نقاط على الحروف
صرّح الوزير السابق محمد فنيش: "إننا نسأل أين الدبلوماسية اللبنانية، وأين الجهد اللبناني السياسي والإعلامي والدبلوماسي لمطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ الالتزامات وإلزام "إسرائيل" بوقف الأعمال العدائية، وأكثر من ذلك، فهناك من يتجرأ جهرًا بإقامة علاقات مع العدوّ "الإسرائيلي"".
هذا الموقف جاء بعد سلسلة تصريحات لإعلاميين وسياسيين لبنانيّين وقحة تتعارض مع الدستور اللبناني ومع الواقع الذي نشهده يوميًّا من اعتداءات على اللبنانيّين المدنيّين وعلى المنشآت الإعماريّة بهدف تفريغ الجنوب من أهله وللضغط على بيئة المقاومة ومجتمعها.
الوزير والدبلوماسي عدنان منصور
في هذا الإطار، اعتبر وزير الخارجيّة السابق الدكتور عدنان منصور ردًا على سؤال لـموقع "العهد" أن "السياسة اللبنانية تُعبّر عن توجّه الدولة اللبنانية ككل، لا سيّما في ما يتعلّق بالقضايا الوطنية الكبرى وبالمسائل الحسّاسة الخارجية المرتبطة بالدولة"، مشيرًا إلى أن "هذا الأمر يستوجب تنسيقًا بين السياسة الخارجية اللبنانية ممثلةً بوزارة الخارجية، وبين الحكومة، لأن القرار النهائي في المواضيع الحسّاسة تتّخذه الحكومة اللبنانيّة، ووزارة الخارجيّة جزء من الحكومة. بالتالي، لا بدّ من تنسيق بين الطرفين، بما يخدم المصلحة الوطنية، ويحفظ سيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه".
وعن السبل الوطنيّة الواجب اتّخاذها من قبل وزير الخارجيّة في ظلّ الاعتداءات الإسرائيليّة اليوميّة أكد منصور أنه "في ظلّ الأزمات التي يمرّ بها لبنان، تتّخذ الخارجيّة سبلًا عدة لمواجهة التحديات، خاصّة في ظلّ الاعتداءات الإسرائيليّة اليوميّة واحتلال أجزاء من الأراضي. فعندما ترتكب "إسرائيل" هذه الاعتداءات، متجاهلة القوانين الدوليّة والقرارات الأمميّة، ووقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في 11/27/ 2024، تصبح الحاجة ملحّة للتحرك الدبلوماسي".
لكن هل يكفي الاستنكار أم من الواجب تفعيل الشكاوى لدى الأمم المتحدة والمنابر الدوليّة والتحرك لدى السفارات؟ هنا يلفت الوزير منصور إلى أن الاعتداءات "الإسرائيلية" تشمل القتل المتعمد، وتدمير البنى التحتية، ومنع المواطنين اللبنانيين من العودة إلى منازلهم وأرزاقهم، وهو ما يشكّل خطرًا كبيرًا. لذا، من الضروري أن تزوّد وزارة الخارجية رؤساء البعثات والسفارات في الخارج بتقارير دورية حول التطورات، وتحثهم على التواصل المُكثّف مع المسؤولين في الدول المُعتمدة لديهم لإحاطتهم بما يجري".
ويكمل منصور "كما يُطلب من السفارات التنسيق مع وسائل الإعلام، والاتّصال بالناشطين والنواب والوزراء والمجتمع المدني والمُهتمين بحقوق الإنسان، لنقل الصورة الحقيقيّة لما يتعرّض له لبنان، ولإبراز الوجه العدوانيّ لـ"إسرائيل" أمام المجتمع الدولي". و"بالتنسيق مع الحكومة، يؤكد منصور، على وزارة الخارجيّة أن تضع الأمم المتحدة والأمين العام بصورة الاعتداءات اليوميّة، مع التأكيد على أهمية تقديم الشكاوى رغم معرفة نتائجها المحدودة، إذ إن الهدف الأساس هو توثيق الاعتداءات وإبقاء المجتمع الدولي على اطلاع دائم". وبرأيه "من المهم التأكيد على عدم التزام "إسرائيل" بوقف إطلاق النار، وبسلوكها العدائيّ واللاإنسانيّ تجاه المدنيين اللبنانيّين وممتلكاتهم ومؤسساتهم الحيوية".
وعن دور رئيس الحكومة ووزير خارجيّته كفريق واحد تجاه القضايا الوطنية، يشدد منصور على أن "رئيس الحكومة ووزير خارجيّته، في أيّ دولة، لا بد أن يشكلا فريقًا واحدًا تجاه القضايا الوطنية، لا سيما تلك التي تتعلق بعلاقات الدولة الخارجيّة. وفي حالة لبنان، من الضروري أن تكون هناك سياسة خارجيّة واضحة، وتوجّه موحّد في ما يخصّ القضايا الوطنيّة، خصوصًا ما يتصل بسيادة لبنان، وحريته، واستقلاله، وتحرّره من الاحتلال الإسرائيلي".
