مقالات

بعد مجازر السويداء التي ارتكبتها المجموعات الإرهابية المسلحة التي تدور في فلك "جبهة النصرة بقيادة أبي محمد الجولاني- حاكم دمشق" ليس كما قبلها، رغم كل الحملات الدعائية الفارغة من أي مضمونٍ التي تنظمها المملكة السعودية وسواها للترويج لـ "سلطة الجولاني الراهنة في دمشق"، بخاصةٍ تلك العقود الاستثمارية الوهمية في سورية. فأي استثماراتٍ جديةٍ في بلاد ترزح تحت إرهاب قوى الظلام التي جاءت من كل دول العالم إلى سورية؟ فلا استثمارات بلا وجود دولةٍ وموسساتها، وفي طليعتها المؤسستان الأمنية والقضائية.
إذًا لا استثمارات فعلية ولا مستثمرين في غياب الدولة. وفي الواقع يؤكد مرجع دبلوماسي كبير "تجميد العلاقات الأوروبية مع "سلطة الجولاني"، أو على الأقل هي تشهد برودةً راهنًا، تحديدًا بعد مجازر السويداء، على إثر الاحتجاجات التي نظمها السوريون في بلاد الانتشار، وتوثيق بعض جمعيات حقوق الإنسان والمؤسسات الإعلامية للمجازر المذكورة".
وفي هذا السياق أيضًا، قررت لجنة القواعد والأحكام في مجلس النواب الأميركي، في الأيام الفائتة، رفض جميع التعديلات المقترحة على مشروع موازنة وزارة الدفاع المتعلقة بالسياسة الخارجية، أي تلك التي تندرج ضمن اختصاص لجنة العلاقات الخارجية، بما في ذلك التعديل الذي تقدّم به النائب البارز جو ويلسون لإلغاء “قانون قيصر” الذي فرضته الإدارة الأميركية على سورية في الأعوام الفائتة. وأشار "المجلس" إلى أنّ "اللجنة" وافقت فقط على 299 تعديلاً من أصل 1100 مقترح، وهو أصغر عددٍ من التعديلات يُقبل منذ عام 2018.
كذلك يلفت المرجع المذكور آنفًا إلى أن "العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية، و"سلطة الجولاني" مجمدة راهنًا أيضًا، إثر تورط الأخيرة بارتكاب مجازر ضد الإنسانية في حق السوريين، ما يدفع كل الخائفين على مصيرهم من القتل والسبي والاعتقال إلى المطالبة بالانفصال عن هذه "السلطة" الراهنة، خصوصًا بعد ورود معلوماتٍ تؤكد مسؤولية ما يسمى بوزير الدفاع في "حكومة الجولاني" مرهف أبو قصرة عن جرائم السويداء والساحل السوري"، بحسب ما ينقل المرجع.
وفي هذا السياق، شهدت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، جنوب سورية، في الآونة الأخيرة، حملة جمع توقيعات على عريضة تناشد المجتمع الدولي دعم إجراء استفتاءٍ شعبي لأهالي المحافظة حول حقهم في تقرير المصير، وذلك رداً على إعلان دمشق، قبل بضعة أيام، "خريطة طريق"، بدعمٍ أردنيٍّ وأميركيٍّ لإعادة الأمن في المنطقة.
وسط هذه الأجواء، شغل مواقع التوصل الاجتماعي ووسائل الإعلام ظهور الضابط في الحرس الجمهوري في الجيش العربي السوري المنحل، العميد مناف مصطفى طلاس، محاضرًا في إحدى الجامعات الفرنسية عن رؤيته لمستقبل سورية. "ولاقى هذا الظهور ترحيبًا على حسابات عدد كبير من السوريين على "مواقع التواصل"، وفي الأوساط الشعبية أيضًا"، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية سورية.
وتعزو السبب في ذلك إلى "كون طلاس ابن المؤسسة العسكرية، وبعيدًا كل البعد عن الفكر الإرهابي- التكفيري". وفي هذا الصدد، يعتبر مرجع سوري أن "ظهور طلاس على منبر جامعات فرنسا، يأتي في إطار الضغوط على "سلطة دمشق الراهنة"، لتغيير نهجها الإرهابي- التكفيري، وإلا فالبدائل حاضرة، كطلاس وسواه من أهل السنّة المعتدلين".
وعن إطلالة طلاس، تعتبر مصادر في المعارضة السورية "للسلطة الراهنة" والحكم السابق أن "إطلالة طلاس ليس لها أي تأثير في الواقع السوري على الإطلاق، خصوصًا أن الإطلالة كانت من باريس لا من واشنطن، ولكونه مجرد ضابطٍ سابقٍ في الجيش السوري، وابن وزير دفاع سابق، ولا يمثل أي جهةٍ سياسيةٍ على الأرض، غير أن إطلالته لا تزال تؤرق "سلطة الأمر الواقع الراهنة في دمشق"، نظرًا لهشاشتها وفقدانها لثقتها بنفسها" على حد قول المصادر المعارضة.
وما يؤكد هشاشة هذه "السلطة"، تكشف معلومات صادرة عن جهاتٍ موثوقةٍ أن "الاستخبارات التركية تتواصل في شكلٍ مباشر أو غير مباشرٍ مع ضباط سابقين في الجيش العربي السوري، لمواكبة المرحلة المقبلة، بالتالي محاولة استمالتهم وإغرائهم بإسناد مواقع معيّنة لهم في "سلطة دمشق" أو حتى في الساحل، خصوصًا إذا زاد الضغط الدولي لإنهاء حكم التكفيريين في سورية، أو تطبيق الفدرلة فيها، كذلك في ضوء استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، والتوغل الصهيوني في الأراضي السورية، واستهداف أجهزة التنصت والرادار التركي في هذه الأراضي".
وما يؤكد أيضًا هشاشة "حكم النصرة" وإمكان تفكك أوصالها في المدى المنظور، هو التوجه لدى بعض "الوزراء الراهنين" إلى تقديم استقالتهم من "حكومة الجولاني"، ما لم تغيّر في نهجها التكفيري المتطرف"، بحسب ما تكشف المعلومات عينها.
بناءً على كل ما ورد آنفًا، يقول مرجع سياسي سوري مخضرم: "لا ريب أن حكم "جبهة النصرة" لن يعيش طويلًا، فإما أن يبادر الجولاني إلى التخلص من المجموعات و"الوزراء المتطرفين" لديه، وإما أن يرحلوا معًا، لا محال".