مقالات
كاتب من لبنان
في لقائه منذ أيام مع جمع من مدّاحي أهل البيت (ع) في ذكرى ولادة السيدة الزهراء (ع)، في حسينيّة الإمام الخميني، أعاد الإمام علي الخامنئي تأكيده على استراتيجية مواجهة العدو في مجال الإعلام والوعي، داعيًا إلى ضرورة تحويل التشكيل الإعلامي من الموقف الدفاعي إلى الموقف الهجومي.
الإعلام كساحة صراع استراتيجية
في قراءة لخطاب الإمام الخامنئي أمام المداحين، وفي مراجعة لخطاباته وكلماته في مناسبات مختلفة، يمكن رسم تصور الإمام الخامنئي ونظرته للإعلام ورسالته.
التشكيل الإعلامي وفق رؤية الإمام الخامنئي، قد يكون أوسع من التشكيل الإعلامي لدى كثيرين من المهتمين في الموضوع، إذ إنه يشمل، وفق رؤية الإمام، كل أدوات التعبير الجماعي، ابتداءً بالمداحين، الذين ينشدون في المناسبات الإسلامية المختلفة، وقرّاء المجالس الحسينية، والرواديد، الذين يقرؤون المراثي في الإمام الحسين وغيره من أهل البيت (ع)، مرورًا بالشعر والفنّ وصولًا إلى الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي. فالإعلام، في رؤية الإمام الخامنئي، ليس مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل منظومة إنتاج للمعنى وصناعة للوعي الجماعي. وبالتالي فهو ركيزة استراتيجية في مواجهة الأعداء، الذين يستهدفون عقول الإيرانيين والمسلمين وهوية وثقافة الإيرانيين والمسلمين.
من الدفاع إلى الهجوم: فلسفة التحوّل
تظهر حالة الدفاع الإعلامي، وفق منظور الإمام الخامنئي، على أنها ردود فعل على الهجوم الإعلامي والشائعات والدعايات المعادية، التي تجعل الجهة المستهدفة في وضعية التترّس والدفاع، في حين يفرض العدو المهاجم تكتيكاته وأجندته. لأجل هذا يدعو الإمام إلى اعتماد وضعية الهجوم، عبر كشف ومهاجمة نقاط ضعف العدو، بسرد جرائمه التاريخية وتناقضاته الأخلاقية وفشله الحضاري، وخطابه الزائف حول دفاعه المزعوم عن حقوق الإنسان.
بالإضافة إلى هذا، على الجهة المستهدَفة فرض مصطلحاتها الذاتية، ورسالتها الصادقة، في الدين والسياسة والتراث والثقافة والمجتمع، قبل الانشغال بالرد على سرديات العدو.
بعد هذا، يجب على هذه الجهة تطوير دفاعها وتحويله إلى استراتيجية، بحيث تبادر لإرباك العدو وضرب ركائزه الفكرية وإشغاله بالدفاع عوض مبادرته إلى الهجوم.
المدّاحون والمجالس الحسينية: أدوات دفاع وهجوم فاعلة
يشكّل المداحون والرواديد وقراء المجالس الحسينية، وهذه المجالس نفسها، وسيلة يتميز بها محور الإسلام المحمدي الأصيل، مما لا يوجد لدى أعداء هذا المحور. ويولي الإمام الخامنئي اهتمامًا خاصًّا بهذه الوسيلة. فهذه المنابر تمتلك جمهورًا واسعًا ولها تأثير وجداني وديني وثقافي عميق، ما يجعلها أداة فعالة في الدفاع وفي توجيه الخطاب الهجومي، ما يعزز القيم الدينية وغيرها من القيم في وجه هجوم العدو الذي يهدف إلى التأثير في تفكير وعقيدة الجمهور وتغيير هويته.
لماذا المراهنة على أدوات الحرب الإعلامية؟
يرى الإمام الخامنئي أن التغيير في أدوات الحرب الإعلامية ضرورة حتمية لأن العدو لم يعد يراهن على القوة العسكرية فقط، إنما يراهن أيضًا على تغيير العقول والهوية. لذلك فإن الهجوم الإعلامي يتطلب المبادرة وصناعة خطاب بديل، مع استثمار كل الأدوات الدينية والثقافية والأدبية والفنية واستغلال منصاتها وتحويلها إلى قواعد وأدوات تعبئة وتوعية فكرية.
خلاصة
توجيه الإمام الخامنئي بتحويل التشكيل الإعلامي من دفاعي إلى هجومي يمثل امتدادًا طبيعيًا لفكره الاستراتيجي حول الصراع الحضاري والجهاد التبييني. الدفاع وحده لم يعد كافيًا، والمطلوب اليوم هو المبادرة، وصناعة المعنى، واستهداف نقاط ضعف العدو، وترسيخ القيم الوطنية والدينية في الوجدان الجماعي. بهذا المعنى، يصبح الإعلام ساحة هجومية استراتيجية، تتقدم على الدفاع وتفرض المبادرة، مساهمةً في صمود الشعب الإيراني ونشر قيم الثورة الإسلامية على المدى الطويل.
لطالما أكد الإمام الخامنئي على دور الحرب الناعمة والثقافية في مواجهة العدو، بالإضافة إلى وجوب تطوير القدرات العسكرية. وإن توجيهه بالاهتمام بالتشكيل الإعلامي وتحويله من الدفاع إلى الهجوم يمثل امتدادًا لرؤيته حول جهاد التبيين والصراع الحضاري. الدفاع وحده لم يعد كافيًا، والمطلوب المبادرة واستهداف نقاط ضعف العدو، فيصبح الإعلام بذلك ساحة هجومية استراتيجية، تتقدم على الدفاع، وتساهم في صمود الشعب الإيراني ونشر قيم الثورة الإسلامية.
__
المصادر:
• خطاب الإمام الخامنئي في 11/12/2025
• تصريحات الإمام الخامنئي حول جهاد التبيين والحرب الناعمة
• خطاباته مع المدّاحين والمجالس الحسينية