خاص العهد
ما هي أبعاد طوفان الأقصى وكيف غيّر من معادلات الصراع؟ هذا السؤال وغيره حاول عدد من الأكاديميين والجامعيين والمفكرين والنشطاء التونسيين الإجابة عليه خلال ندوة علمية سلطت الضوء على أبرز التحديات في المنطقة بعد طوفان الأقصى. اختار القائمون على الرابطة التونسية للتسامح فرع بنزرت ذكرى وعد بلفور المشؤوم للحديث عن أهم الإشكاليات والمعضلات الاستراتيجية في المنطقة في خضم احتلال صهيوني وابادة متواصلة لغزة وفلسطين.
معركة معولمة
أستاذ العلوم الجيوسياسية في الجامعة التونسية رافع الطبيب أشار في تصريح خاص لموقع العهد الأخباري، إلى أنّ "هذه الندوة هي مناسبة لإحياء الذكرى الصعبة على أمتنا، وهي ذكرى وعد بلفور والأهم هي محاولة قراءة الأوضاع الجيوسياسية التي انجرت عن طوفان الأقصى والتغيرات التي تشهدها اليوم عديد الساحات على مستوى العالم".
وأضاف: "إن معركة غزة هي معركة معولمة وأتت بظاهرة جديدة ولم يعرفها العدو الصهيوني ماضيًا، وهي توحيد الساحات من لبنان إلى العراق واليمن وغيرها. وانفجار الأوضاع في عديد الدول الغربية التي اصطفت فيها النخب المثقفة والفاعلة في الشارع وعديد منظمات المجتمع المدني ووقفت إلى جانب غزة ليس فقط كمساندة لحركة التحرر الوطني وكرمز من رموز الانتفاضة على العولمة المتوشحة التي مرت إلى آخر مراحل التوحش وهي الإبادة".
ولفت الطبيب إلى أنّ "تلك أهم النقاط التي طرحناها في الندوة بالاعتماد على الخرائط وعلى أساس تحليل لبعض الديناميكيات الجديدة التي انطلقت في العالم وشعارها اليوم هي المقاومة"، مشيرًا إلى أنّ "بعض التدخلات التي أتت على مستقبل المقاومة أكدت على ضرورة أن تكون كل الساحات التي تساند غزة لها عقيدة مقاومة علمية تستند لوقائع التاريخ والمستقبل وتستشرف الأوضاع القادمة، وكيفية تعامل القوى المقاومة مع هذه العولمة المتوحشة التي يعتبر الكيان الصهيوني أحد أهم رموزها".
الانتماءات القيمية
وكان أستاذ الجيوبوليتيك قد أشار في مداخلته خلال الندوة إلى تعدد المدارس السياسية في العلاقات الدولية بين المدارس التي تؤمن بالتحالفات أو تلك التي تركز على القوة وغيرها التي تعتمد الأخلاق.
وأضاف: "إن الدول لا تقاس بحجمها، بل بما تمتلكه من طاقات بشرية وطبيعية ومن موقع حضاري وتاريخي"، وقال: "فلنخض المعركة التي فرضت علينا ونضع فيها كل طاقاتنا".
وتابع الطبيب: "هناك اليوم دول تقف مع فلسطين مثل فنزويلا وماليزيا وغيرها، ويجب أن نستغل هذه المحاور لدعم استراتيجياتنا". وأكد أنّ "الانتماء ليس عرقيًا ولا مذهبيًا ولا دينيًا، بل هو قيَميّ ومبنيّ على قيم ومبادئ مشتركة"، وتابع بالقول: "لدينا قيم مشتركة مع هذه الدول وهي التحرر من الاستعمار على اختلاف أشكاله".
نقطة تحول مفصلية
من جهته، قال صلاح المصري رئيس الرابطة التونسية للتسامح في مداخلته بأنّ "طوفان الأقصى مثل نقطة تحول مفصلية في المنطقة".
وأضاف: "هذه الندوة عقدت في ذكرى صنعها أعداؤنا لكننا نستمر صامدين بفضل شهدائنا. طوفان الأقصى أطلقه الشهيد محمد الضيف".
ولفت المصري إلى أنّ "المقاومة بقدر ما تحتاج إلى الحماسة، بقدر ما تحتاج إلى العقل، وكل تاريخ الإنسانية بنيَ على العقل الذي ينظر بعمق الى الواقع كما هو".
وأوضح أنّه "حاول نتنياهو وترامب أن يرسما مشهدًا لنهاية طوفان الأقصى تكون فيه الغلبة والانتصار لهما. وعملت الآلة الإعلامية الضخمة على الايحاء بأن العدو انتصر وبأن هناك أكثر من 70 ألف شهيد و 150 ألف جريح، إضافة إلى مشهد الدمار والخراب في غزة ورحيل غالبية قادة المقاومة من غزة إلى لبنان إلى اليمن إلى ايران".
وتابع المصري بالقول: "هناك محاولة كبيرة لإبراز أن طوفان الأقصى كان كارثة على المقاومة الفلسطينية وعلى الأمة العربية والإسلامية. وهذا المشهد سيتم العمل عليه في الزمن القادم وأكد بأن البرنامج الأمريكي والصهيوني هو برنامج الانقلاب المطلق على صورة طوفان الأقصى الذي كان خطوة استثنائية في تاريخ المقاومة".
وذكر أنّ "الصراع ليس بين غزة والكيان الصهيوني وأميركا، بل غزة تمثل الشعب الفلسطيني. لذلك في ذكرى هذا الوعد المشؤوم يمكن أن يكون طوفان الأقصى هو الإجابة التاريخية على هذا الوعد ليقول لبلفور بأن فلسطين ليست وطن قومي لليهود وبلفور لن يتم استكماله. وإن هذا الشعب يرفض التهجير ولن يسمح به، ومن خلال صمود الشعب الفلسطيني في أرض غزة يعيد رسم التاريخ".
من جهتها أكدت الناشطة لمياء الدريدي، أنّه "لا يجب أن ننتظر الحلول بل يجب البحث عن الطرق التي تؤدي للحلول من أجل إنهاء الاحتلال".
وقالت إنّ "العقل الذي وقع تحت الاستعمار واغتِيل منذ عقود، جاءت حركه طوفان الأقصى لتوقظه وتعيده إلى الحياة". ودعت إلى بناء طرق جديدة واستراتيجيات لتحقيق الأهداف القادمة للمقاومة.