مقالات

في واحدة من أكثر المناطق توترًا وحساسية على الخارطة الجيوسياسية العالمية، يستمر الصراع بين الهند وباكستان في فرض نفسه كأحد أكثر النزاعات تعقيدًا وتشعّبًا. فالعلاقة بين البلدين لا تُختزل في التنافس العسكري فحسب، بل تمتد إلى جذور سياسية وتاريخية عميقة منذ الانفصال عام 1947، تغذيها الخلافات الإقليمية، وفي مقدمتها النزاع على منطقة كشمير، إلى جانب شبكة معقّدة من التحالفات الدولية التي تحوّل جنوب آسيا إلى ساحة صراع غير مباشر بين قوى كبرى كالصين وروسيا والولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، تكتسب المقارنة بين القدرات العسكرية للجيشين الهندي والباكستاني أهمية خاصة، لا لفهم توازن القوى التقليدي فحسب، بل لرصد ما تحمله التطورات العسكرية من رسائل سياسية وإستراتيجية. وتبرز هذه الأهمية بشكل خاص في ضوء حوادث مفصلية مثل إسقاط باكستان لطائرة "رافال" الهندية الفرنسية الصنع، والتي لا تمثل مجرد حدث ميداني، بل مؤشرًا على تغير محتمل في قواعد الاشتباك، وتحوّلًا في حسابات الردع، بما قد يعيد رسم حدود التصعيد السياسي والعسكري بين البلدين، بل وبين معسكرات الدعم والتحالف على المستوى الدولي.
مقارنة القدرات العسكرية بين الجيشين الهندي والباكستاني
الفروقات العسكرية بين الجيشين الهندي والباكستاني كبيرة إذا ما وضعت على ميزان القدرات القتالية، وربما سترجح كفّة الهند على مستوى القدرة الماديّة التقليديّة، إذا ما حيّدنا القدرة النووية التي يُستبعد استخدامها في المنظور القريب من قبل باكستان، مع العلم أنها سلاح كاسر لكل التوازنات، إذ يعتبر سلاحًا ردعيًا وليس عملياتيًا لما له من محاذير عالمية لاستخدامه، وتداعيات خطيرة على المستوى الإقليمي والعالمي، تحول دون التجرؤ عليه سوى ضمن النطاق التكتي وهذا ما يجعله متكافئًا، لأن الجيش الهندي في المقابل يمتلك أسلحة ذات رؤوس نووية أيضًا. فلا بد لنا من استعراض سريع للقدرات العسكرية للجيشين.
1. الميزانيّة العسكريّة:
الهند تملك ميزانية دفاعية ضخمة تُقدر بحوالي 73 مليار دولار أميركي سنويًّا (أي ما يعادل 3.7 % من الناتج المحلّي)، مما يسمح لها بامتلاك معدات حديثة ومتطورة.
في حين أن ميزانية الدفاع الباكستانية أقل بكثير مقارنة بالهند، تُقدر بحوالي 8.5 مليارات دولار أميركي سنويًّا (أي ما يعادل 4% من الناتج المحلّي).
2. القوّة البريّة:
يعد الجيش الهندي من أكبر جيوش العالم من حيث عدد الأفراد، حيث يمتلك أكثر من 1.4 مليون جندي.
في حين أن الجيش الباكستاني أصغر من نظيره الهندي، ويقدّر بحوالي 650,000 جندي.
يتمتع الجيش الهندي بقدرات برية واسعة ومتنوعة، فهو يمتلك ما يزيد عن 4600 دبابة من نوع "T - 90"الروسيّة و"Arjun" المحلّية، ومدافع ذات قدرة عالية. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع الجيش الهندي بقدرة كبيرة على التحرك والإمداد في الجبال والبيئات المتنوعة مثل المناطق الحدودية مع الصين وباكستان.
الجيش الباكستاني يمتلك ما يزيد عن 2800 دبابة من نوع "T - 80" و"Al Khalid"، كما أن القوات البرية أكثر تخصصًا في أساليب الحرب السريعة. ويتمتع الجيش الباكستاني بقدرة على التكيف مع التضاريس الجبلية في المناطق الحدودية مع الهند.
3. القوّة الجويّة:
يمتلك سلاح الجو الهندي وسائط حديثة ومجهزة تجهيزًا متقدمًا، ويملك ما يزيد عن 1700 طائرة مختلفة، منها طائرات "Rafale" الفرنسية (المتطورة في الحرب الإلكترونية)، بالإضافة إلى الطائرات الروسية "SU - 30" و"MIG - 29" والأميركيّة "F - 16" وطائرات محلّية "HAL Tejas" وغيرها من الأنواع. كما يطوّر الجيش الهندي باستمرار قدرات طائراته المقاتلة ويعمل على تحديث تقنيات الذخائر الجويّة.