ويختم الدبلوماسي العريق "هذا المبدأ لا يُفترض أن يكون موضع خلاف. فالتنسيق والعمل المشترك بين وزارة الخارجيّة والحكومة اللبنانيّة أمر أساس، خاصّة وأن القرار النهائي في القضايا الحساسة يُتخذ داخل مجلس الوزراء، بينما تقوم وزارة الخارجيّة بتنفيذ ما يُقرَّر هناك. أما الحديث عن وجود اختلاف في الموقف بين رئيس الحكومة ووزارة الخارجيّة، فإنه لا يُعزّز الموقف اللبناني على الساحة الدوليّة، بل يُضعفه، خصوصًا خلال المفاوضات التي يخوضها لبنان بهدف إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي"، وتحقيق الانسحاب الكامل، وتثبيت وقف إطلاق النار".
المّحلل السياسي إبراهيم بيرم
من جهة ثانية، وردًا على سؤال لـموقع "العهد" عن الأطر الدبلوماسية اللبنانيّة للسير عليها تجاه القضايا الوطنية الكبرى وارتباطها بسياسة الحكومة يقول المُحلل السياسي إبراهيم بيرم "من خلال عمل الوزارة الجديدة والحكومة الجديدة لا يظهر أية أطر للعمل لدبلوماسيّة لبنانيّة محدّدة تسير باتّجاه القضية الوطنيّة الكبرى كالوضع في الجنوب وتهجير أهله والاعتداءات اليوميّة، الأمر كله مرتبط بأمرين: ردة فعل عابرة واستنكار لفظي وبيان، دون اللجوء لتقديم شكوى تجاه الاعتداءات والتي أدت إلى تدمير منشآت مدنيّة. وليس في سجل مجلس الأمن سوى شكوى واحدة، ولم تأخذ طريقها إلى المناقشة وفق الآليات المُتبعة".
ويتابع بيرم "الأمر الثاني أن الوزارة تعتبر ما جرى لا علاقة لها به، والمشكلة فقط بين "إسرائيل" والحزب، وعلى الحزب أن يُقلّع شوكه بيده، وأن يستسلم وأن ما يجري هو ردة فعل تجاه الحزب والمقاومة، وما حصل هو ردة فعل على ما قامت به المقاومة، وبالتالي سياسة عدائيّة تجاه الحزب والمقاومة".
وحول السُبل الوطنيّة الواجبة على وزير الخارجيّة في ظلّ الاعتداءات اليومية يؤكد بيرم أنه "يجب ألاّ يخلط الوزير بين موقفه كوزير تابع للقوات اللبنانيّة وموقفه الحكومي، لكن هذا ما يقوم به، فهو دائمًا يُغلّب الأولى على الثانية، وهذا ظهر في الكثير من تصريحاته، وعليه أن يأخذ الأمور بجدّية، وهو يغيب، ويظهر فجأة، حتّى الشكوى التي هي أبسط الأمور غائبة عن برنامجه، فلا منهجيّة في المُتابعة، ثمّ يعود دون متابعة لدى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، أليس هو من قال "لازم نبكي لأميركا لأنها تحبنا؟". هذا ما قاله بعظمة لسانه.
ويشدد بيرم على أن "الخارجيّة قادرة على العمل بالضغط الدبلوماسي، لكنّها عاجزة وقاصرة. بإمكانها أن تفعل الكثير، وأن تجعل قضية الاعتداءات على الجنوب قضية يوميّة بكلّ المحافل".
وردًا على سؤال هل الخارجيّة قادرة على العمل أم أن يديها مقيدتان، رغم أن الوزير الحالي اختاره فريق مؤيد للسياسة الأميركية تجاه لبنان، ويمكنه التحرك لدعم سيادة لبنان في المحافل الدوليّة، يقول "باختصار، إنّ أداء الدبلوماسيّة اللبنانيّة بشأن ما يجري في الجنوب والاعتداءات هو دون الحدّ الأدنى المطلوب. ومن المفترض أن تكون الدولة، ووزارة الخارجية تحديدًا، في استنفار دائم، خاصّة أن الوزير نفسه صرّح أن الوسيلة الوحيدة المُتاحة أمامه هو الأسلوب الدبلوماسي. لكن حتّى على هذا الصعيد هناك تقصير واضح وعجز فاضح".
وختم المحلل السياسي إبراهيم بيرم، بالقول "نحن نتّهمهم بالتقاعس والعجز المُتعمد، بإمكانهم أن يفعلوا الكثير. وهذا يعود إلى عدائهم للمقاومة، وتغليبهم للانتماء الحزبي الضيق على كونهم أعضاء في حكومة تمثّل البلد بأكمله. وبالتالي، هم يتحمّلون المسؤولية الكاملة ضمن هذا الإطار"، و"لنُضِف نقطة مهمّة إنّ التراخي اللبناني والتعامل الباهت مع الاعتداءات الإسرائيليّة، وغياب موقف موحّد تجاهها يشجّع العدوّ على المضي قدمًا في انتهاكاته. فهذا الصمت والتقاعس يُتيح له الاستمرار في خرق اتفاقيّة وقف إطلاق النار، التي يُفترض أنّها سارية منذ 27 تشرين الثاني الماضي".