اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الانتخابات التشيلية ما بين تهديدات ترامب للقارة اللاتينية والانقسام العميق في المجتمع

نقاط على الحروف

دور النُخب في معركة السردية 
نقاط على الحروف

دور النُخب في معركة السردية 

151

كاتب وباحث لبناني في الشؤون العسكرية 

خلال المباحثات التي جَرَت في عهد الرئيس أمين الجميّل بين لبنان والكيان "الإسرائيلي" تمحوَرَت المباحثات حول أمر مهّم وخطير وهو طلب واضح من العدو أتى بصيغة السؤال للمفاوضين اللبنانيين: "في حال توصلنا إلى اتفاقية سلام بيننا وبينكم، هل سيبقى الإعلام اللبناني هجوميًا باتّجاهنا؟ عليكم العمل على إسكات الإعلام ولجمه وإلاّ سيكون أي شيء نصل إليه غير ذي جدوى في ظلّ إعلام لبناني معادٍ". 

هذه الفقرة من المباحثات تدل بشكل قطعي على خشية العدو من الصوت المقاوِم وليس فقط السلاح، حيث كان ولا يزال الإعلام أحد أهم أسلحة المعركة، خصوصًا بعد التطور التقني الذي وصلت إليه الأمور بحيث صار الصوت يصل إلى كلّ انحاء الكوكب بثوانٍ عبر عشرات لا بل مئات منصّات التواصل الاجتماعي التي باتت تحتوي مليارات الناشطين في مختلف شؤون الحياة، ومنها ما يمكن أن نُطلق عليه النشاط السياسي الذي يتخذ أشكالًا مختلفة في شكله ومحتواه وأهدافه. 

في مرحلة ما قبل نشوء الكيان الصهيوني بصيغته الحالية منذ سنة 1948 حتّى لحظتنا هذه كان للدعاية باعٌ طويل في ترويج فكرة "الوطن الصهيوني"، حيث اعتُمدت منذ البداية أساليب مختلفة مستخدمةً الكلمة كمفتاح للترويج والفعل كأداة لتثبيت الفكرة. 

مع تقدّم الأدوات وتطورها كان للمتخصصين في الدعاية داخل " الوكالة اليهودية " حضورٌ دائم وفعّال من خلال تأسيس العديد من وسائل الإعلام أو المساهمة فيها بحيث يكون الحضور واسعًا ومؤثرًا، وكان للأثرياء اليهود دور كبير في تمويل هذه المؤسسات أو دعمها لدرجة أننا أصبحنا أمام لوبي متكامل الأركان تخطّى بتأثيره المجتمعات المُستهدفة إلى مرحلة التأثير على مراكز القرار في دول الغرب بشكل عام وفي أميركا بشكل خاص حيث يمكننا الجزم بأن الصهاينة أصبحوا كبار المالكين في معظم شركات النظام المالي والإعلامي الأميركي بشكل خاص. 

على مدى مئة عام عمل الإعلام الصهيوني والمدعوم ماليًا من اللوبيات الصهيونية على نشر وترويج " المظلومية " المرتبطة بالمحرقة أو ما يسمّى أيضًا بالهولوكوست التي نفذها أدولف هتلر بحسب السردية الصهيونية وتبنيها والترويج لها كحادثة تستوجب الشجب والاستنكار وصولًا لمعاقبة ومحاسبة كلّ من ينقضها أو حتّى يدقق فيها واعتباره معاديًا للسّامية، وهو فعل يستوجب وضعه على اللائحة السوداء سواء كان المدقق شخصًا أو جهةً أو دولة. 

اعتمدت الدعاية الصهيونية على اتّجاهين: إيجابي (بما يرتبط بترويج الأحقية والشرعية) وسلبي (بما يرتبط بنقض وتشويه كلّ من يقف في مواجهة الفكرة الصهيونية وخصوصًا كلّ من قاوم ويقاوم في العالمين العربي والإسلامي): 

في الجانب الإيجابي: 

 -     اعتبار الكيان "الإسرائيلي" حقيقة تاريخية. 
 -     اعتبار الكيان جزءًا من "الحضارة الغربية" بما تمثل من تقدّم وتطوّر وحداثة. 
 -     اعتبار الكيان دولة ديمقراطية ومثالًا يجب أن يحتذي به المحيط. 

في الجانب السلبي: 

 -     اعتبار كلّ ما هو عربي وإسلامي متخلفًا ورافضًا لأي تطوّر وعصرنة. 
 -     الدول العربية والإسلامية هي مجرّد أنظمة ديكتاتورية تكتسب شرعيتها من العداء للكيان الصهيوني (على الرغم من تطبيع العلاقات بين العديد من الأنظمة مع الكيان لا يزال هذا التصنيف قائمًا لتحقيق مزيد من الابتزاز). 

 -     اعتبار العرب والمسلمين مجرّد متوحشين وإرهابيين. 
 -     اعتبار حركات التحرّر العربية والإسلامية مجموعات تخريبية هدفها تشويه الفكرة الصهيونية والقضاء عليها وبالتالي يجب تصفيتها وإزالتها من الوجود. 

مع بدء معركة طوفان الأقصى استخدم الكيان الصهيوني ولا يزال مستوى غير مسبوق من التوحش وتفنّن في ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية عبر استخدام القوّة المُفرطة غير المتناسبة، وعبر ضرب عرض الحائط بالقانون الدولي الإنساني وبميثاق الأمم المتحدّة الذي مزّقه مندوب الكيان على منبر الأمم المتحدة على مرأى من كلّ الأعضاء. 

على الرغم من عدم حدوث تبدُّل كبير في الموقف من الكيان الصهيوني على مستوى دول الغرب الجماعي بشكل خاص وعلى مستوى العالم بشكل عام إلاّ أن مقدّمات تحولات بدأت بالظهور إلى العلن من خلال آلاف التظاهرات التي تمّ تنظيمها في الغرب ومن ضمنها عواصم أميركا وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية علمًا أن من بين المنظمين والمشاركين نُخب وجاليات يهودية رافضة للصهيونية وهو أمرٌ هام يجب الاستثمار فيه بشكل مكثّف وفعّال. 

أمام هذه الوضعية وبوجود هذه المقدّمات من التحوّلات يبدو ضروريًا وملحًّا التركيز على سلوك العدّو وتوحشه ونقض سرديته، وهو أمر يحتاج إلى جهدٍ كبير لكنّه يبدأ بوضع عناوين العمل وهو ما يجب أن يكون من ضمن مهام النُخب ونقل الجهد من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي الأكاديمي واعتبار الجهد جزءًا لا يتجزأ من المعركة عبر حثّ الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي على نشر منشوراتهم باللغات الأجنبية المؤثرة والتواصل مع الناشطين الذين ينبذون الصهيونية والتعاون معهم للتأثير في مجتمعاتهم وإدارات أنظمتهم السياسية، فهذا نتنياهو مع إدراكه أن التعاطف مع "المظلومية" بدأ بالتدني ذهب ليجتمع بـ 250 من المؤثرين الأميركيين ووضع ميزانية ضخمة -نحو 250 مليون دولار- لتجميل صورة الكيان المُشّوهة. إضافة إلى ذلك أعلن زعيم الصهيونية الانجيلية ومستشار ترامب السابق مايك إيفانز بحضور نتنياهو أنّهم سيدربون 100 ألف "سفير مسيحي" كما أسماهم ليكونوا في بلدانهم مدافعين عن "إسرائيل" ويعملوا على مكافحة الساميّة وقال بوضوح إنّهم في حالة شراكة مع بلاكبورد وهي أكبر منصّة في العالم تخدم جامعة هارفارد وييل وكلّ  الجامعات الكبرى باستخدام تقنية التعلُّم التكيفي ليتمكّنوا من إنجاز ما يجب تجاه "إسرائيل"، كما أشار إلى أنّهم يتحضرون لإنشاء أكاديمية إلكترونية لتدريب عشرات الملايين من الإنجيليين من ضمن من قال إنهم حوالي مليار انجيلي صهيوني سيكونون جميعهم في مسار فعّال لدعم الكيان والدفاع عنه. 

منذ ما قبل نشوء الكيان الصهيوني وعدونا يُعلن عن كلّ شيء يريد فعله وتنفيذه ولم نستطع خلال عشرات العقود من وقف جموحه. والسؤال هنا: ماذا عنّا جميعًا؟ وماذا عن قدرتنا على المواجهة؟ وهل سنتعاطى مع معركة السردية على أنّها معركة جدّية تستأهل منّا حشد قدراتنا وتأطيرها؟ 

السؤال برسم كلّ من سيقرأ هذا النص وبرسم كلّ من يمتلك القدرات بتنوعها للبدء في خوض معركة على أسس علمية وأكاديمية وشعبية.

الكلمات المفتاحية
مشاركة