السلاح الجوي الباكستاني أقل قدرة بالمقارنة، فهو يمتلك ما يزيد عن 1000 طائرة من أنواع مختلفة، ولكن أبرزها طائرات "JF - 17" الصينية، بالإضافة إلى بعض الطائرات المقاتلة الأميركية مثل "F - 16".
لذا يمكن القول إن قوة الطيران الباكستانية لا تضاهي قوة الطيران الهندي من حيث العدد أو التكنولوجيا المتطورة.
4. القوّة البحريّة:
تمتلك الهند أكثر من 150 قطعة حربية (من بينها حاملة طائرات). في حين تمتلك باكستان ما يزيد عن 50 قطعة بحرية أبرزها الفرقاطة الصينية "Type 054A".
5. القدرات النوويّة:
تعتبر الهند سادس أكبر قوة نوويّة في العالم، وتقدر ترسانتها النووية بنحو 180 رأسا نوويًّا، خُصِّصت لها منظومة إطلاق ثلاثية متطورة من الطائرات والصواريخ الأرضية والغواصات النوويّة الحاملة للصواريخ الباليستية.
وقد بدأت برنامجها النووي في خمسينيات القرن العشرين، سعيًا لتحقيق توازن في صراعها مع الصين، مدفوعة بتصاعد التوّتر العسكري مع باكستان.
فيما تعتبر باكستان سابع أكبر قوة نوويّة في العالم، ويُقدر مخزون ترسانتها بحوالي 170 رأسًا نوويًّا، تعضدها بنية نوويّة تحتية واسعة قادرة على تخصيب المزيد من اليورانيوم، والعديد من المفاعلات لإنتاج البلوتونيوم، مع منظومة إطلاق متطورة ومتعددة.
ورغم مواجهتها تدقيقا دوليًّا وخضوعها لعقوبات اقتصادية وعسكرية، تصرّ على الاحتفاظ بسلاحها النووي وتطويره، إذ تتبنّى مبدأ "الضربة الأولى" كردع ضدّ التفوق الهندي التقليدي، في ظل صراعهما المستمر حول إقليم كشمير.
6. التحالفات:
لدى الهند شراكة مع الولايات المتحدة واتفاقيات دفاع مشترك، بالإضافة إلى تدريبات ومناورات مشتركة. كما أنها مدعومة من قبل دول حلف شمال الأطلسي ومن بينها فرنسا وبريطانيا.
ولدى باكستان تحالف مع الصين واتفاقيات تطوير مشترك.
من هنا تبرز حدة الصراع الهندي الباكستاني كحلبة جديدة بين قطبي الصراع، الولايات المتحدّة الأميركيّة والصين. وميدان تجارب في ظل التنافس الجديد بين الصناعات العسكرية الصينية والأميركية ومعها الفرنسية.
من هنا يمكن الحديث عن تداعيات إسقاط باكستان لطائرة رافال الفرنسيّة الهنديّة.
تداعيات إسقاط باكستان لطائرة الرافال الفرنسية الهندية
يعتبر سلاح الجو أحد أهم عناصر التفوق لدى الجيوش في قياس موازين القوى في ما بينها، لما يمتلك من قدرات عملياتية وتكتيكية تخوّله تقديم الدعم الناري والاستخباري لبقية الأذرع القتالية في الجيش في إطار الهجوم أكثر من الدفاع، خاصة إذا ما تحدثنا عن أدوات الحرب الحديثة وتقنياتها، فسنجد أن المسرح الجوي هو الميدان الأفضل لتنفيذ هذا النوع من الحروب، وكذلك الوسائط الجوية بمختلف أنواعها وأحجامها لها الدور الأعظم في تنفيذ هذا النوع من الحروب، بدءًا من الطائرات المأهولة وصولًا إلى المسيرات والدرونات، وكذلك الوسائط المدمجة التي تقدم خدمات الاستخبار والنار، بالإضافة إلى الذخائر الذكية والمتسكّعة وأنواع التوجيه والتحكّم، كلها تعتمد على المسرح الجوي وهي جزء من الوسائط الجوية.
