اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي فؤاد شكر... «راوي» المقاومة

مقالات مختارة

فؤاد شكر وإبراهيم عقيل: عن شراكة في فهم الأصل والأدوات والبحث عن النصر
مقالات مختارة

فؤاد شكر وإبراهيم عقيل: عن شراكة في فهم الأصل والأدوات والبحث عن النصر

52

ابراهيم الأمين- صحيفة "الأخبار"

حتى إشعار آخر، سيبقى الحديث الحقيقي عن ما جرى خلال العامين الماضيين، أمراً صعب المنال. الأمر، ببساطة، مرتبط بحقيقة أن الحرب التي تقوم الآن مع العدو، فيها قواعد لا تشبه كل ما عرفه العرب منذ قيام الكيان، وفي المعركة الجديدة، آليات تفكير وأدوات عمل، يُفترض أن لا تشبه البتة كل ما سبق. لكنها، قبل ذلك كلّه، حرفة الصمت، والقدرة على الكتمان.

وسط هذا الجهد المتنوّع، الجاري تحت النار، تستمر لجان التحقيق – التقييم في عملها. وهي مهمة ينتظر الجمهور نتائجها بشغف. لكنها مهمة، لا تقلّ ثقلاً عن عملية بناء الاستراتيجية الجديدة للمقاومة. والأهم فيها، أنها تحصل، وعلى الجمهور، أن يهدأ قليلاً، وأن يصبر ولا يلحّ في معرفة ما يجب معرفته، لأن الحديث يحتاج إلى ظروف خاصة.

ومثلما وثق الناس بقيادة المقاومة، التي قاتلت واستشهدت، أو التي صمدت ولا تزال في قلب المعركة، من المهم أن يثق الجمهور، بأن من يتولّى مهمة تقصّي الحقائق، مجموعة أَكْفَاء، يقف على رأسهم، رجل مشهود له، بالنزاهة والمعرفة والإخلاص والعدل، وهو واحد من الذين يفعل أكثر ما بوسعه، من أجل الوصول إلى ما يجعل الصورة واضحة...

الحديث سببه، أن الحديث عن القادة الشهداء، لا يزال محفوفاً بالمخاطر. وفيه الكثير من الأمور التي لا تزال حاضرة في الميدان. وبرغم كل ما قيل عن قدرات العدو التجسّسية، فهو لا يزال يبحث عن تفاصيل كثيرة، بما يخدم هدفه بسحق المقاومة، فكراً وتنظيماً وناساً. وهو عدو يعرف بأن ما يقوم به، يبقى في أحسن الأحوال، تطبيقاً لاستراتيجية «جزّ العشب». فلا هو نجح، ولا هو يتجرّأ على ادّعاء القدرة على إنهاء المقاومة.

في مثل هذه الأيام، من العام الماضي، دخلت المنطقة منعطفاً خاصاً، هو الثاني بعد «طوفان الأقصى». وما فعله العدو في لبنان، كان له تأثيره على ما هو أبعد بكثير من لبنان. ولولاه، لَما كانت سوريا خرجت من محور المقاومة، ولَما كانت إيران قد ضُربت، ولا حتى قطر.

وعندما نجح العدو في الوصول إلى قادة المقاومة البارزين، فهو سجّل انتصاراً واضحاً. لكن لم يترجمه هزيمة للمقاومة، التي تتصرّف بتواضع كبير، إزاء حقيقة تعرّضها لخسارة ثقيلة، لكن، مع قناعة بالقدرة على تجاوزها. وهنا، يصبح الحديث عن المواجهة مرتبطاً بقوة، بالخطط التي كان بين القادة الشهداء من وضعها وفكّر فيها. وهي جزء من أدوات البحث عند جيل جديد من القادة الذين يختبرهم الله كلّ يوم.

من بين القادة الذين استشهدوا العام الماضي، يوجد اثنان فيهما الكثير من العناصر المشتركة على صعيد الموقع والدور. كانا كولدين لعائلة واحدة، لكل منهما، كتلة الأحاسيس الخاصة به، وأدوات التعبير التي يحبها. لكنهما، ظلّا حتى يوم استشهادهما، يخدمان في ميدان واحد، قبل أن يُدفنا في موقع واحد، كما رغبا.

فؤاد شكر وإبراهيم عقيل، شخصان عرفتهما في مراحل مختلفة من عمرهما الجهادي، وتعرّفت إلى الكثير من الأعمال التي كانا خلفها، أو قاداها خلال أربعين عاماً. وأعرف جيداً، أن لكل منهما، بصمته التي لا يمكن إغفالها مهما حصل من أحداث. وسيبقى الجميع يذكرهما، كما فعل مع الشهيدين اللامعين، عماد مغنية ومصطفى بدر الدين.

في سيرة الرجلين، حكايات كثيرة عن رحلة المقاومة. لكن ما هو أهم، يتعلق بخلاصات صارت من الثوابت في عقليْهما، عند الحديث عن المقاومة كفكرة وقدرة وإرادة وأعمال. أجد نفسي أمام خلاصة ردّدها «السيد محسن» دائماً، فهو أوجزها بطريقة عفوية لأول مرة، ليعود بعد عقد من الزمن، لصياغتها بطريقة أكثر حرفية، قبل أن يعود بعد عقد آخر، ليرسم الصورة بشكل واضح وبسيط.

