اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي حتى في واشنطن.. المقاطعة تغلق سلسلة مطاعم "إسرائيلية"

مقالات

مقالات

"إسرائيل" في سورية ولبنان: بين واقع الاحتلال وسيناريوهات المستقبل

60

مقدمة

أثار تصريح رئيس وزراء العدوّ "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو في شباط/فبراير 2025، عندما قال إن "إسرائيل دخلت إلى سورية لتبقى فيها إلى الأبد"، جدلًا واسعًا على المستويين الإقليمي والدولي. هذا التصريح، الذي جاء بعد أشهر من العدوان "الإسرائيلي" على لبنان وانهيار النظام السوري، اعتُبر إعلانًا صريحًا عن مرحلة جديدة في السياسة "الإسرائيلية" تجاه الجبهتين الشمالية والشرقية. خاصة أن نتنياهو صرح أيضًا غير مرة أن "إسرائيل" بصدد تكوين "شرق أوسط جديد". 

فهل تعنى هذه التصريحات أن "إسرائيل" ستُبقي قواتها في الأراضي السورية واللبنانية إلى أجل غير مسمى؟ أم أن التطورات السياسية والأمنية قد تفرض انسحابًا جزئيًا أو كليًا في المستقبل القريب؟

أولًا: الخلفية الميدانية والسياسية

١ -  سورية: فراغ السلطة بعد سقوط النظام

منذ انهيار نظام بشار الأسد في أواخر 2024 والذي كان لـ"إسرائيل" دور كبير فيه بالإضافة إلى الدور لكل من أميركا وتركيا وروسيا، شهدت سورية فراغًا أمنيًا كبيرًا، خصوصًا في الجنوب. استغلّت "إسرائيل" هذا الوضع لتوسيع وجودها العسكري في المناطق الحدودية تحت ذريعة "منع تمركز الميليشيات الإيرانية أو حزب الله"، ولإنشاء ما تسميه "منطقة أمنية عازلة" تمتد من القنيطرة حتّى جبل الشيخ، حيث لم يعد الجيش "الإسرائيلي" يبتعد سوى ١٥ كلم عن العاصمة السورية دمشق. 

نتنياهو أكد في أكثر من تصريح أن هذا الوجود ليس مؤقتًا، بل جزء من "ترتيبات أمنية جديدة" لحماية الحدود الشمالية لـ"إسرائيل".

٢ -  لبنان: ما بعد الحرب الأخيرة

في الجبهة اللبنانية، لم تنتهِ الحرب بانسحاب كامل. فعلى الرغم من التوصل إلى وقف إطلاق نار هشّ بوساطة أميركية وفرنسية، ما زالت القوات "الإسرائيلية" تسيطر على نقاط محدّدة داخل الجنوب اللبناني تحت عنوان "المنطقة الأمنية المؤقتة".
وزير الحرب "الإسرائيلي" إسرائيل كاتز قال: إننا لن نسحب من جنوب لبنان مطلقًا. 

ثانيًا: دوافع البقاء "الإسرائيلي"

١ -  الهاجس الأمني:
"إسرائيل" تعتبر أن أي انسحاب سريع قد يعيد التهديدات إلى حدودها من قبل محور المقاومة. 

٢ -  الأهمية الإستراتيجية:
السيطرة على جبل الشيخ وجنوب سورية تمنح "إسرائيل" تفوقًا استخباراتيًا وراداريًا على المنطقة كلها.

٣ - الرسالة السياسية:
تل أبيب تسعى لتكريس "واقع جديد" في الشمال بعد انهيار النظام السوري، بحيث تكون لها اليد العليا في رسم مستقبل المنطقة لا بل في تغيير شكلها كليًا. 

٤ -  الاعتبارات الداخلية:
نتنياهو يحاول عبر هذا النهج تعزيز موقفه الداخلي، خصوصًا أمام المعارضة التي تتهمه بالضعف في غزّة ولبنان.

ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية

السيناريو الأول: البقاء طويل الأمد (الاحتلال المقنّع)

المعطيات: استمرار التوّتر الإقليمي، غياب سلطة مركزية قوية في دمشق، وتجميد المسار السياسي اللبناني.

