اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي ترويج للخبر "الإسرائيلي" باللغة "اللبنانية"!

خاص العهد

خاص العهد

عبد القادر.. قائدٌ قرآني وعسكري لا يتكرّر

161

لمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد القائد الجهادي الكبير الحاج إبراهيم عقيل (الحاج عبد القادر)، يستعيد موقع العهد الإخباري صفحات من سيرته المباركة ليلقي الضوء على إرثه الجهادي والإنساني.

من بيروت إلى البقاع، ومن ساحات الفكر إلى ميادين الجهاد، تشكّلت شخصية الحاج إبراهيم عقيل حتى أضحى قائدًا قرآنيًا جامعًا بين المعرفة والإيمان والعمل الميداني. في مقابلة مع موقع "العهد" الإخباري، تسرد زينب عقيل ابنة الحاج عبد القادر بعضًا من سيرته الجهادية الطويلة.

من بدنايل إلى بيروت .. رحلة وعي وصقل فكري وروحي

هو ابراهيم محمد عقيل، من بلدة بدنايل البقاعية. ترعرع بين القرية والمدينة، في بيروت في منطقة كورنيش المزرعة، وهي بيئة متنوعة اجتماعيًا وثقافيًا. وتفتّح وعيه، خلال الحرب الأهلية، ضمن ظروف اجتماعية وأمنية قاسية عصفت بلبنان. ذلك كله كان له أثر كبير في تكوين شخصيته التي بدا عليها منذ الصغر شخصية قيادية ومبادرة، ووُضع أمامه تحدٍ بكيفية إيجاد المعنى في وسط الانقسام.

كانت بيروت، في السبعينيات، ساحة للتناقضات الفكرية والسياسية (إسلاميين وعلمانيين ويساريين وملحدين). هذه التعددية كانت الشرارة التي صاغت شخصيته الحوارية والنقدية والمتعطشة للمعرفة وصقلت قدرته على الجدال الفكري والبحث عن الإجابات بنفسه، فكان معلّمًا نفسه، وفقًا لما تقوله ابنته، والتي تُشير أيضًا إلى أنه تحدث ذات يوم أمام مع عائلته، في إحدى الجلسات، عن تفكيكه النصوص الفلسفية التي كتبها الروسيان الفيلسوف الشيوعي "كارل ماركس" والمفكر السياسي فلاديمير لينين والمفكّر الإسلامي الشهيد محمد باقر الصدر وآخرون. 

بحسب زينب عقيل، بيئة بيروت وظروفها لم تخرج الحاج إبراهيم عقيل المتديّن التقليدي وتركيبة شخصيته هذه التي جمعت الفلسفة مع الدين مع العمل العسكري الميداني؛ بل أدخلته باكرًا في سؤال: كيف يمكن بناء مجتمع صالح وصناعة التغيير؟
 
في رحاب مسجد العاملية.. العقل الباحث والروح العرفانية

تذكر زينب حديث الشهيد القائد عن فضل المسجد عليه، في تكوين شخصيته، إلى حدّ أنه قال: "كان المسجد هو السبب في أنني عرفتُ بعض الإجابات الفلسفية من دون أستاذ أو معلم، وقرأت الكتب الصعبة من دون شرح". لذلك رأى أن مجرد حضوره في المسجد كان له أثر غيبي في شخصيته، فقد استطاع تفكيك المصطلحات الفلسفية بنفسه، ما زرع فيه عقلية الباحث المبادر لا المتلقي، فأعطاه حضوره ونشاطه الفكري في المسجد بعدًا عرفانيا لأكثر المسائل عقلانية. بالإضافة طبعًا إلى علاقته بالقرآن الكريم.

القرآن الكريم منهج حياة.. والقيادة على نهج الوعد الإلهي

تروي ابنته أنّ الصورة التي بقيت عالقة في ذهنها، منذ الطفولة وحتى زواجها، صورة والدها وهو يحمل القرآن الكريم ويقبّله، ويقدمه لها بطريقة ملؤها الاحترام والحماية. بدأ الحاج إبراهيم بجمع العائلة للدرس الأسبوعي، ليشرح القضايا المستمدّة من القرآن الكريم، حتى القضايا الفلسفية وجد لها مصاديق واضحة في النص القرآني.

