اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

مقالات

كيف تنبأت وثيقة المقاومة باستراتيجيات أميركا الراهنة وكيف حددت المواجهة؟
مقالات

كيف تنبأت وثيقة المقاومة باستراتيجيات أميركا الراهنة وكيف حددت المواجهة؟

169

تبدو التحركات الأميركية في شرق العالم وغربه لافتة ومربوطة بخيط استراتيجي واحد يعيد إحياء نظريات الهيمنة الإمبراطورية من نوعية نظرية "ماهان" للقوة البحرية و"ماكيندر" لقلب الأرض.

 وقد وضعت وثيقة حزب الله الصادرة في العام 2009 رؤية ثاقبة تكاد تقرأ الواقع الراهن وتتنبأ بمجرياته وتستشرف المستقبل القريب، والأهم أنها صاغت رؤية للمواجهة وقدّمت حلاً لهذه المعضلة التي تواجه الأمة باعتبارها جزيرة في قلب الحروب المستعرة على البحار والممرات، ناهيك عن كونها خزانًا للثروات.

وهنا نحاول إلقاء الضوء على ملامح المستجدات في الاستراتيجية الأميركية في صراعها العالمي لإبقاء الهيمنة والأحادية القطبية والشواهد العملية لذلك، لنصل الى استشراف السيناريوهات المستقبلية لمنطقتنا الواقعة في قلب الصراع، مع إلقاء الضوء على نبذة من وثيقة حزب الله السياسية لبيان مدى دقتها وصوابية قراءتها والحلول التي قدمتها، بالتالي استنتاج السبيل الأمثل للمواجهة في هذه اللحظات الحساسة المفصلية.

أولًا: أسباب إعادة تفعيل استراتيجيات الهيمنة الإمبراطورية:

المراقب للتطورات الأخيرة يلمح تحركات أميركية على صلة بالبحار والممرات الاستراتيجية وسعيًا لمعالجة التراجع الهائل في القوة البحرية الأميركية، وهو ما يعد تحولاً استراتيجيًا عن الصيغة التي اتبعتها أميركا بعد نهاية الحرب الباردة والتي اعتمدت فيها على فائض القوة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وما تبعه من تفكك في منظومة مقاومة أميركا والغرب وهو ما أحدث نوعًا من التراخي في بناء القوة اعتمادًا على الردع وغياب التعدد القطبي.

وبعد السعي الحثيث لإيجاد عالم متعدد الأقطاب عبر الصعود الصيني في المجالين الاقتصادي والعسكري، والانتفاضة الروسية الأوراسية لمواجهة سياسة الخنق والتفاف "الناتو" حول روسيا، وبعد بزوغ قوى المقاومة في المنطقة وتقاربها مع القوى المناهضة للهيمنة، بدا أن أميركا في وضع متراجع، وتعالت الأصوات في الأروقة الاستراتيجية الأميركية لإعادة بناء القوة الاقتصادية والعسكرية.

وفي عام 2022، كتبت كوري شاك، مديرة دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد "أميركان إنتربرايز"، مقالًا في مجلة "فورين أفيرز" يحذر من انهيار القوة البحرية الأميركية اعتمادًا على كتابين هما "حكم الأمواج" لبروس جونز، و"العصر الأزرق" لغريغ إيستربروك، وكلاهما يطرح حججًا قوية مفادها أن أمن الولايات المتحدة وازدهارها يعتمدان على الهيمنة البحرية، كما يحذران من أن المياه التجارية العالمية سوف تتحوّل مرة أخرى إلى ساحة للعنف.

وهذه الأسباب ومعها بيان اهتراء الأداء العسكري الأميركي وسقوط الردع البحري كما حدث مع اليمن، أدت فيما يبدو الى إعادة تفعيل الاستراتيجيات القديمة مثل استراتيجية "ماهان"، والذي يرى أن الولايات المتحدة وبريطانيا يمكنهما السيطرة على العالم عن طريق القواعد البحرية المنتشرة على هوامش أوراسيا، نظرًا لسهولة الحركة البحرية بالمقارنة بالحركة على اليابسة، كما توقع أن أي تحالف بين الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وبريطانيا يمكن أن يكون رادعًا في المستقبل للصين وروسيا.

ثانيًا: شواهد استدعاء استراتيجيات الهيمنة:

هناك عدة شواهد يمكن معها الوثوق بدقة رصد استدعاء استراتيجيات الهيمنة الإمبراطورية/ ويمكن تناول بعضها تاليًا:

1- مؤخرًا صرح وزير الخارجية الروسي لافروف أن حلف "الناتو" يسعى إلى حجز مكان له في المحيط الهادئ، مما يقوض الأسس ذاتها للهندسة الأمنية الإقليمية التي تم بناؤها على مدى عقود حول الدور المحوري لرابطة دول جنوب شرق آسيا، ويتم ذلك بهدف واضح هو احتواء الصين وعزل روسيا والمواجهة مع كوريا الشمالية.