لذا يمكن القول بأن امتلاك الدول المدافعة وسائط دفاع وحماية من مختلف التهديدات الجوية، يجعلها تمتلك القدرة الكافية على سلب عنصر التفوق الجوي وأخذ المبادرة على هذا الصعيد، وعلى وجه الخصوص في مقابل الوسائط الجوية المتطورة تكنولوجيًا، كالتي تستخدمها الهند اليوم في حربها على باكستان، كطائرات "رافال" الفرنسية، بالإضافة إلى طائرات روسية وأميركية متطورة. لأن إسقاط هذا النوع من الطائرات، سيثير تساؤلات عن فاعليتها في مقابل الدفاعات الجوية الباكستانية.
1. التداعيات العسكرية:
إن إسقاط المقاتلة المتطورة رافال الفرنسية الصنع، له أثر كبير على مجريات الأحداث، إذ إنه بالإمكان القول إن إسقاط مقاتلات متطورة من هذا النوع كفيل بحرف مسار الصراع، وسلب المبادرة لقوة الهجوم الهندي، وقد يؤدي إلى تصعيد حاد في النزاع بين البلدين، وقد يستدعي ردًا هنديًا بضربة جوية على مواقع باكستانية كما حدث بعد هجوم بولواما 2019، لأن إسقاط الطائرات المقاتلة يُعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن الهندي.
وهذا الرد كفيل بجر الأحداث إلى تصاعد التوترات في منطقة كشمير، وتصعيد محدود لتفعيل عتبة الأسلحة النوويّة، خاصة إذا استهدف منشآت إستراتيجية.
2. التداعيات السياسيّة والإقليميّة:
إن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى تأجيج القومية وبالتالي تصعيد الخطاب المعادي في البلدين.
كما يمكن أن يكون للصين دور في دعم باكستان دبلوماسيًا وعسكريًا، مثل حظر قرارات ضدّها في الأمم المتحدة، مما قد يؤدي إلى احتدام المشادات في المحافل الدولية. وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز التحالفات العسكرية في المنطقة، مثل تحالفات الهند مع الدول الغربية، أو تعزيز تحالف باكستان مع الصين.
3. التداعيات الاقتصاديّة:
قد تواجه باكستان عقوبات اقتصادية، خاصة إذا استخدمت أسلحة أميركية الصنع كالمقاتلة F - 16. أما على الجانب الهندي فقد يؤدي إسقاط الطائرة إلى سوء العلاقات مع فرنسا باعتبارها فشلت في مهامها العملياتية، خاصة وأن استثمارها كان بقيمة 8.7 مليارات دولار.
وعلى وجه آخر قد يؤدي إسقاط فخر الصناعة الفرنسية، وطائرة متطورة من الجيل الرابع إلى تدهور القيمة التسويقية للأسلحة الغربيّة وخاصة الفرنسيّة، وزيادة القيمة التسويقية للدفاعات الجويّة الصينية (مثل نظامHQ - 9 ).
في النهاية، تعكس المقارنة بين القدرات العسكرية للجيشين الهندي والباكستاني التفاوت الواضح في العديد من المجالات، بدءًا من الميزانيات الدفاعية الضخمة وصولًا إلى التكنولوجيا المتقدمة في الأسلحة والأنظمة العسكرية. ورغم التفوق الهندي في العديد من الأصعدة، يبقى التوازن النووي بين البلدين عنصرًا حاسمًا في أي صراع محتمل، مما يضع ضغوطًا كبيرة على استخدام القوّة العسكرية التقليدية. أما حادثة إسقاط الطائرة "رافال" الفرنسية من قبل باكستان، فهي ليست مجرد حادث عسكري، بل لها تداعيات عميقة على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية. التصعيد المحتمل نتيجة لذلك قد يقلب موازين الصراع بين البلدين، ويعزز التحالفات الإقليمية والدولية ذات الصلة. وفي ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري أن تعمل القوى الكبرى والمجتمع الدولي على تعزيز سبل الحوار والتهدئة لمنع الانزلاق نحو التصعيد الشامل، خاصة في منطقة حساسة مثل كشمير، إذا ما لم تسعَ الولايات المتحدة الأميركية إلى إعادة تأجيج الصراع، لمنع الهدوء في جنوب آسيا، وخلق حالة توتر دائم في وجه الصين، وتحريك عجلة التسلح والسوق العسكرية. فهي التي تسعى دائمًا إلى خلق حالات التوّتر والصراعات العرقية والقومية وغيرها، وفي نهاية المطاف وكما جرت العادة، تحمّل الخسارة لغيرها خصمًا كان أو حليفًا.