اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي كزينب (ع).. الممرضات البطلات يُكرَّمن تقديرًا لصمودهن في وجه العدوان

مقالات

إعلان بوتين عن اكتمال اختبارات صاروخ“بوريفيستنيك”:بين استعراض القوة والردع الاستراتجي
مقالات

إعلان بوتين عن اكتمال اختبارات صاروخ“بوريفيستنيك”:بين استعراض القوة والردع الاستراتجي

إعلان بوتين عن اكتمال الاختبارات الحاسمة لصاروخ “بوريفيستنيك” (9M730): بين استعراض القوّة والردع الإستراتيجي
139

 مقدّمة

في خطوة لافتة ضمن تصاعد التوّتر بين موسكو والغرب، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تشرين الأول/أكتوبر 2025 أن روسيا أكملت الاختبارات الحاسمة لصاروخ "بوريفيستنيك" (Burevestnik) العامل بالطاقة النووية، مؤكدًا أنه لا مثيل له في العالم. جاء هذا الإعلان بعد مناورات نووية إستراتيجية أشرف عليها بوتين شخصيًا، وشملت اختبارات لأنظمة صاروخية جديدة.

هذا التصريح لم يكن مجرد خبر عسكري، بل رسالة إستراتيجية متعددة الأبعاد إلى الولايات المتحدة وحلف "الناتو" والعالم بأسره.

 ما هو صاروخ “بوريفيستنيك” (9M730)؟

يُعرف الصاروخ في تصنيف "الناتو" باسم SSC - X - 9 Skyfall، وهو مشروع روسي بدأ منذ أكثر من عقد لتطوير صاروخ "كروز" يعمل بمحرك نووي يمنحه مدى شبه غير محدود. 

الخصائص التقنية المُعلنة:

نوع الصاروخ: صاروخ كروز إستراتيجي طويل المدى.

نظام الدفع: محرك نووي صغير يسمح بالتحليق لساعات طويلة دون الحاجة للتزود بالوقود. 

المدى المعلن: أكثر من 14,000 كيلومتر (حوالي 15 ساعة طيران في أحدث اختبار).

القدرات: قادر على الطيران على ارتفاعات منخفضة لتفادي أنظمة الرادار، ويمكنه تغيير المسار في الجو، ما يصعِّب اعتراضه.

الحمولة: رأس نووي تكتيكي أو إستراتيجي.


وبذلك، فإن (بوريفيستنيك) يُعدّ مزيجًا بين صاروخ "كروز" تقليدي وبين تكنولوجيا الدفع النووي، ما يجعله رمزًا لطموح روسيا في تجاوز قدرات الردع الأميركية التقليدية.

 دوافع إعلان بوتين 

لم يأتِ الإعلان صدفة، بل في توقيت مدروس سياسيًا وعسكريًا:

١ -  رسالة ردع إلى الغرب

يأتي الإعلان في خضمّ توتر غير مسبوق بين روسيا و"الناتو" على خلفية الحرب في أوكرانيا وتوسّع دعم الغرب لكييف والمناورات التي قامت بها وبلا روسيا وأسمتها zapad والمناورة المقابلة التي أجراها "الناتو" ردًا عليها. 

بتأكيد اكتمال الاختبارات، أراد بوتين أن يقول إن روسيا تمتلك جيلًا جديدًا من الأسلحة القادرة على تجاوز أي درع صاروخي غربي.


٢ -  ردّ على العقوبات والعزلة

الإعلان يعيد تأكيد صورة روسيا كقوة عظمى قادرة على التطوير الذاتي رغم العقوبات والقيود التكنولوجية الغربية.

هو أيضًا محاولة لرفع المعنويات الداخلية في ظلّ ضغوط اقتصادية وعسكرية مستمرة خاصة أن دول "الناتو" تتحدث باستمرار عن ضعف روسيا اقتصاديًا وعسكريًا. 


٣ - إشارة إلى عودة سباق التسلّح

توقيت التصريح يتزامن مع انهيار شبه تام لاتفاقيات الحد من التسلّح مثل (نيو ستارت)، ما يفتح الباب أمام سباق تسلّح نووي جديد.

بوتين يرسل إشارة إلى واشنطن بأن روسيا لن تُقيّد نفسها في سباق التكنولوجيا العسكرية.


