اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي أنقذوا لُغتَنا الإعلامية

مقالات

من الرهان على التحوّل إلى واقع اللاحسم
مقالات

من الرهان على التحوّل إلى واقع اللاحسم

90

تُظهر المرحلة التي تلت معركة أولي البأس في العام 2024، واتفاق وقف إطلاق النار، وضعًا مركّبًا لا يمكن اختزاله في ثنائية “نصر/هزيمة”. فعلى المستوى العسكري، تعرّض حزب الله لاستنزاف كبير، غير أنه لم يتحول إلى كسر بنيوي أو انهيار تنظيمي، ولم يُترجم إلى فرض شروط المنتصر أو تغيير جوهري في دور الحزب الدفاعي.

سياسيًا، برز تحوّل داخلي تمثّل في وصول قيادة لبنانية جديدة أعلنت موقفًا سلبيًا من المقاومة، وتوّجت ذلك بقرار حكومي لنزع السلاح. إلا أن هذا القرار بقي في إطار الإعلان السياسي، ولم ينتقل إلى حيّز الفعل التنفيذي، ما أعاد إنتاج الفجوة البنيوية بين القرار والقدرة، وهي فجوة كشفت عن حجم حضور المقاومة في المعادلة اللبنانية الداخلية، رغم الحرب والرهانات التي واكبتها وتلتها في الداخل والخارج.

إقليميًا ودوليًا، بدا الرهان الأميركي و"الإسرائيلي" قائمًا على تحويل نتائج الحرب إلى مسار تفكيك تدريجي للمقاومة، لكن الوقائع أظهرت أن الضغط الخارجي لم ينجح في تحقيق الأهداف المؤملة، وبقي حتّى الآن ضمن منطق إدارة الأزمة ومنع الانفجار، لا حسم الصراع.

ثانيًا: الاتّجاهات

الاتّجاه المركزي الذي يتبلور هو الانتقال من خطاب “الحسم” إلى خطاب “الإضعاف المُدار”. فبعد أن ساد في البداية توصيف ما جرى كلحظة مفصلية لإنهاء دور حزب الله، أخذ الأداء السياسي المعادي للمقاومة يتراجع تدريجيًا نحو مفاهيم أكثر تواضعًا: الاحتواء، تقليص القدرات، إدارة التهديد، على أمل تحقيق الأهداف المرجوة في مراحل لاحقة.

داخليًا، تبلور المشهد حتّى الآن نحو الجمود بفعل “القرار غير القابل للتنفيذ”، ولذلك استمر الحديث عن نزع السلاح بوصفه قرارًا سياسيًا أكثر منه مسارًا عمليًا، فيما يتحول هذا القرار نفسه إلى عنصر توتير داخلي بدل أن يكون أداة ضغط فعّالة.

عسكريًا، يبرز اتّجاه واضح نحو ضبط إيقاع المواجهة، إذ يمتنع حزب الله عن الرد الواسع، بينما تواصل "إسرائيل" العمل ضمن هامش “حرية الحركة” من دون الانتقال إلى مواجهة شاملة، ما يشير إلى إدارة متبادلة للصراع لا إلى اندفاع نحو حسمه.

ثالثًا: المخاطر

تكمن المخاطر الأساسية في استمرار حالة الاستنزاف المفتوح من دون أفق سياسي واضح، ما يُبقي الصراع في منطقة رمادية قابلة للانزلاق في أي لحظة. كما أن بقاء قرار نزع السلاح معلّقًا من دون قدرة على تنفيذه يحمل في طياته خطر تآكل صدقية الدولة نفسها، وتحويل القرار إلى عامل انقسام داخلي بدل أن يكون أداة سيادية جامعة.

إقليميًا، يبرز خطر سوء التقدير، سواء من خلال قراءة امتناع حزب الله عن الرد بوصفه عجزًا، أو من خلال المبالغة في تقدير قدرة الضغوط الأميركية على فرض وقائع ميدانية وسياسية. هذا النوع من سوء القراءة قد يدفع إلى خطوات تصعيدية لا تتناسب مع موازين القوّة الفعلية.

