مقالات

"لو كان بمقدور "إسرائيل" سحق حماس لفعلت". هذا استنتاجٌ لو استنتجه أيّ مراقب ومتابع، وبَنَى عليه أيّ تحليل، يلحظ فشل الكيان وانهزامه، لكان الاتهام جاهزًا بتبنيه لغة خشبية، وأنّه يعيش في عالم الوهم والعمى، ولكن من خلُص لهذا الاستنتاج هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد يومٍ واحد من انعقاد قمة شرم الشيخ.
قمة شرم الشيخ تعامل معها ترامب باعتبارها قاعة انتظارٍ خارج مكتبه، وكان يتهكّم على المنتظرين بعباراتٍ تنمّ عن شديد الاحتقار والاستهتار، وبدا أنّه كان يتعمد إطالة لغوِه على منصة "الكنيست"، إمعانًا في إذلال المنتظرين في باحة مكتبه، أولئك الجالسين على نهاياتهم العصبية في شرم الشيخ خوفًا وطمعًا.
في شرم الشيخ جاءت الولايات المتحدة بكلّ أدواتها المستهلكة في حرب غزّة، الأدوات التي حاربت بها أميركا في غزّة، من خلف "جيش" الكيان الذي أنهكته غزّة، بعدما استنتج ترامب أنّه ليس بالإمكان سحق حماس، الطرف الذي كانت تعتبره أميركا أضعف حلقات محور المقاومة، فجاء بذات الأدوات في محاولةٍ لاحتوائها.
كان البعض يعتبر جملة "حماس تواجه العالم"، جملة مجازية، لكن الوقائع أثبتت أنّها جملة حقيقية، خصوصًا مع اعترافات ترامب بأنّه صاحب قرار الحرب والسلم، وأنّ نتنياهو مجرد أجيرٍ وضيع، همّه الأكبر التملص من إجراءات محاكمته، والبقاء رئيسًا لوزراء الكيان، وهي الرغبة التي تقاطعت مع المشروع الأميركي لشرق أوسطٍ جديد.
وكذلك بعد تسريبات "واشنطن بوست" عن وثائق تفيد بتعاون ست دول عربية (مصر وقطر والسعودية والأردن والإمارات والبحرين)، واشتراكها إلى جانب الكيان في حرب غزّة، بالإضافة لما يُعرف بتحالف "العيون الخمس" ( أميركا بريطانيا كندا أستراليا ونيوزيلاندا)، وهذا بعيدًا عن التعاون المنفرد لكلٍ من فرنسا وألمانيا والهند وغيرها من الدول لهزيمة حماس، أضعف أطراف محور المقاومة، حسب التقديرات الأميركية "الإسرائيلية".
جاء بهم ترامب لفيفًا إلى شرم الشيخ، لينتزعوا من حماس، بالضغط التفاوضي، ما عجزوا عن انتزاعه في الميدان العسكري، وهو قرارها المقاوم وسلاحها، عبر خطةٍ يكتنفها الغموض والفخاخ، بل إنّ كلَّ بندٍ في هذه الخطة، بحاجة إلى خطة جديدة، وبحاجةٍ إلى اتفاقية جديدة، حتّى كأنّ صاحبها ترامب ليس واثقًا من نجاحها، حيث قَرَنَها بالتشكيك بمقبولية توني بلير، وأردفها بتهديدات في حال رفض حماس، التي يقطع ترامب بأنّها وافقت على تسليم سلاحها.
منذ اليوم الأول لردّ حماس على خطة ترامب، ربحت حماس جائزتين مهمتين، تفاوض بلا ضغط ناري، وبعيدًا عن ضغط التجويع الممنهج، وإفشال لمحاولة تحميل حماس مسؤولية استمرار العدوان، كما قال نتنياهو" كانت حماس تحاصرنا سياسيًا، مع خطة ترامب قلبنا عليها الطاولة، وأصبحت هي المحاصَرة"، والأهم أنّ ردّ حماس كان فضفاضًا كما هي بنود الخطة.
ولكن السؤال الأهم، هو عن مدى تماسك قرار وقف الحرب؟ أو إلى أيّ مدى هو هش؟ والحقيقة أنّ أهمّ العوامل التي أدّت لوقف الحرب، لا زالت قائمة لم تتغير، وهي انسداد الأفق العسكري، وتهالك دافعية القتال والمقاتلين في "جيش" الكيان، وتحييد عشرات الألوف منهم، وانقلاب الصورة في الشارع الغربي، بما فيه الشارع الأميركي، وجبهة الإسناد اليمنية.
كما أنّ الكيان سيظل يماطل في إنهاء الحصار، بما يضمن التباطؤ في إغاثة الناس وإعادة الإعمار، كما سيقوم باستهدافات نارية كلما رأى ذلك مناسبًا، دون أيّ اعتبارٍ لضمانات الوسطاء شكلًا الشركاء مضمونًا، فالوسطاء مع حماس على قاعدة أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة، أسود مع حماس وأقل من نعامة مع نتنياهو الكيان.
وعليه فإنّ المرجح هو استمرار وقف هذا الطور من الحرب، في انتظار تبلور الطور الجديد، والذي سيكون بناءً على وقائع الميدان، الميدان الذي أثبت قبل وأثناء وبمجرد وقف النار، أنّه بيدّ حماس، وأنّها لا زالت تمسك بكلّ مفاصله الأمنية والإدارية، وأنّها قادرة إلى حدّ إنهاء ميليشيا ومربعات أمنيّة محصّنة في ساعتين، أعدّها وسلّحها الكيان على مدار سنتين، لذا فإنّ ما يخطّه الميدان، لا تمحوه طاولات التفاوض.