نقاط على الحروف

يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، جرّ خلفه في الداخل اللبناني مسارًا إعلاميًا يسعى إلى الترويج للتطبيع مع الاحتلال "الإسرائيلي"، ويذهب أبعد من ذلك، في دعوة لبنان إلى التفاوض المباشر مع "إسرائيل". موجة إعلامية مستجدة في الأيام الأخيرة حملت معها هذا الخطاب وحاولت التشجيع عليه. خطاب يتلطى خلف الأميركيين وطلبهم من لبنان التفاوض المباشر مع الاحتلال، فيما لبنان الرسمي يطلب مفاوضات غير مباشرة سعيًا لتثبيت وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701. في وقت يذهب فيه بعض الإعلام المحلي وحتّى العربي إلى تبني ما يريده العدو، وتكرار سرديته بشأن سلاح المقاومة وتصويره على أنه العائق الأساس لوقف الانتهاكات والاعتداءات "الإسرائيلية".
التفاوض عبر قنوات عسكرية!
بسرعة قياسية تدحرجت كرة الثلج، بعيد اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة والتدخل الأميركي الواسع في هذا الاتفاق. تحرّك بعض الداخل اللبناني، وأخذ يروّج لطلب الأميركيين تفاوض لبنان المباشر مع الاحتلال حول النقاط الخمس، وإعادة الإعمار، مع الالتزام بشروط العدوّ التي يتصدرها سحب سلاح المقاومة. كان لافتًا هذا المسار في الأيام الأخيرة، إذ يمكننا التوقف هنا، عند شبكة "الحدث" السعودية التي روّجت بدورها لمفاوضات مباشرة مع الاحتلال. ادعت القناة عبر ما أسمته بـ"مصادر الحدث" أنها لا تستبعد "تحوّل هذه المفاوضات إلى جولات مباشرة" بين لبنان وكيان الاحتلال، على أن تثبت "الهدنة" مقابل سحب سلاح "حزب الله". زعمت الشبكة السعودية أن هذه المفاوضات المباشرة ستتم عبر قنوات عسكرية، ولوّحت بسلاح التهويل بالقول إن لبنان سيتعرض لضغط عسكري ومالي كبير في حال عدم موافقته على هذه الشروط في مهلة أقصاها نهاية العام الحالي. على المسار عينه سوّقت شبكة "العربية" لهذه المفاوضات، وكرّرت مرارًا أنها "ليست مستبعدة" بين لبنان والاحتلال. وبعد تأكيدها أن هذه المفاوضات ستتم عبر قنوات عسكرية، وأن الهدف منها تثبيت "هدنة" بين الطرفين، ربطت أحداث هذه الهدنة بنزع س
سحب السلاح مقابل "الهدنة":
محليًا برزت mtv، كرأس حربة للترويج للتطبيع مع الاحتلال، وأيضًا كمنبر يحرّض على التفاوض المباشر مع الاحتلال. يكشف تقرير إخباري بث أخيرًا تحت عنوان: "التفاوض اللبناني الإسرائيلي"، يتحدث عن "تسخين" واشنطن لملف المفاوضات مع لبنان بعد غزّة، عن انتهاء تدريجي لمهام لجنة "الميكانيزم" و"اليونيفيل"، مع شروع لبنان "بمسار تفاوضي مباشر مع "إسرائيل" من "جيش إلى جيش"، على غرار "النموذج "الإسرائيلي" - السوري" كما يقول التقرير. يتحدث التقرير عن "الورقة الأميركية"، والتفاوض اللبناني "الإسرائيلي"، الذي يتزامن مع سحب سلاح المقاومة!. تشجع القناة على المفاوضات المباشرة مع العدو، بما أن "الظرف قد تغيّر بعد اتفاق غزّة". كذلك تتكئ على خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير في ""الكنيست" الإسرائيلي"، و"كلامه الواضح"، ونية الولايات المتحدة الأميركية "فرض السلام بالقوّة"!.
كسر المحرمات:
الى جانب الادّعاء بأن لبنان سيشرع إلى التفاوض مع الاحتلال، على طاولة واحدة، كان لافتًا أيضًا في التغطيات الإعلامية المحلية، التشجيع على هذا التفاوض عبر استذكار محطات تاريخية من المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والاحتلال. قناة mtv، أفردت تقريرًا على موقعها الإلكتروني تحت عنوان: "التفاوض بين لبنان و"إسرائيل" عبر التاريخ: مباشر وغير مباشر"، تتحدث فيه عن أبرز المحطات تاريخيًا منذ اتفاق الهدنة عام 1949 وليس انتهاء بالتفاوض غير المباشر على الحدود البرية بعد الحرب الأخيرة. على غرار mtv، نشر موقع "الكتائب" تقريرًا مشابهًا تحت عنوان: "خبرات تفاوضية من رودس إلى الناقورة: سيناريو الترسيم راجع؟". يتضمن ترويجًا واضحًا للتطبيع، إذ يقول إن لبنان دخل "اختبارًا سياسيًا جديدًا ضمن مسار ما بعد الحرب على غزّة". ويعدّد المحطات التاريخية بين لبنان والاحتلال، من التفاوض غير المباشر، من اتفاقية "الهدنة" مرورًا بالقرار 1701 وليس انتهاء بترسيم الحدود البحرية عام 2022. طبعًا كلّ هذا السرد يهدف إلى إقناع اللبنانيين بأن التفاوض المباشر مع الاحتلال لا يعدّ من المحرمات، ويمهّد شيئًا فشيئًا إلى فكرة إقناع هؤلاء بأن هذا الأمر إن حصل فإن له سابقاته.