مقالات

ليست المرة الأولى التي تقترح فيها إدارة الرئيس ترامب خطة لإنهاء الحرب على غزّة، كعنوان ظاهر، أو تحرير الأسرى "الإسرائيليين" كعنوان فعلي، فقد أطلق الرئيس الأميركي حتّى الآن عدة اقتراحات للتسوية بين "إسرائيل" وحماس، وحيث نجح بعضها بشكل جزئي، فتم إطلاق العدد الأكبر من أسرى العدو، مقابل تحرير عدد غير بسيط من المسجونين الفلسطينيين، وسلك وقف إطلاق النار جزئيا أيضًا، مع دخول جزئي وخفيف للمساعدات إلى القطاع، تأخذ اليوم خطة ال ٢١ بندًا التي طرحها الرئيس الأميركي، بعدًا استثنائيًا ومختلفًا بشكل كبير عن مشاريع التسويات السابقة، خاصة بعد قبول حماس بهذه الخطة المقترحة، لتبقى العبرة في تفاصيل تنفيذ الاتفاق، والأهم في ضمان تنفيذ البنود المتعلّقة بالتزامات "إسرائيل" في هذه الخطة.
فكيف يمكن مقاربة هذه الخطة الأميركية التي وافقت عليها حماس عند الدخول في بنودها التنفيذية؟ ومن يضمن موقف "إسرائيل" الفعلي، خاصة بعد تسليم حماس لها ما تبقى من الرهائن "الإسرائيليين" الأحياء والأموات؟
وهل تظهر التناقضات في التفسير "الإسرائيلي" للبنود الأخرى وخاصة المتعلّقة بحدود انسحاب وحدات الاحتلال من قطاع غزّة، أو الأخرى المتعلّقة بقواعد الاشتباك وبقيود وقف إطلاق النار؟
لا شك أن خطة الرئيس ترامب تتضمن نقاطًا أساسية من الأهداف التي وضعها نتنياهو لحربه على غزّة، وأهمها إطلاق سراح من تبقى من الأسرى "الإسرائيليين" الأحياء منهم والأموات فورًا ( خلال ٤٨ ساعة من موافقة حماس على الخطة)، مع تحقيق الخطة لهدف أساسي آخر لنتنياهو وهو إنهاء البنية العسكرية لحماس بشكل كامل، مع إخراجها سياسيًّا واداريًّا من القطاع أيضًا بشكل كامل.
بالمقابل، لناحية حماس، لا شك أيضًا أن هناك بنودًا لمصلحتها ولمصلحة كلّ أبناء غزّة أيضًا، واهمها: إنهاء الحرب وانسحاب وحدات العدوّ "الإسرائيلي" من القطاع، وإدخال المساعدات والتي أصبحت حاجة اجبارية لوقف الموت جوعًا على الأقل، بالإضافة لبند إعادة الاعمار، ولكن الأهم من بين البنود التي هي لمصلحة حماس وأبناء غزّة، وقف مشروع التهجير وتأمين مقومات استمرار العيش في القطاع لمن يرغب من أبنائه.
إذا أجرينا مقارنة لما هو لمصلحة كيان الاحتلال ولما هو لمصلحة أبناء غزّة بشكل خاص، نجد أن الخطة تجيب على مصالح الطرفين، وبالتالي، نجد أن نسبة حظوظ استمرار التزام الطرفين ببنودها مرتفعة، خاصة في المراحل التي تأتي بعد تسليم الأسرى "الإسرائيليين" والمعتقلين الفلسطينيين.
هذا في المبدأ إذا سلك الاتفاق وتم تطبيق البنود والتزم الطرفان بما عليهم تطبيقه، ولكن، هنا المشكلة الأساسية والتي كانت دائمًا السبب الرئيسي لفشل كلّ التسويات أو الاتفاقات التي تكون "إسرائيل" طرفًا فيها وهي: عدم التزام الأخيرة بما تتعهد به، وتفسيرها الخادع والملتوي دائمًا للبنود الحساسة والتي تمثل جوهر الاتفاقات.
من هنا، تتّجه الأنظار إلى بند الضمانات التي من المفترض أن الرئيس ترامب قد التزم بتأمينها، والتي على أساسها وافقت حماس على الخطة المقترحة أميركيًّا.
وهذه الضمانات التي شكلت (مبدئيًّا) مفتاحًا رئيسًا لموافقة حماس، من المفترض أن تتمحور حول التالي:
أولًا: ضمانة أن لا تعاود "إسرائيل" عدوانها على القطاع بعد تحرير أسراها؛ عبر الاستهدافات الجوية أو عبر التوغلات السريعة؛ وهذا الأمر وارد دائمًا مع "إسرائيل"، والاتفاق مع لبنان ومع حزب الله نموذج واضح على تجاوز كيان الاحتلال بند وقف الاعتداءات، وبحجج واهية دائمًا، تطلقها "إسرائيل" كما تريد دون انتظار أي تفسير مغاير من أية جهة كانت وحتّى الجهات الدولية المعنية.
ثانيًا: ضمانة أن تنسحب "إسرائيل" إلى خارج حدود القطاع دون خلق تبريرات تثبت احتلالها في نقاط داخله، ودائمًا بحجج منع حدوث " ٧ أكتوبر " آخر.
ثالثًا: ضمانة أن لا تعاود "إسرائيل" اعتقال أغلب السجناء الفلسطينيين الذين سوف تطلق سراحهم مقابل إطلاق سراح أسراها، وهذا الأمر قادرة عليه بسهولة، وهي تقوم به دائمًا.
رابعًا: ضمانة أن تتقيد "إسرائيل" بتسهيل نمط دخول المساعدات بالكميات الضرورية والملحّة التي يحتاجها أبناء غزّة، الأمر الذي يمكن لها أن تتلاعب ساعة تشاء بحجج أمنية مختلفة.
خامسًا: ضمانة أن لا تتعنت "إسرائيل" بتفسير البند المتعلّق بتحديد هويات الفلسطينيين المسموح ببقائهم في غزّة أو هؤلاء المطلوب خروجهم منها، وتأخذ من تفسيرها لذلك تبريرًا تتجاوز عبره ما التزمت به، وخاصة، بعد تحرير حماس لجميع الأسرى الإسرائيليين.
من هنا، نحن اليوم أمام اتفاق فعلي على طريق التنفيذ، جاء نتيجة خطة واسعة درسها وصاغها ووافق عليها أطراف الصراع الأساسيون (حماس و"إسرائيل") وبمساعدة حثيثة من كلّ الوسطاء الذين تابعوا وأمنوا التواصل بين حماس وبين كيان الاحتلال، وعلى رأسهم الجانب الأميركي بمساعدة أطراف إقليمية ودولية مختلفة، وربما كان الدور الإيراني المستقل طبعًا عن عمل الفريق الأميركي، هو من الأكثر تأثيرًا على صياغة حماس لردها الإيجابي؛ خاصة أن طهران هي الطرف الأقوى من داعمي حماس، والتي يمكن أن تشكّل ظهيرًا قويًّا تعتمد عليه المقاومة الفلسطينية فيما لو تطوّرت الأمور سلبًا، ونكثت "إسرائيل" بالتزاماتها، وتملصت إدارة الرئيس ترامب من الضمانات التي مفترض أن تكون قد قدمتها لحماس.