اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي النائب فضل الله: قضية الأسرى ومفقودي الأثر قضية وطنية

مقالات

التموضع الأميركي في إدارة الاعتداءات
مقالات

التموضع الأميركي في إدارة الاعتداءات "الإسرائيلية": من ضبط التهدئة إلى توجيه النيران

101

على خلاف السردية التي تسوّقها واشنطن عن نفسها كـ"وسيط ضابط للإيقاع" أو "ضامن للاستقرار"، تكشف الاعتداءات الأخيرة على لبنان، ومعها التسريبات الإعلامية "الإسرائيلية"، أن الأميركي ليس في موقع إدارة التوازن الدبلوماسي بل في موقع الإشراف العملياتي المباشر على العدوان. 

ما أظهرته قناة "كان" "الإسرائيلية"، وغيرها من وسائل الإعلام، من أن ضباطًا أميركيين يتابعون الضربات لحظة بلحظة من داخل غرف القيادة في صفد، لا يمثل مجرد تفصيل تكتيكي، بل دلالة على انتقال واشنطن من دور المراقب إلى دور الشريك التنفيذي في صياغة القرار الميداني وتوجيهه.

هذا المعطى يعيد توصيف الواقع اللبناني: فواشنطن لا تمارس ما كانت تسميه سابقًا "التهدئة الوقائية"، بل تسعى إلى هندسة ميدانية مباشرة تهدف إلى تكريس السطوة الأمنية "الإسرائيلية" وإعادة إنتاج الهيمنة الأميركية على بنية القرار اللبناني.

 وعليه، يصبح لبنان ساحـة تنفيذ لوكالة مزدوجة: "إسرائيل" تباشر التنفيذ العسكري، فيما الولايات المتحدة تضبط الإيقاع والخطة والسقف، في ما يشبه وصاية عسكرية مقنّعة تُسقط المسافة بين السياسة والدبابة.

أبعاد هذا التموضع

وجود الضباط الأميركيين داخل غرف القيادة "الإسرائيلية" هو إشارة سياسية وأمنية بليغة:

 - إن لبنان انتقل إلى كونه ساحة استثمار عملياتي أميركي.

 - "إسرائيل" لم تعد تتحرك وفق أولوياتها وحدها، بل ضمن إطار قرار إستراتيجي مشترك.

 - الدور الأميركي ليس "كابحًا للتصعيد" بل موجّه له، يوظّفه تصاعديًا للضغط حين تعجز الأدوات الاقتصادية والسياسية عن تحقيق الأهداف المنشودة.

وتكشف هذه المعادلة أن واشنطن، بعد فشل الرهانات الاقتصادية والمالية على إنهاك المقاومة أو إدخال لبنان في صدام داخلي، انتقلت إلى آلية الضغط العسكري المتدرّج بهدف فرض وقائع أمنية وسياسية في الجنوب، تمهيدًا لإعادة صياغة القرار السيادي اللبناني بما يخدم الخارطة الأميركية ـ "الإسرائيلية".

البيئة الحاضنة لهذا الانتقال

يساعد على هذا المسار عنصران متوازيان:

 - هشاشة الدولة اللبنانية وتخلّيها الفعلي عن دور الحماية السيادية.

 - انكفاء الأمم المتحدة وتراجع الغطاء العربي، في سياق يبدو أنه تمهيد لإنهاء وظيفة "الـيونيفيل" واستبدال الرقابة الأممية برقابة أمنية -استخباراتية أميركية- "إسرائيلية" مباشرة.

داخليًا، يسهم جزء من الطبقة السياسية اللبنانية في شرعنة هذا المسار عبر إعادة تدوير الرواية "الإسرائيلية" عن "غياب قدرة الدولة على ضبط المقاومة"، ما يوفّر الغطاء النظري للعدوان والإيحاء بأن اعتداءات العدوّ تجري "تصحيحًا لفراغ سيادي"، لا عدوانًا منظمًا.

المقاومة: العقدة المركزية

في المقابل، تحاول السردية الأميركية - "الإسرائيلية" تجاهل أن المقاومة هي الطرف الوحيد الذي يحوز القدرة الدفاعية الفعلية على الأرض، وأنها منذ 2006 منعت "إسرائيل" من إعادة تكريس تفوقها الأحادي في الشمال. مصدر القلق "الإسرائيلي" لا يكمن في القوّة التي يعرفها، بل في المجاهيل العملياتية التي لا يستطيع تقديرها بدقة: توقيت الرد، مستوى المفاجأة، طبيعة المنصات، أو حدود الجهوزية. وهذا ما يفسّر التوسع في المناورة "الإسرائيلية" الأخيرة التي كرّست مفهوم "اللايقين الاستخباري".

لماذا هذا التوقيت؟

اختارت "إسرائيل" -برعاية أميركية- هذا التوقيت للأسباب الآتية:

 - استكمال مسار الضغوط بعد فشل الجولات السابقة.

 - رفع مستوى الإكراه الميداني لمراكمة تغيير في قواعد الاشتباك.

 - مرافقة التحركات الدبلوماسية الأميركية بـ"تهويل عملي" لفرض أثمان سياسية على لبنان.

توجيه رسالة مفادها أن رفض الإملاءات سيقابَل بتصعيد مستمر وربما متدرج نحو ما هو أوسع.

نحو مرحلة تموضع طويلة المدى

هذا الاتّجاه يعني أننا أمام:

 - ترسيخ شراكة عملياتية أميركية ـ "إسرائيلية" معلنة في الجبهة الشمالية.

 - ذوبان الحدود بين الدور العسكري والسياسي الأميركي.

 - انتقال واشنطن من هوامش الدعم إلى المشاركة في صياغة القرار العدواني نفسه.

 - رفع منسوب الاستهدافات النوعية المحتملة للمقاومة.

 - إدخال ملف المفاوضات المباشرة إلى قلب المقايضة الأمنية كهدف إستراتيجي لاحق.

الخاتمة

ما يجري على الجبهة اللبنانية ليس تصعيدًا عابرًا ولا هو "ردود نارية"، بل محاولة إعادة هندسة ميزان الردع والقرار. واشنطن تتحول من "رعاية الاستقرار" إلى "هندسة السيطرة"، و"إسرائيل" تحاول استرداد المبادرة عبر الضغط التدريجي، فيما تفقد الدولة اللبنانية ما تبقى من موقعها كمرجعية سيادية.

لكن النتيجة النهائية تبقى رهنًا بقدرة المقاومة على تعطيل هذه الوصاية العسكرية المقنّعة وتحويلها من رافعة إستراتيجية ضدّ لبنان إلى كلفة مرتفعة على أصحابها. وعندها ستتحدد ملامح المرحلة المقبلة حتّى 2026: ليست مرحلة إدارة ملفات سياسية، بل إدارة جبهة تحاول واشنطن و"تل أبيب" تحويلها إلى منطقة نفوذ أمني مباشر، فيما تبقى المقاومة العامل الوحيد القادر على منع تثبيت هذا التحول.

الكلمات المفتاحية
مشاركة