٤ -  استخدام الإعلان كورقة تفاوضية

موسكو قد تستخدم نجاح "بوريفيستنيك" لاحقًا كورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية حول الأمن الأوروبي أو الحد من الأسلحة النووية.


 الرسائل الخفية من الإعلان

١ -  رسالة إلى واشنطن:
مفادها أن أي محاولة لنشر دروع مضادة للصواريخ في أوروبا أو آسيا لن تجدي نفعًا.
فصاروخ يمكنه التحليق آلاف الكيلومترات عبر مسارات غير متوقعة يُفقد فعالية الدفاعات الصاروخية الأميركية.


٢ -  رسالة إلى أوروبا:
بوتين يريد أن يُشعر العواصم الأوروبية بأن التصعيد المستمر ضدّ روسيا قد يجعلها ضمن مدى الردع النووي الروسي.


٣ - رسالة إلى الداخل الروسي:
إعلان القوّة التكنولوجية والعسكرية يعزز صورة بوتين كـقائد قوي قادر على مواجهة الغرب وإعادة مكانة روسيا العظمى.


٤ - رسالة إلى الصين والعالم غير الغربي:
روسيا تُظهر نفسها كشريك قادر على موازنة الهيمنة الأميركية عسكريًا، ما يعزز مكانتها في المحاور المناوئة للغرب.
الجدير ذكره أن القيصر بوتين ومنذ بدايات الحرب الأوكرانية أرسل عدة رسائل إلى أوكرانيا وإلى كلّ من يدعمها في العالم، وذلك عندما استقل القاذفة الإستراتيجية Tu‑160M التي يمكنها أن تحمل رؤوسًا نووية، وعندما نفذت روسيا منذ أكثر من شهر مناورة بالاشتراك مع بلاروسيا خُصِّصت للتدريب على استعمال القدرة النووية، ثمّ الإعلان عن هذا الصاروخ النووي الرأس والنووي الدفع، كلّ هذا كان رسالة واضحة من بوتين إلى العالم أنه لن يتردّد في استعمال السلاح النووي عندما يرى أن ذلك لازم.  


 تشكيك غربي وتحفّظات تقنية

رغم إعلان موسكو نجاح الاختبارات، فإن العديد من الخبراء الغربيين أبدوا شكوكًا في جدوى أو أمان تشغيل صاروخ بمحرك نووي:

خطر التلوث الإشعاعي: احتمال تسرب مواد مشعة في حال فشل الإطلاق أو سقوط الصاروخ.

صعوبة التصنيع والتشغيل: تطوير محرك نووي صغير وآمن تقنيًا يُعد تحديًا هائلًا.

غياب أدلة مستقلة: لم تُقدَّم صور أو بيانات مفتوحة تثبت اكتمال النشر العملي.

وبذلك، يرى محللون أن الإعلان يحمل بعدًا دعائيًا وردعيًا أكثر من كونه إعلان دخولٍ فعليٍّ للخدمة.


 الهدف الإستراتيجي النهائي

يُراد من إعلان بوتين أن يُظهر أن روسيا:

استعادت زمام المبادرة النووية في مواجهة الغرب.

تملك أدوات ردع جديدة وغير قابلة للاعتراض.

ترسل رسالة سياسية: أن أي ضغط عسكري أو عقوبات لن تغيّر ميزان الردع العالمي القائم على التوازن النووي.

وبهذا، يصبح (بوريفيستنيك) ليس مجرد سلاح، بل رمزًا للسيادة الروسية ولإرادة المواجهة في حقبة دولية تشهد سباق تسلّح جديدًا.

خاتمة

سواء أثبتت موسكو فعلًا نجاح الصاروخ النووي الجديد أو لا، فإن الإعلان في حدّ ذاته سلاح سياسي.
إنه محاولة ذكية لتذكير الغرب بأن روسيا ورغم أزماتها، لا تزال تملك القدرة على قلب موازين القوّة والتأثير في النظام الدولي.
وربما كان (بوريفيستنيك)، كما اسمه الذي يعني بالروسية "طائر العاصفة" أو "نذير العاصفة"، إشارة رمزية إلى عاصفةٍ جديدة في سباق التسلّح النووي العالمي بدأت فعلًا تهب من الشرق.

الكلمات المفتاحية
مشاركة