مقالات
لا شك أن كلّ المعطيات التي تحيط اليوم بمشهد الوضع بين لبنان وبين كيان الاحتلال، تعادل الاحتمالات بين الحرب أو التسوية بين الطرفين، وحيث يشير أحيانًا المستوى المرتفع للاعتداءات وللتهديدات "الإسرائيلية" على لبنان إلى تقدم احتمال الحرب، تعود الحركة المرتفعة لطروحات التفاوض (ولو المشبعة بالتهديد وبالوعيد) لترفع من نسبة احتمال سلوك التسوية.
فإلى أين يتّجه الوضع بين لبنان وبين "إسرائيل"؟ وبماذا يرتبط الوصول إلى حسم هذا الأمر حربًا أم تسوية؟
في الواقع، هناك عدة عوامل تؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على تحديد مسار ومآلات الوضع بين لبنان و"إسرائيل"، منها المرتبط مباشرة بكلّ من الطرفين، ومنها أيضًا المرتبط بأطراف وبملفات إقليمية ودولية، ويمكن الإضاءة على هذه العوامل كالتالي:
لناحية لبنان:
يُستهدف اليوم من قبل كيان الاحتلال، بمروحة واسعة من الاعتداءات الوحشية التي تطال عددًا غير بسيط من أبنائه بذريعة انتمائهم لحزب الله، أو بذريعة انخراطهم في مناورة إعادة تنظيم وتجهيز بنية حزب الله العسكرية، وحيث تشكّل هذه الاستهدافات جرائم حرب بكلّ ما للكلمة من معنى، وبمعزل عن صحة أو عدم صحة هذه المزاعم التي يطلقها لتبرير اعتداءاته، يتجاوز العدوّ عبرها مندرجات اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان والذي تم التوصل إليه في نهاية نوفمبر من العام الماضي، مع وجود عجز كامل للجنة الخماسية المكلّفة الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار المذكور عن لعب دورها المناط بها في منع العدوان "الإسرائيلي" وإنهاء احتلاله لمناطق جنوبية لبنانية.
لناحية العدو "الإسرائيلي":
عبر هذه الاعتداءات الوحشية، يمارس ضغطًا مركزًا على لبنان وعلى حزب الله، وبهدف أبعد من إنهاء بنية حزب الله العسكرية، وأبعد من إجباره على التخلي عن سلاحه، يهدف العدوّ من وراء هذه الاعتداءات إلى إجبار لبنان على الرضوخ وفرض توقيع اتفاق تطبيع معه، ينهي حالة الحرب بين الطرفين؛ وفي نفس الوقت، وعبر استمراره باحتلال عدة نقاط ومواقع داخل الأراضي اللبنانية، يمارس في ذلك مناورة خبيثة لمنع الجيش اللبناني من تنفيذ مندرجات اتفاق وقف إطلاق النار، والمعنية عمليًّا بجنوب نهر الليطاني، لإطالة مدة احتلاله ولعرقلة مسار تطبيق الاتفاق المذكور.
لناحية الإدارة الأميركية:
تقوم واشنطن وعبر تواطؤ كامل مع العدوّ "الإسرائيلي"، بمناورة إدارة الاعتداءات العسكرية التي يمارسها الأخير، في سبيل تحقيق إستراتيجية إرضاخ لبنان بهدف فرض التطبيع مع كيان الاحتلال، وعبر زيارات وتصريحات مندوبيها أو مسؤوليها، والمشبعة بالتهديدات الخبيثة والعدائية، تمارس على لبنان ضغوطا غير مسبوقة بتخييره بين الاستسلام لأجندتها السياسية أو استمرار العدوان والقتل وتأخير وعرقلة إعادة الاعمار .
وأمام هذه الاعتداءات والتهديدات الأميركية - "الإسرائيلية"، والتي تجعل الحل مستبعدًا في المدى المنظور، مثلما تجعل الحرب الواسعة أيضًا مستبعدة بين لبنان و"إسرائيل"، خاصة في ظل ثبات لبنان وصموده بمواجهة هذه الضغوط حتّى الان، وفي ظل خشية كيان الاحتلال من الدخول في مغامرة برية واسعة ضدّ لبنان، يبقى هناك عامل إقليمي مهم، تأثيراته أساسية في تأخير واستبعاد الحل للوضع المعقّد بين لبنان والكيان حاليًّا، وهو الملف السوري، وحيث تعمل "إسرائيل" على فرض اتفاق أمني مع دمشق، أساسه منطقة عازلة خالية من أية أسلحة فعالة، تمتد من جنوب دمشق حتّى الحدود الجنوبية لسورية، تتداخل المصالح الإقليمية والدولية المرتبطة بالميدان السوري، لتفرض عرقلة معينة لسلوك هذا الاتفاق الأمني المزمع توقيعه بين "إسرائيل" وبين سورية، وليكون ذلك أيضًا عاملًا إضافيًا لعرقلة التوصل إلى حل للوضع المعقّد بين لبنان وبين كيان الاحتلال.