مقالات مختارة
عماد مرمل - صحيفة الجمهورية
ينطوي "فخ" تفتيش المنازل الذي زرعه الاحتلال أخيرًا أمام لبنان على مخاطر عدّة، من شأنها أن تضع الجيش والأهالي إزاء تحدٍ إضافي في مواجهة "مزاجية" الكيان "الإسرائيلي"، الذي يمعن في ليّ عنق اتفاق وقف الأعمال العدائية وتفسيره، وفق مقتضيات مصالحه.
بهذا المعنى، تدفع "تل أبيب" نحو تثبيت أمر واقع ميداني جديد، من خلال محاولة فرض مسألة تفتيش المنازل التي تشتبه فيها كعرف مُحدَث، من خارج الآليات المعتمدة منذ إبرام اتفاق وقف إطلاق النار.
وقد سعى الكيان "الإسرائيلي" مرارًا في السابق إلى تكريس هذه المعادلة الاعتباطية، لكن الجيش كان في كلّ مرّة يتصدّى لها ويرفض تطبيقها، انطلاقًا من قاعدة قانونية تمنعه من دخول المنازل إلّا بإذن قضائي.
ومع ذلك، ظلّ العدوّ "الإسرائيلي" يصرّ على إقحام بيوت الجنوبيين ضمن لائحة بنك أهدافه، مفترضًا أنّ موازين القوى تسمح له بذلك، ومستندًا إلى تفهم لجنة "الميكانيزم" باستمرار لطلباته الزائدة وهواجسه المنتفخة.
وضمن هذا السياق، سُجّلت حتّى الآن واقعتان تعكسان تمكّن الطرف "الإسرائيلي" من فرض تفتيش عدد من المنازل تحت طائلة التهديد بقصفها، في كلّ من بيت ليف قبل نحو أسبوعين وبلدة يانوح منذ أيام قليلة، على أنّ اللافت هو ثبوت خلوها في المكانين من أي سلاح أو ذخائر، خلافًا لما روجته المزاعم "الإسرائيلية" التي صدّقتها "الميكانيزم"، وطلبت بناءً عليها من الجيش إجراء مسح دقيق لتلك المنازل المأهولة.
وقد تعمّد الجيش البقاء إلى جانب المنازل بعد تفتيشها، لمنع الاحتلال "الإسرائيلي" من استهدافها، ولإيصال رسالة إلى أصحابها بأنّه معهم وليس ضدّهم، خصوصًا انّ محاولة زجّه في معمعة تفتيش البيوت قد تتسبب في إحداث شرخ بينه وبين الناس.
من هنا، أبدى الجيش حرصًا على دخول المنازل المحدّدة في رشاف ويانوح بالتنسيق مع أصحابها وبموافقتهم، وكان لافتًا في هذا الإطار أنّ قيادة الجيش أعربت عن "تقديرها عاليًا ثقة الأهالي في المؤسسة العسكرية، ووقوفهم إلى جانبها وتعاونهم أثناء أدائها لـ"واجبها الوطني"".
ومع أنّ المؤسسة العسكرية نجحت حتّى الآن في الحؤول دون اشتعال فتيل تفتيش المنازل والمباني السكنية، الّا انّ ذلك لا ينفي انّها تبدو في موقف حرج قد يزداد تعقيدًا في المستقبل، في حال واصل العدوّ "الإسرائيلي" الاشتباه في بيوت مأهولة والمطالبة بمداهمتها.
ولعلّ المأزق الذي يواجه الجيش يكمن في المعادلة الآتية: إذا رفض الامتثال لطلب تفتيش المنازل فإنّها ستكون عرضةً للاعتداء والتدمير، مع ما سيرتبه ذلك من تهجير وتشريد لسكانها، وإذا تجاوب فسيبدو حينها كأنّه يعمل بموجب الأجندة "الإسرائيلية" وينفّذ أوامرها.
ومن الواضح أنّ الجيش اختار حتّى هذه اللحظة أن ينزع الذرائع "الإسرائيلية" ويثبت زيفها، عبر دخوله بعض البيوت بالتفاهم مع مالكيها والبيئة المحيطة، وذلك حتّى يحمي هذه البيوت ويكشف الحقائق المجرّدة أمام "الميكانيزم" والجانب الأميركي، والتي تخالف الادّعاءات "الإسرائيلية"، علمًا انّه لا يحبّذ أساسًا هذا الخيار الذي يتعارض مع اقتناعه الأصلي بعدم جواز التفتيش من دون إشارة قضائية.
صحيح أنّ الأمور مرّت بأقل الخسائر حتّى اليوم نتيجة تعاون الأهالي وتأنّي العسكريين، ولكن ماذا لو استخدم أصحاب هذا المنزل أو ذاك لاحقًا حقهم القانوني في رفض السماح بتفتيشه؟ كيف سيتصرّف الجيش آنذاك؟ وماذا لو قرّر العدوّ قصف البيت المقصود؟ وهل من خيارات لدى لبنان لمواجهة "السلبطة" "الإسرائيلية" المتمادية؟
أسئلة تبقى معلّقة في انتظار ما ستحمله المرحلة المقبلة من تطوّرات.