وتتابع: "أذكر منذ طفولتي المبكرة، بل أقول، صورة أبي المطبوعة في رأسي، عندما كنت طفلة، إلى حين زواجي وانتقالي من البيت، هي صورة والدي يحمل القرآن الكريم يقبّله، وعندما يريد أن يعطينا القرآن بأيدينا كان يقدمه بطريقة فيها كثير من الحماية والاحترام. وبعدها عندما بدأ بجمعنا للدرس الأسبوعي، كان يشرح لنا القضايا من القرأن، حتى القضايا الفلسفية كان يجد لها مصاديق في القرآن". 

على المستوى العملي، رأى الحاج عبد القادر، وفقًأ لكريمته، أن: "انتصارات المقاومة كلها تعود إلى ما بُني منذ العام 1982 عندما كانت المجموعة صغيرة، لكنها مستندة إلى الإيمان بالوعد الإلهي: "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ".. والصبر هنا هو الصمود الموجود في استراتيجية المقاومة. وهو كان في مقارباته العسكرية يستخرج المعايير والمفاهيم والعقيدة القتالية من آيات الجهاد في القرآن". لقد كان الشهيد القائد دائم الحديث عن الجذبة الفطرية العشقية التي توجّه الإنسان نحو الكمال، والانحراف عن هذا المسار هو سبب شقاء الإنسان، ويعكس الشهيد فهمه القرآني لقوله تعالى..: " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ ". 

عقل المقاومة العسكري .. من سجد إلى جزين وانتصارات التحرير

كان يوم التحرير، في العام 2000، يومًا إلهيًا كما كان يحبّ أن يعبر عنه؛ تقول زينب. يتعامل معه على أنه يوم من أيام الله، ويمارس فيه شعائر العيد. بقي طوال 24 عامًا حتى وقت استشهاده، يحب أن يتجوّل في قرى الجنوب المحررة في هذه الأيام. "وكما هو معلوم بأن والدي فور استلامه مسؤولية عمليات الجنوب، في منتصف التسعينيات، أحدث انقلابًا في قيادة المقاومة العسكرية، وأعاد تعريف المفاهيم العسكرية بما يتلاءم ووضع المقاومة على الأرض، وخطّط لعمليات تفوّق فيها على العدو بالمرونة وسرعة الانتقال والتخفّي والحرب النفسية، والأهم، في النقطة التي يأخذ عليها جيش العدو "صفر"، وهي من أين تأتي النيران.

وبدأت العمليات النوعية، من عملية سجد إلى البياضة وعملية بيت ياحون واقتحام ثكنة جزين، وغيرها من العمليات النوعية التي خطط لها هذا العقل المبدع. إنه العقل العسكري لحزب الله قالها الحاج عماد مغنية. حتى وصل العدو إلى مرحلة شلل كامل في منطقة الجنوب، وخطط لاغتياله في شباط في العام 2000، قبل التحرير بأشهر، لعلّ اغتياله يكون بارقة أمل لهم باستعادة الجنوب.

علاقة الدم والولاية.. بين الحاج عبد القادر والأمين العام الشهيد الأسمى

رأت زينب أن علاقة والدها بالقادة وبالأمين العام الشهيد الأسمى امتداد طبيعي لمساره، لأن الرجال الكبار يلتقون حيث تتقاطع قضاياهم الكبيرة مثلهم. العلاقة لم تكن مجرد رفقة عمل، هم بدأوا بتأسيس المقاومة عندما كانوا يافعين فكانوا رفاق الدرب، وحملوا هموم الأمة على صغر سنهم، واستشهدوا عظاما في المرحلة الزمنية نفسها أيضا. ولعل سيد شهداء الأمة رأى الحاج عبد القادر قائدًا يتخطى الزمان والمكان، عندما قال إنه "مسدد من الله، ورأيه مرجح في القرارات المصيرية"، بحسب زينب التي وصفت علاقة أبيها الحاج عبد القادر بالسيد نصرالله، كما علاقة يعقوب بيوسف، قائمة على ولاية الدم قبل إخوّة الدرب. 