رابعًا: الفرص

رغم حدة الصراع، تبرز فرصة ضمنية تتمثل في تثبيت معادلة “منع الحسم” بوصفها واقعًا مستقرًا نسبيًا. فغياب القدرة على الشطب الكامل لأي طرف يفتح المجال أمام إدارة طويلة الأمد للصراع أو على الأقل إلى حين حصول متغير نوعي، حيث تُضبط حدود الاشتباك وتُدار التناقضات من دون انفجار شامل.

داخليًا، يتيح استمرار حضور حزب الله كقوة قائمة، من دون استخدام مباشر للقوة لفرض مواقفه، إبقاء التوازن الداخلي ضمن حدود تمنع الانزلاق إلى صدام أهلي مباشر، وتُبقي الخلاف في الإطار السياسي-الخطابي بدل تحوّله إلى مواجهة مفتوحة.

خامسًا: منظور الطرف الآخر

من زاوية "إسرائيل"، يتضح أن الهدف انتقل فعليًا من إنهاء حزب الله إلى تقليص قدرته ومنعه من البقاء كقوة دفاع عن لبنان قادر على تهديد الجبهة الداخلية. فالعجز عن تحقيق كسر بنيوي دفع نحو إعادة تعريف النجاح باعتباره “إدارة التهديد” لا القضاء عليه.

مع ذلك، بدأ يتبلور نوع من القراءة، داخل الإدارة الأميركية، تقوم على أساس أن الرهان على نزع السلاح كحل نهائي في هذه المرحلة بدأ يتآكل، لصالح مقاربة أكثر حذرًا تقوم على الاحتواء ومنع الاستخدام المباشر للسلاح. أصل هذا التحول في اللغة السياسية يعكس إدراكًا ضمنيًا لحدود القوّة والضغط الدبلوماسي في البيئة اللبنانية المعقّدة. ولكنه في الوقت نفسه يفتح مروحة الخيارات من جديد. وعادة في مثل هذه المحطات تبرز أهمية المشاورات الثنائية بين "تل أبيب" وواشنطن، على مستوى رأس الهرم. وربما يكون اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو أواخر الشهر الجاري هو المناسبة التي سيتم فيها ذلك. إن لم يكن هناك نوع من التضليل للمفاجأة التي ينبغي لنا أن نأخذها بالحسبان.

سادسًا: السيناريوهات

السيناريو الأقل خطورة حاليًّا، هو استمرار حالة اللاحسم: استنزاف متبادل، قرارات سياسية غير قابلة للتنفيذ، وضبط إيقاع المواجهة العسكرية ضمن حدود محسوبة. في هذا السيناريو، يبقى حزب الله جزءًا من المعادلة الداخلية وعنصرًا فاعلًا في معادلة الردع، من دون أن يتمكّن خصومه من شطبه أو تفكيكه.

سيناريو أعلى خطورة، يتمثل في محاولة فرض وقائع جديدة عبر تصعيد واسع، لكنّه يبقى محفوفًا بمخاطر عالية نظرًا لغياب ضمانات الحسم. وفي المقابل، لا تظهر مؤشرات جدية على سيناريو تفكيك داخلي للمقاومة ولا انقلاب بيئته الاجتماعية عليه، أضف إلى ذلك غياب بديل قادر على ملء الفراغ أو إعادة تعريف دور الحماية والدفاع.

في الخلاصة، تُظهر القراءة المنهجية أن ما تحقق هو إضعاف يوفر الأرضية لإدارة الصراع وليس هزيمة، واستنزاف بلا حسم، وضغط بلا ترجمة سياسية نهائية. وفي منطق الصراعات الطويلة، يتحول منع الخصم من تحقيق أهدافه القصوى إلى إنجاز إستراتيجي بحد ذاته، لأنه يؤسس لواقع ديناميكي باتّجاهات مغايرة لما راهن عليه "الإسرائيلي"  والأميركي، خاصة في حال استنفد الطرفان خياراتهما العسكرية. أضف إلى ذلك أنه يوفر الأرضية لإمكانية إبداع صيغة تعايش توفر للبنان قدرًا من الاستقرار. ولو توفرت النيات الحسنة والإرادة السياسية لدى الحكومة لكان بالإمكان تحقيق واقع أفضل وبأثمان أقل.

الكلمات المفتاحية
مشاركة