نقاط على الحروف
بينما يصر فريق من اللبنانيين على تسمية نفسه بالفريق السيادي، تفتقر تصريحاته وممارساته السياسية إلى المنحى السيادي، خصوصًا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان، والتي تزداد فيها الضغوط والتدخلات بشكل غير مسبوق في شؤون خطيرة، وسْط انتهاك سيادته يوميًّا من قبل العدو عسكريًّا.
برز في الأيام الماضية لجوء إعلام هذا الفريق إلى انتقاد مواقف الجيش اللبناني وقائده، لا سيما بعد ما أحاط بمواقف الجيش التي تلاها إلغاء زيارته إلى واشنطن، فيما كان حريًا بهذا الفريق الدفاع عن جيش وطنه وسيادته، والوقوف إلى جانب الجيش الذي لطالما طالب بأن يكون هو القوة الوحيدة في البلد.
وإذا كان بوسعنا أن نعدد الكثير من القفزات فوق السيادة في تصريحات هذا الفريق ومواقفه، بوسعنا أيضًا أن نذكر الآتي:
-أولاً: الهجوم على إيران دائمًا بزعم تدخلها في لبنان بموازاة الترحيب بكل تدخل خارجي آخر: فإذا كان طرف ينشد السيادة عليه ألَّا يكيل بمكيالين في هذا السياق.
-ثانيًا: الترويج لكل الأوراق الخارجية التي يحملها الموفدون واعتبارها شأنًا واجب القبول، لا يصح معه أي حوار أو توافق داخلي أو أخذ بالاعتبار لآراء شريحة كبرى من اللبنانيين.
ثالثًا: التعاطي في موضوع العدوان الصهيوني المتكرر، فهذا الموضوع يثير تساؤلاً متكررًا عند كل اعتداء: أولئك الذين يُعتدى عليهم أليسوا لبنانيين؟ وماذا عن السيادة التي تنتهك، أليست سيادة لبنان؟
يضاف ذلك إلى تعاطي هذا الفريق مع الحصار المالي على اللبنانيين وتحويلات المغتربين وعلى جمعيات تسهل أمور الناس وتسد حاجاتهم المالية، مثل القرض الحسن، ألا يُعَد ذلك اعتداءً على السيادة، أم أن الأمر منوطٌ أولاً وأخيرًا بحقد غير مبرر على شريحة كبيرة من اللبنانيين قالت لا للاحتلال والتبعية.
في آخر الأمر وصل بعضهم إلى حد تسليط تحريضه وإعلامه وأقلامه على قائد الجيش الذي أُلغيت زيارته إلى واشنطن. هنا خرج بعضٌ من هذا الفريق ليحذر تحت عناوين، من قبيل: انتبهوا للعلاقات مع أميركا أو أن التعاون العسكري الأميركي مع لبنان يمكن أن يتوقف، أو القول، إن الجيش مقصِّر في موضوع السلاح، وما الغى ذلك، في وقت برزت المواقف الأميركية التدخلية، وشن السيناتوران ليندسي غراهام وجوني إرنست هجومًا على قيادة الجيش اللبناني.
وهنا لا ننسى ما قاله رئيس الجمهورية عن أفرقاء يذهبون إلى واشنطن لـ"بخ السم"، في إشارة إلى محاولة التحريض على الفرقاء الوطنيين والمقاومين، ولتلميع صورتهم على حساب صورة غيرهم، حتى لو لم يكونوا في الجانب السياسي الآخر.
يذكر أن الرئيس جوزاف عون رد على ما يتعرض له الجيش وقال في كلمة له من الجنوب، إن الجيش الذي يحمي الجنوبيين كما جميع اللبنانيين ثابت في مواقفه والتزامه في الدفاع عن الكرامة الوطنية والسيادة والاستقلال، وإن الجيش يقدم وفاءً لمبادئه الشهيد تلو الآخر غير آبه بما يتعرض له أحيانًا من حملات التجريح والتشكيك والتحريض.
رئيس حركة الشعب النائب السابق نجاح واكيم
في هذا الإطار تحدث رئيس "حركة الشعب"؛ النائب السابق نجاح واكيم لموقع "العهد، فأشار إلى أن "هذا الفريق الذي ينتقد الجيش وقائده مباشرة أو في الإعلام كان من قبل يشيد بالجيش، متوِّهمًا أن الجيش سينفذ المطلوب منه أميركيًّا، فينجرّ للصدام مع المقاومة"، ويشير واكيم إلى تعاطي الجيش اللبناني وقائده بحكمة وبطريقة تمنع الفتنة، لافتًا إلى أنه "بمجرد أن أخذ قائد الجيش اللبناني رودلف هيكل موقفًا عاقلاً ومسؤولاً يحمي هذا الجيش بل يحمي كل الوطن تغير الموقف منه".
