تحقيقات ومقابلات

أوحت بعض وسائل الإعلام أن بلدة دورس البقاعية ستكون، يوم الأحد المقبل، على موعد مع معركة شرسة، لا بل طاحنة. هذه الصورة التي يُراد إظهارها، تدفع بها آلة القوات اللبنانية الإعلامية التي عملت في الأسبوعيْن الأخيريْن على إبراز البلدة التي تضمّ خليطًا طائفيًا مُتآلفًا منذ عقود، كأنها مقبلة على امتحان مصيري، فلماذا هذا كلّه؟
تقع بلدة دورس في قضاء بعلبك، وتضمّ 555 عائلة متنوّعة مُوزّعة بين 1400 ناخب مسيحي ونحو 1250 ناخبًا شيعيًا و900 ناخب سني. بحسب العرف العائلي المتّبع، يترأّس المجلس البلدي فيها مسيحي. هذه القاعدة السارية في القرية تكريسًا للعيش المشترك القائم فيها، استطاعت القوات اليوم أن تُعكّر صفوها. فدخلت على الخطّ، وركّزت جُهدها من أجل استغلال التنوّع الطائفي وتشكيل لوائح بما يخدم الهدف: الخرق ولو بمقعد واحد.
في المعلومات الواردة من أبناء البلدة، يتضح أن القوات اللبنانية دخلت مباشرة على خطّ الاستحقاق البلدي في دورس، عبر دعم لائحة العميد المتقاعد عبده نجيم الذي يشغل عضوية المجلس البلدي الحالي، مقابل لائحة التنمية والوفاء والتيار الوطني الحر برئاسة الدكتور مارون نجيم.
بحسب مصادر أهلية من البلدة، الدعاية الإعلامية القواتية تقوم على ضرورة تحقيق إنجاز، وهو سلب مقعد ولو واحد من المجلس البلدي المرتقب، وذلك من خلال إقناع الناخبين المسيحيين بأن الوضع خطير، وهناك محاولات لتغيير هوية المنطقة والقرية. هذه الخطة تسعى لتطبيقها عبر رئيس اللائحة المضادّة العميد عبده نجيم الذي انقلب على الاتفاق البلدي الذي كان قائمًا، إذ تمّ التوافق سابقًا على أن يتناوب كلّ من العميديْن عبدو نجيم و نزيه نجيم على رئاسة المجلس البلدي ويتولّى مروان كنجو منصب نائب الرئيس، غير أن العميد عبده نجيم تنصّل، ولم يلتزم بالاتفاق، وتبيّن لاحقًا ولا سيّما خلال الانتخابات النيابية أنه بات يعمل لصالح القوات اللبنانية، خلافًا لمن كان محسوبًا، أي التيارات المسيحية الأخرى.
وعليه، ضرب الدفع القواتي الواضح أجواء التعايش العائلي في البلدة عرض الحائط، وذهب إلى تنفيذ أجندة قواتية، حتى وصل الأمر به إلى حدّ استقطاب 350 ناخبًا مسيحيًا من خارج سكان دروس للاقتراع في البلدة والتأثير في النتائج. بعد هذا التبدّل في التزامات عبده نجيم، انتخب المجلس البلدي رئيسًا آخر إيلي غصين (ثاني عائلة مسيحية في دورس).
اليوم، يبدو أن هذه الأجواء ما زالت تُرخي بظلالها على الاستحقاق البلدي. الأساليب اليوم باتت مكشوفة، والعمل الجاري قوامه الأموال وشراء الأصوات ورهْن الهوية الشخصية للناخب حتى يوم الاقتراع في 18 أيار 2025 المقبل، وإطلاق التهديد والوعيد من قبل بعض المرشحين لأهل البلدة.
ووفق العارفين في المنطقة، تراهن القوات اللبنانية اليوم على تخفيض نسبة الاقتراع لدى الناخبين المسلمين ولو بـ 250 صوتًا.
ويرى العارفون، أن لهذا النشاط القواتي هدفًا أكبر، يتعدّى الحدود البلدية، ليصل إلى الانتخابات النيابية عام 2026، ولذلك يعتبر المنطق القواتي أن الفوز البلدي يُمهّد الطريق أمام معركة النيابة على صعيد بعلبك الهرمل، ولو بمقعد شيعي، لا مسيحي.