا بحقه في الدفاع، فلن تنجح "إسرائيل" في فرض واقعٍ جديد.

إن الدم اللبناني ليس رخيصًا، والسيادة ليست وجهة نظر. ومن بليدا إلى كلّ شبر من الجنوب، يُكتب من جديد أن لبنان لا يعيش على المساومة بل على الكرامة، وأن معادلة "جيش - شعب - مقاومة" ليست خيارًا مؤقتًا، بل قدر وطنٍ قرر أن يحيا عزيزًا أو لا يحيا على الإطلاق.

الكلمات المفتاحية
مشاركة