خلاصة واحدة من رحلة طويلة مع الشهيد شكر، أحاول صياغتها بعباراته، وفيها يقول: «إن المقاومة، فعل أريد منه إعادة الناس إلى موقعهم الطبيعي في التصدّي للعدوان ومقاومة الاحتلال. ولم تكن المقاومة لتخلق حقيقة قائمة قبلها، تتصل بمقاومة الظلم والقهر والطغيان. وإن ما فعلته المقاومة في لبنان، هي أنها اجتهدت لتقدّم نموذجاً يثق الناس به، فلا ينزعجون إن امتشق أولادهم السلاح.

وقدّمت المقاومة نموذجاً قيادياً، يعمل على تحقيق شعار الإمام الخميني القائل بـ«نحن نستطيع»، ثم كان لقادتها موقع أساسي في تعزيز المصداقية عند الناس، فتعرّف الناس إليهم، كقادة منخرطين، مخلصين وصادقين، وقد أفنوا أعمارهم في الجهاد واستشهدوا في الميدان.

ثم إن المقاومة في لبنان، عرفت من اليوم الأول، أن عليها أن تبدأ القتال. وأن تقاوم الاحتلال بالنار، وأن تعلن رفضها خيار التطبيع والاستسلام. وهي عندما تنامت، كانت تعرف أن التضحيات شرط للبقاء، لكنها، لم تكن لتفرّط في العباد، وبعد 14 سنة من اجتياح 1982، أرست المقاومة أول قواعد اشتباك مع العدو تحمي فيها المدنيين، ثم عادت بعد 12 سنة، لتثبّت قواعد أشدّ صرامة في حماية المدنيين وضمان حريتهم في الحركة والسكن والعمل بعد حرب تموز 2006. وكل ذلك حصل، لأن هناك من فكّر، ودرس، وقاتل، واستشهد، ولكنه بقي صامدا».

بالموازاة، كان الشهيد إبراهيم عقيل، يمارس حرفته في البحث عن كل جديد. والرجل الذي يحب الابتعاد عن الأضواء، كان يجيد الحضور حيث يفترض أن حضوره ضروري. وللمناسبة، فإن الحاج عبد القادر، واحد من أبرز قادة المقاومة العسكريين، الذين يعرفون قيمة الإعلام وقيمة السردية. وهو الذي بحث واستحصل على تجارب أمم كثيرة، وعندما ينخرط في عمل له صلة بعالم الإعلام، يكون حاضراً بطريقة منهكة لمن يقف قبالته، ليس إلحاحاً منه على فكرة، بل لقدرته على توفير متطلبات قد لا تخطر في بال عسكري.

لكن لعبد القادر، ميزة خاصة في العمل العسكري الاحترافي، وهو الرجل الذي يعرفه كل من مرّ على معسكرات ووحدات الحزب الجهادية. وفهمه للمعركة مع عدو كإسرائيل، لم يكن معزولاً عن كل ما يجري من حولنا، وفي العالم أيضاً. لذلك كان شديد الحزم في القول: «نحن نقاتل كل جبروت قوى الاستعمار العالمية، وقد جُمعت في يد جيش واحد، ومعها، كل الحقد الذي يجعل الإنسان وحشاً لا حدود لفظاعته، وهو أمر يفرض علينا إيلامه في المكان الذي يصيبه بوهن، من خلال كسر قدرته على التفوّق في أرض المعركة، وجعله يكتشف أن آلة الموت التي بيده، لا تنفعه في معركته، ولا هي قادرة على تحقيق النصر له، ومتى هُزم هناك، يصبح سهلاً الانقضاض عليه في كل مكان آخر».

فلسفة عبد القادر، التي أخذته إلى عوالم عسكرية وتقنية عالمية، جعلت منه رجل خبرة احتاج إليه قادة عسكريون من عالم بعيد، سمعوه في أمور كثيرة، وأشعرهم بأن الأمر يحتاج إلى إرادة قبل أي شيء آخر، وهو الذي كان بخيلاً جداً في الحديث عن إنجازات كبيرة قامت بها المقاومة، ليس لرغبة منه في ترك الحديث لغيره، بل لأنه كان يتصرّف، أنه أمام عدو يجب أن تحرمه كل معلومة مهما كانت صغيرة. حتى إنني فشلت لعقدين على الأقل، في إقناعه بالحديث عن عملية جرت في الشريط الحدودي، لأنه كان واثقاً، بأن تفصيلاً بسيطاً لم يعرف العدو عنه شيئاً، وهو تفصيل كان سبباً في نجاح العملية.

بين محسن وعبد القادر، مساحة كبيرة من النقاء الذي يميّز المخلصين، كما بينهما مشتركات، يصعب أن تراها في حركات شبيهة في العالم، ويمكن اقتفاء أثرها، عند تلامذة لا يزالون، يجلسون ويتذكّرون أفضال الرجلين على مسيرة، حقّقت الكثير لهذه الأمة، وفي إرث سيزهر متى حان الأوان!.

الكلمات المفتاحية
مشاركة