2- جولة ترامب الآسيوية الأخيرة، كانت لافتة في مسارها وتصريحاتها، وقد أنهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بها زيارته إلى اليابان من قاعدة بحرية أميركية بالقرب من طوكيو، وقال: "من الآن فصاعدًا سنحقق الانتصارات في أي حرب نخوضها". 

كما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الآسيوية تمثل اختبارًا حاسمًا لقدرته على إعادة صياغة النظام التجاري العالمي وفق رؤيته القائمة على الصفقات الثنائية والدبلوماسية الشخصية.

3- تسعى أميركا إلى تعزيز سلاح البحرية بإنشاء أسطول جديد كليًاً من السفن الحربية، يحمل اسم "الأسطول الذهبي".
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين حاليين وسابقين أن مناقشات أولية تُجرى بين كبار مسؤولي البيت الأبيض والبحرية الأميركية لبحث استبدال التشكيلة الحالية من السفن الحربية بأسطول جديد "يتمتع بقدرات أفضل لمواجهة الصين وغيرها من التهديدات المحتملة في المستقبل".
4- التحركات الأميركية المعادية لفنزويلا والتلويح بتدخل بري بها، وتصريحات ترامب حول "قناة بنما"، هي استدعاء لحقبة السيطرة على البحر الكاريبي والممرات بين الاطلنطي والهادي، تضاف للتموضع الأميركي في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، وكلها تنويعات على استراتيجيات "ماهان"، القائمة على القوة البحرية، باعتبارها أساس قوة الدولة وأن أي دولة تريد السيطرة على العالم يجب أن تتحكم في قوة بحرية كبيرة، ويجب أن تكون لها السيطرة على البحار، وهي التي ستسود العالم في النهاية.

ثالثًا: وثيقة حزب الله ورؤيتها للصراع والهيمنة الأميركية:

يكفي هنا الاسترشاد بمقتطفات مختصرة من وثيقة حزب الله السياسية الصادرة في العام 2009، حيث جاء بها نصًا أنه: (إذا كان العالم المستضعَف بأسره يرزح تحت نير هذه الهيمنة الاستكبارية، فإنّ عالمنا العربي والإسلامي يناله منها القسط الأوفر والأثقل، لدواعي تاريخه وحضارته وموارده وموقعه الجغرافي).

وقالت الوثيقة إن (ذروة هذه المرحلة الاستعمارية بلغت مع وراثة الولايات المتحدة للاستعمار القديم في المنطقة. يتمثل الهدف المركزي الأبرز للاستكبار الأميركي بالسيطرة على الشعوب بكل أشكالها: السياسية والاقتصادية والثقافية ونهب ثرواتها، ويأتي في الطليعة نهب الثروة النفطية بما هي أداة رئيسة للتحكم بروح الاقتصاد العالمي).

ومن ضمن السياسات والاستراتيجيات التي رصدتها الوثيقة (توفير كل سبل ضمان الاستقرار للكيان الصهيوني، بما هو قاعدة متقدمة ونقطة ارتكاز للمشروع الأميركي الاستعماري التفتيتي للمنطقة، ودعم هذا الكيان بكل عوامل القوة والاستمرار، وتوفير شبكة أمان لوجوده، والإمساك بالمواقع الجغرافية الإستراتيجية للمنطقة، لما تشكّله من عقدة وَصْلٍ وفصل، براً وبحراً وجواً، ونشرُ القواعد العسكرية في مفاصلها الحيوية خدمةً لحروبها ودعماً لأدواتها.)

وفي سياق الرؤية للمواجهة، خلصت الوثيقة الى السبيل الأمثل لهذه المواجهة عندما قالت (من الواضح أنه لا مجال اليوم لقراءة أي صراع في أي منطقة من مناطق العالم إلاّ من منظار إستراتيجي عالمي، فالخطر الأميركي ليس خطراً محلياً أو مختصاً بمنطقة دون أخرى، وبالتالي فإنّ جبهة المواجهة لهذا الخطر الأميركي يجب أن تكون عالميةً أيضاً).
والخلاصة هنا: هي أن أميركا تعيد إنتاج استراتيجيات الهيمنة بشكلها البحري وهو ما يفسر عودتها القوية للمنطقة وتمركزها بالبحر المتوسط وسعيها للتواجد العسكري في غزة ومطامعها في سوريا ولبنان وتمكين الكيان الصهيوني من الهيمنة على المنطقة والمتوسط، وهو ما شخصته المقاومة مبكرًا وهو ما يستدعي الإنصات لرؤية المقاومة بوحدة جميع القوى الرافضة والمهددة بهذه الهيمنة على مستوى العالم بأسره، والتحرك ككتلة واحدة للمواجهة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة