نقاط على الحروف

صحيح أن مورغان أورتاغوس، استبعدت من مهامها في بيروت كمبعوثة أميركية، قبل أشهر قليلة، وحلّ مكانها توماس برّاك. الا أنها بقيت إعلاميًا في الواجهة. رافقت اورتاغوس برّاك في الزيارة الأخيرة إلى بيروت، وتعمّدت لفت الأنظار بمحطات أبعد من السياسة والديبلوماسية وأقرب إلى الشخصنة، والاستعراض. وها هي نائبة المبعوث الأميركي تعود إلى العاصمة اللبنانية، بزيارة وصفت بـ"الأمنية" والعسكرية، بما أنها لن تلتقي بمسؤولين لبنانيين. اللافت في هذه الزيارة وما قبلها، سيما من الإعلام الذي يدّعي الحرص على السيادة الوطنية، استخدامه خطابًا ينصّب فيه أورتاغوس، كوصية مباشرة على الملف اللبناني وتحديدًا مسألة "حصر السلاح"، ومتابعة تنفيذ خطة الجيش ميدانيًا. هذا ما ظهر في مضامين هذه القنوات والصحف التي تنتهج ليلًا نهار مهاجمة المقاومة وتبرير الاعتداءات "الإسرائيلية"، لصالح تسيّد أورتاغوس دون غيرها الساحة، والتحدث عن مهامها بأريحية سيما في ما يتعلق بخطة الجيش وتحركها في الجنوب اللبناني، في تكريس لهذا الدور المشبوه والوصي على اللبنانيين.
تشريع الوصاية الأميركية:
قبيل زيارة أورتاغوس إلى بيروت، كان واضحًا استخدام الإعلام المعادي للمقاومة خطابًا مباشرًا وعلنيًا يمجّد فيه الوصاية الأميركية، واعتبار ما ستقوم به المبعوثة الأميركية أمرًا طبيعًا، في متابعة ورصد خطة الجيش في الجنوب اللبناني. يمكن هنا، العودة إلى مقال منشور على موقع mtv، تحت عنوان: "تسليم السلاح مستمر.. وأورتاغوس عائدة: شمال الليطاني بعد جنوبه". من العنوان يمكن أن نستشف تشريع مهام أورتاغوس، في الجنوب وانتقال هذه المهام من جنوب الليطاني إلى شماله!. في المضمون، حديث عن هذه الزيارة ومشاركة المبعوثة الأميركية باجتماع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار. يلفت المقال علنية، إلى دور واشنطن في عملية "سحب السلاح"، إذ يورد التالي: "تسعى واشنطن إلى استكمال عملية سحب السلاح من هذه المنطقة (جنوب الليطاني) قبل الانتقال إلى شمال الليطاني". ويضيف: "أورتاغوس ستواكب خطة الجيش وآليات عمله، إلى جانب بحث إمكان زيادة الدعم المقدّم للمؤسسة العسكريّة". قد يعتبر هذا المضمون فظًا ووقحًا، في تنصيب أورتاغوس وصية على تنفيذ خطة الجيش، وتحديد أماكن انتشاره وتنفيذه لهذه الخطة، لكن سرعان ما نواجه مضمون أكثر وقاحة، مع صحيفة "نداء الوطن"، نشر يوم الجمعة الفائت تحت عنوان: "أورتاغوس العسكرية تقتحم الساحة اللبنانية". يصف المقال زيارة أورتاغوس بـ"المهمّة" لمتابعة "الوضع اللبناني عن كثب"، ويفسر الكاتب هذه المتابعة بـ"الاهتمام الأميركي بهذا الملف". وبعد الحديث عن تحوّل مهام أورتاغوس من سياسية إلى عسكرية "تقنية"، يذكر المقال أن أورتاغوس باتت "المكلفة الوحيدة بمتابعة الشق العسكري والتقني للورقة الأميركية"، ويصف ذلك بـ"الفرصة الأخيرة للبنان"، بما أن الرئيس الأميركي " لا يريد أن يحلّ بلبنان ما حلّ بغزّة لأن الوضع في بيروت مختلف تمامًا". الصحيفة نفسها التي تدّعي الحرص على سيادة لبنان، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية، لا تدخل لديها ضمن هذا السياق، لا بل تعطى الوصاية على لبنان بكلّ أريحية. نتوقف هنا، في المقال نفسه، عما جاء فيه بأن الولايات المتحدة الأميركية "تريد تطبيق هذه الخطة بحذافيرها وعدم السماح لحزب الله وحلفائه بعرقلتها كما يحصل سابقًا". يفسر المقال الاهتمام الأميركي بالملف اللبناني، وزيارة المبعوثين الأميركيين إلى بيروت، بـ"الإصرار على تطبيق الورقة الأميركية" و"التأسيس لشراكة أمنية أميركية - لبنانية". وهنا، تكمن الخطورة في تسليم لبنان للولايات المتحدة بل وتمجيد هذه الخطوة. يعزّز الكاتب هذه المعلومة، بالاستناد إلى مناقشة الكونغرس الأميركي "معاهدة الدفاع المشترك" بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية. و"يبشّر" الكاتب هنا، بدخول "لبنان مرحلة جديدة من الاهتمام الأمني الأميركي". وفي زاوية أخرى من الصحيفة، كان لافتًا وتحت شعار "مصادر سياسية"، تضخيم الدعم الأميركي لزيارة أورتاغوس، خاصة من السفيرة الأميركية ليزا جونسون، التي أثنت في كلمة لها، في ذكرى استقلال بلادها، على قيام الجيش اللبناني بـ"تجريد حزب الله والجماعات غير الحكومية من السلاح".
الاعتداءات "الإسرائيلية" و"رسائل النار":
صعّد العدوّ "الإسرائيلي" من اعتداءاته على جنوب لبنان، فبعد استهدافه لمبنى سكني في النبطية، استخدم اللغة التهديدية في نشر الخرائط والأماكن المستهدفة في القرى الجنوبية، مرفقة بغارات عنيفة. اعتداءات خلّفت شهداء وجرحى وشكلت خرقًا واضحًا لقرار وقف إطلاق النار. لكن على ضفة الإعلام المعادي، ربطت مباشرة بزيارة أورتاغوس وبما سمي بـ"رسائل النار"، كما وصفتها شاشة "الحدث" السعودية. ففي تقرير لها عن زيارة أورتاغوس المرتقبة إلى بيروت تحدثت الشبكة عن "أهمية" هذه الزيارة في "المرحلة الحالية"، "للإشراف على بنود الورقة الأميركية"، وعقدها للقاءات "أمنية وسياسية". هنا، استخدام لهذا التصعيد "الإسرائيلي" وربطه بالشروط الأميركية و"الإسرائيلية"، حول سلاح المقاومة وبث الحرب النفسية في حال لم تنفذ الخطة بشأن سحب السلاح!.