الشهادة.. الحلم المؤجل حتى لحظة اللقاء

عن علاقة الحاج عبد القادر بالشهادة، تذكر كريمته أن: "هناك مقطع فيديو متداول عن حاله الوجدانية كلما ارتحل بعيدًا عن أصدقائه ورفاقه وأبنائه المجاهدين. كان يواسي نفسه بفقد الإمام علي (ع) لأصحابه"، وهو يقول أين المقداد وأين عمار؟". وتضيف "كان والدي طوال عمره الشريف وهو 62 عامًا بانتظار الشهادة. وكان يستغل كل لحظة ليطور خبرته ومعرفته بميدان المعركة لينقلها إلى من بعده بزخم كبير، وكان من أجل في سباق مع الوقت، لأنه لم يكن يدري متى سيكون موعد شهادته. كان يحمل همّ أمته حتى بعد شهادته، لذلك كتب في وصيته "كل حياتي هي وصيتي". وطلب منا أن ننقل كل ما علّمنا إياه إلى أولادنا وأحفادنا وطلابنا. 

"كل حياتي وصيّة": إرث الجهاد والجيل الحامل للأمانة

عن الإرث والرسالة اللتين تركهما الحاج عبد القادر تحديدًا لهذا الجيل، تنقل زينب عن والدها قوله:" أنتم معنيون بحمل الأمانة وتسليمها للجيل الثاني، والأمانة هي هذه المسيرة هي كل ما تحمله من خبرات القادة وانجازات الميدان وحتى أخذ العبر من الإخفاقات". 

وتبيّن أنه عندما كتب في وصيته "كل حياتي هي وصيتي"، أراد أن يحمل هذا الجيل ما حمله هو من المشروع الإلهي الرسالي، حين قال: "كل ما أقوم به هو وصيتي"، وأضاف: "كل حزب الله والعمل الجهادي والجيش العقائدي والمجتمع المؤمن المتدين الملتزم، وتحقيق آمال وأهداف الحق وأحلام الأنبياء وأئمة الحق". 

فلسطين والقدس.. البوصلة التي لم تغب عن قلبه

لم تغب فلسطين والقدس عن قلب الحاج عبد القادر، فقد كان يرى بطولة وصمود المقاومة في فلسطين نتيجة طبيعية للمجتمع الذي يؤمن بالقرآن الكريم ودستوره. وعلى المستوى العملي كان هناك مستوى من التنسيق بين القادة في الساحتين, وبحسب زينب، زيّن والدها مكتبه بدرع تقديري من القائد العسكري في كتائب القسام الشهيد محمد الضيف. وهذا الدرع يعكس مستوى العلاقة بين المقاومة في لبنان وفلسطين والقدس التي هي قلب محور المقاومة. كما تكشف أن الحاج عبد القادر كان يقول لعائلته: "لو عاد بنا الزمن سنفعلها مرة أخرى، لأنه لا يمكن أن ترى هذه المقتلة تحصل إلى جانبنا على إخواننا، ولا نفعل شيئًا. كان ذلك تكليفا إلهيًا وانسانيًا".

رسالة الحياة: ذوبان الفرد في الجماعة وصناعة الإنسان الرسالي

لم تقتصر رؤية الشهيد القائد إبراهيم عقيل  في الحياة والموت والجهاد على عبارة، بل هي منهج حياته. وكان يعلّمنا إياه بسلوكه وأفعاله. ويقول إن على الفرد أن يذوب في المجتمع وفي المصلحة العامة، وأن تكون وحدة القياس ومعايير سلوكه في أي مسألة حتى لو كانت شخصية: بماذا سأفيد المجتمع. عندما فقط ستكون إنسانًا رساليًا.

الكلمات المفتاحية
مشاركة