يلفت واكيم الى "أن رد فعل الأميركان كان كما رأينا بإلغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن، حيث ألغوا العديد من اللقاءات المقررة ضمن جدول الاعمال، وهذا الإلغاء هو أول الغيث"، ويجزم واكيم بأن "الفريق الذي ينتقد قائد الجيش اليوم، قد ينتقل بعد أيام للهجوم عليه؛ لأنه مع هذا النوع من الرخص والعمالة لا يُستبعَد أي تصرف".
وعن غياب أي موقف من هؤلاء ممّا يقع على الجنوب ولبنان من اعتداءات، رغم أن هذا الموقف هو الحد الأدنى من الدفاع عن السيادة، يرى واكيم أن "من المستحيل أن يأخذ هؤلاء موقفًا من هذه الاعتداءات، وهم ليس لديهم موقف أساسًا، وهذا مردُّه إلى فقدانهم الإحساس بالوطنية والكرامة والشرف، فعندما يكون الأمر كذلك فكل ما يحصل لا شيء فيه مستهجن".
يطلق هؤلاء على أنفسهم وصف السياديين أو الفريق السيادي، حول ذلك يقول النائب السابق واكيم: "مهما يكن من تسمية يطلقونها على أنفسهم؛ سواء سياديين أو غيرها، فهذا شأنهم، ولكن هم مجموعة تابعة بشكل رخيص للسفارة الأمريكية، وهذا ما تؤكده أعمالهم".
الكاتبة رندلى جبور
رأت الكاتبة السياسية رندلى جبور في حديث لـ"العهد" أن "هذا الفريق مصاب بانفصام سياسي غب الطلب الأميركي، فهو كان يدافع عن الجيش عندما يريد توجيه سهامه نحو المقاومة، ثم هجم عليه عندما أبدت أميركا استياءها منه، فهم يسيرون وفق الأجندة الاميركية وليس الوطنية ومصلحة الوطن، موضحة أنهم "عندما كانوا يحاولون زج الجيش في صراع مع المقاومة، كانوا معه وعندما رفض قائد الجيش أن يزج الجيش في فتنة داخلية أو بوجه المقاومة أصبحوا يهاجمونه".
من هم الذين قصدهم رئيس الجمهورية حينما تحدث عن فرقاء يبخون السم في واشنطن؟ تقول جبور: "حسب معلوماتي هناك رؤساء أحزاب ومسؤولون ونواب وإعلاميون يذهبون إلى أميركا للتحريض، وهذا التحريض موجه ضد من لا يسير وفق الأجندة الأميركية، وآخر ما قاموا به؛ حملة على رئيس الجمهورية وقائد الجيش".
الكاتب والمحلل السياسي يونس عودة
"هناك من لا يريد فعلًا دولة ولا أن تكون هناك شخصية سيادية في الدولة، هم يريدون أدوات في الدولة تنفذ المشروع الأميركي الإسرائيلي، وهذا لا يمكن أن يصح من وجهة نظرهم إلا بتشويه سمعة الجيش ورئاسة الجمهورية".. يتحدث الكاتب السياسي يونس عودة حول الانتقادات الموجهة للجيش. ويلفت أيضًا إلى "مشروع تشويه القوى الوطنية المسيحية من خلال استهداف رموز مسيحية لها باع طويل في العمل الوطني ومواجهة المشروع الإسرائيلي".
وعن المقصود بالأطراف التي "تبخ السم" في واشنطن يقول عودة "القوات اللبنانية و بعض نواب "الصدفة"، وهناك جهات وأبواق أخرى، وبخ السم هو بالأساس ضد كل من يقول لأميركا، إنها مخطئة في تعاطيها مع لبنان".
يبقى السؤال؛ هل يعرف بعض هؤلاء ممن يهاجمون المؤسسة العسكرية وقبلها يهاجمون نقاط القوة ويرغبون بتحييدها، أن الاستسلام لإرادة الأعداء لن يضمن استقرارًا وسلامًا للبنان في ظل الرؤية الصهيونية للمنطقة، والتي لم يتخلَّ عنها قادة الصهاينة، وأن القبول بالتدخلات لا محل له من إعراب السيادة، وأن أي تسليم لن يضمن للبنان بكل طوائفه حياة آمنة مزدهرة، والتاريخ شاهد على التعاطي الصهيوني مع لبنان منذ القفز فوق اتفاقية الهدنة إلى الاجتياحات المتكررة قبل أي سلاح ومقاومة..