مقالات مختارة
عبد الباري عطوان - صحيفة رأي اليوم الالكترونية
صدمنا الرئيس اللبناني جوزيف عون مرتين في غضون أسبوع، الأولى إيجابية تتسم بالجرأة والشجاعة، عندما أعلن يوم الخميس الماضي انه أعطى تعليمات للجيش اللبناني بالتصدي لأي توغل إسرائيلي عسكري في الأراضي اللبنانية المحررة جنوب البلاد، والثانية سلبية من وجهة نظرنا، والملايين من اللبنانيين والعرب أمثالنا، عندما أعلن امس الاثنين أنه “ليس هناك امام لبنان الا خيار واحد وهو التفاوض مع إسرائيل”، وأضاف مبررا هذه النقلة الضخمة في المواقف، أي من النقيض الى النقيض، من المواجهة والتصدي للعدوانات الإسرائيلية شبه اليومية في انتهاك استفزازي للسيادة والكرامة اللبنانيتين، الى رفع رايات الاستسلام والذهاب الى مائدة المفاوضات، ومن موقع المهزوم والمستسلم.
الرئيس عون برر هذه النقلة وفي أقل من أسبوع بقوله “ان أدوات السياسة ثلاث: الدبلوماسية، والاقتصاد، والحرب، وعندما لا تحقق الحرب نتيجة يبقى التفاوض هو الطريق الوحيد.. ونهاية الحروب هي التفاوض الذي لا يتم مع صديق وانما مع العدو”.
لا نعرف ما هي الظروف، او بالأحرى الضغوط، التي أجبرت الرئيس اللبناني على هذا الانقلاب، من مواجهة العدو عسكريا، والتصدي لتوغلاته، وانتهاكه للسيادة اللبنانية، وقصف وقتل العديد من اللبنانيين، الى التراجع السريع وتبني خيار المفاوضات كمقدمة للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، وهو خيار غير مضمون النتائج على أي حال، وسنوضح ذلك لاحقا.
تصدي الجيش اللبناني للتوغلات الإسرائيلية أمر مشروع يحظى بموافقة الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني، ويتماهى مع الدستور، وكل القيم الإلهية والبشرية في العصر الحديث وكل العصور الماضية، اما اللجوء الى التفاوض، والاعتراف بالهزيمة، ودون ان يطلق الجيش اللبناني طلقة واحدة، او يخوض حربا مع العدو، ودون أي تشاور مع مؤسسات الدولة، وأخذ موافقتها وفق الاجراءات والوسائل المرعية، وخاصة المقاومة اللبنانية التي تصدت للعدوانات الإسرائيلية وقدمت آلاف الشهداء، وحررت الأراضي اللبنانية المحتلة عام 2000، وهزمت الجيش الإسرائيلي المعتدي في حرب تموز (يوليو) عام 2006، فهذا أمر قد يشكل خروجا عن الدستور، والبرلمان، والتوافق الوطني، وربما يؤدي الى تمزيق الوحدة الوطنية والتعايش في البلاد الذي يعتبر اهم إنجاز للبنان وشعبه وتميزه عن محيطه الجغرافي والعرقي والسياسي.
اعلان التفاوض باعتباره الخيار الوحيد للبنان، ومن قبل رئيس البلاد، وبدعم من رئاسة الحكومة حتما، يعني من وجهة نظرنا، ونسبة كبيرة من اللبنانيين والعرب، هو تنازل متعجل، وشبه مجاني لدولة الاحتلال، وبمثابة مكافأة لها على جرائمها ومجازرها في لبنان واحتلالها لخمس تلال استراتيجية في المنطقة الحدودية المحتلة، وانتهاكها لوقف إطلاق النار أكثر من 5000 مرة منذ الاتفاق عليه، حيث إلتزم الطرف اللبناني به ولم يخترقه مطلقا، رغم استشهاد أكثر من 4000 واصابة 17 ألف مواطن لبناني بصواريخ الطائرات والمسيّرات الإسرائيلية.
نختلف مع الرئيس عون في قوله ان التفاوض هو الخيار الوحيد امام لبنان، نحن الذين فرحنا بتعليماته للجيش اللبناني بالتصدي لاي عدوان او توغل إسرائيلي في لبنان، وهي فرحة لم تعمر الا خمسة أيام للأسف، لان المقاومة اللبنانية اختارت وما زالت، الخيار المنطقي والاجدى، الذي أعطى نتائج مشرفة أبرزها انسحاب العدو الإسرائيلي من طرف واحد عام 2000، ودون أي مفاوضات، وتكرر هذا الخيار، أي المقاومة، في اوضح صوره بهزيمة الجيش الإسرائيلي، وكسر هيبته وسمعته، كجيش لا يهزم في حرب تموز عام 2006.
نتمنى على الرئيس عون ان يعيد النظر في مثل هذه التصريحات، والمواقف، ويتراجع عنها حفاظا على الوحدة الوطنية اللبنانية، واستمرار التعايش وحفظ الأمن والاستقرار، وتجنب الفتنة والحرب الاهلية التي تخطط لها إسرائيل والولايات المتحدة، وربما يفيد التذكير في هذه العجالة ليس فقط بالانتصارات اللبنانية، وانما ايضا بانتصار أهلنا في قطاع غزة وصمودهم، وإفشالهم لكل المخططات التهجيرية الإسرائيلية ونزع سلاح المقاومة، ونزيده من الشعر عدة ابيات، أبرزها الانتصار الكبير للمقاومة الأفغانية ليس على امريكا وانما على حزب الناتو وطردهم من كل الأراضي الأفغانية بطريقة مذلة، ومن المقاومة العراقية قبلهم، ونأمل من الرئيس عون مشاهدة فيديوهات الهروب الأمريكي الكبير من مطار كابول.
إسرائيل هُزمت في لبنان مرتين، مثلما هزمت في حرب الـ 12 يوما ضد إيران، واستجدت وقفا لإطلاق النار رغم الدعم الأمريكي لها، بعد مقتل المئات وتدمير كل جنوب تل ابيب، ومن المؤكد انها ستهزم للمرة الثالثة على الأراضي اللبنانية إذا أقدمت على غزوه على أمل القضاء على المقاومة اللبنانية التي تعافت واستعادت قوتها، وباتت تشكل تهديدا وجوديا لها، وستدفع “إسرائيل” ثمنا غاليا جدا.. والأيام بيننا يا فخامة الرئيس.