النتيجة: "إسرائيل" تكرّس وجودًا عسكريًا دائمًا في "المنطقة العازلة" جنوب سورية، وتحتفظ بمواقع مراقبة داخل لبنان.
والجدير ذكره أن في عقيدة "إسرائيل" لا يوجد شيء اسمه منطقة عازلة، هذه الحجة التي تستعملها دائمًا بهدف حماية حدودها الشمالية، إنما يقوم هذا الكيان باللعب على عامل الزمن وعلى الذاكرة بحيث بعد مرور عدة سنوات تصبح هذه المناطق المسماة عازلة، جزءًا لا يتجزأ من هذا الكيان، والجولان مثالٌ واضحٌ على ذلك. 

الانعكاسات:

توتّر دائم مع دمشق وبيروت.

تصعيد محتمل مع محور المقاومة.

استنزاف اقتصادي وأمني لـ"إسرائيل" نفسها على المدى الطويل.

السيناريو الثاني: الانسحاب التدريجي المشروط

المعطيات: ضغط دولي متزايد (خصوصًا من واشنطن وباريس)، ومفاوضات حول ترتيبات أمنية إقليمية جديدة.

النتيجة: "إسرائيل" تسحب قواتها جزئيًا من سورية ولبنان مقابل ضمانات أمنية دولية أو إنشاء منطقة مراقبة أممية.

الانعكاسات:

استعادة جزئية للسيادة السورية واللبنانية.

تقليص خطر المواجهة المباشرة.

لكن بقاء النفوذ "الإسرائيلي" غير المباشر عبر طائرات مسيّرة أو قواعد استخباراتية.

السيناريو الثالث: الانسحاب الكامل عبر تسوية شاملة

المعطيات: اتفاق إقليمي كبير يشمل تطبيعًا مع بعض الدول العربية وتسوية مع سورية ولبنان برعاية دولية.

النتيجة: انسحاب "إسرائيلي" كامل من جميع الأراضي المحتلة مقابل اعتراف وضمانات بعدم تهديد أمنها.

الانعكاسات:

نهاية مرحلة "المناطق العازلة".

تحوّل العلاقات ""الإسرائيلية"" - العربية نحو التطبيع.

لكنه سيناريو ضعيف الاحتمال في المدى المنظور، لغياب بيئة سياسية مناسبة في سورية ولبنان.

رابعًا: موقف القانون الدولي

وفقًا لقرارات الأمم المتحدة (وخاصة القرارين ٢٤٢ و٤٩٧)، يُعتبر الوجود "الإسرائيلي" في أي أرض سورية أو لبنانية احتلالًا غير شرعي.
لكن "إسرائيل" تبرّر بقاءها باعتبارات "الدفاع الاستباقي"، وهو تبرير مرفوض دوليًا.
حتّى الآن، لم يصدر أي قرار جديد من مجلس الأمن يجبر "إسرائيل" على الانسحاب، رغم اعتراضات دمشق وبيروت.

خامسًا: احتمالات المستقبل القريب

في ضوء الواقع الراهن، يبدو أن "إسرائيل" لن تنسحب قريبًا من الأراضي التي تحتلها، لكنّها قد تلجأ إلى إعادة تموضع تكتيكي أو انسحاب محدود تحت الضغط الدولي أو في حال تغير موازين القوى.
أما على المدى البعيد، فاحتمال التسوية الشاملة سيبقى مرتبطًا بمدى استقرار النظام السوري الجديد، وموقع حزب الله في لبنان، وتطور علاقة "إسرائيل" مع القوى الإقليمية الكبرى.

خاتمة

تصريحات نتنياهو الأخيرة لم تكن مجرد موقف سياسي عابر، بل إعلانًا عن سياسة جديدة تقوم على فرض "أمر واقع دائم" في الجبهتين السورية واللبنانية.
ومع غياب تسوية إقليمية شاملة، يبدو أن الاحتلال "الإسرائيلي" لتلك المناطق سيستمر، ولو بصيغ مختلفة، إلى أن تتغير معادلات القوّة أو تتدخل قوى دولية لإعادة التوازن. خاصة أن نتنياهو صرح سابقًا لـ"قناة I24" أنه يسعى إلى "إسرائيل الكبرى" وهذا الأمر يعتبره إلهيًا.

من هنا نرى أن "إسرائيل" لن تنسحب لا من جنوب سورية ولا من جنوب لبنان إلا بالقوّة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة