اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي من فوردو إلى المحكمة: ترامب يُنقذ نتنياهو

تكنولوجيا

وهم التفكير.. حينما تتظاهر الآلة بأنها تفكر
تكنولوجيا

وهم التفكير.. حينما تتظاهر الآلة بأنها تفكر

النماذج اللغوية الحديثة تُظهر سلوكًا يشبه التفكير، لكنها في الواقع تكرر أنماطًا لغوية من دون وعي أو فهم حقيقي
63

في السنوات الأخيرة، شهدنا قفزة هائلة في قدرات الذكاء الصناعي، خاصة مع ظهور ما يُعرف بنماذج اللغة الكبيرة مثل ChatGPT وClaude وGemini. . هذه النماذج لم تعد تكتفي بإعطاء الإجابات مباشرة، باتت تنتج ما يُشبه سلسلة من "الأفكار" التي تسبق الجواب، على غرار طالب يشرح خطوات حله في امتحان الرياضيات. لهذا السبب، ظهرت تسميات جديدة مثل "نماذج التفكير الكبيرة" (Large Reasoning Models) التي توحي بأن الذكاء الصناعي لم يعد يحاكي اللغة فقط، بات يفكر ويخطط ويسوّغ.


لكن هل هذا التفكير حقيقي؟ 


دراسة حديثة أجراها فريق بحثي من شركة Apple بعنوان "وهم التفكير" "The Illusion of Thinking: Understanding the Strengths and Limitations of Reasoning Models via the Lens of Problem Complexity"  تطرح هذا السؤال بقوة، وتكشف من خلال تجارب دقيقة أن ما يبدو "تفكيرًا" في الواقع قد يكون مجرد تقليد ذكي لأنماط مألوفة، وليس عملية عقلية واعية كما نتخيل.


الدراسة استخدمت بيئات منطقية بسيطة لكنها قابلة للتعقيد، مثل لعبة برج هانوي أو لغز عبور النهر. هذه الألعاب تسمح للباحثين بالتحكم في درجة الصعوبة بدقة، ومراقبة كيف يتصرف النموذج في كل مرحلة. المفاجأة أن النماذج كانت تؤدي جيدًا عندما تكون الألغاز سهلة، حتى وتُظهر نوعًا من التفكير المنطقي المتماسك. ومع زيادة التعقيد، استمرت المحاولات، لكن عند نقطة معينة، كانت النماذج تنهار تمامًا. ليس فقط تفشل في إيجاد الحل، إيضًا تتوقف عن المحاولة، وكأنها فقدت قدرة  "التركيز".


ما يزيد الأمر إثارة، أن النماذج في بعض الحالات كانت تحصل على الخوارزمية الصحيحة مسبقًا، أي إن المطلوب منها فقط هو تنفيذ خطوات جاهزة بدقة. ومع ذلك، لم تنجح في الوصول إلى الحل. هذا يعيدنا إلى سؤال أعمق: هل تفهم هذه النماذج ما تفعله فعلًا أم أنها تتبع أنماطًا محفوظة وحسب ولا تدرك مغزاها؟


عندما نقارن بين تفكير الإنسان وتفكير هذه النماذج، تظهر الفجوة بوضوح. العقل البشري لا يكرر الأنماط فقط، هو يفهم السياق أيضا، ويكوّن أهدافًا، ويعيد النظر في خطواته عند الضرورة. الإنسان يعرف متى يغير استراتيجيته، ويمتلك شعورًا داخليًا بالخطأ والصواب، مدفوعًا بالنية والخبرة والحدس. أما نموذج الذكاء الصناعي، فهو يولد كلمات مبنية على احتمالات إحصائية؛ هو لا "يعرف" ما الذي يقوله، ولا يدرك إن كان يفكر أصلًا. يبدو ذكيًا لأن لغته منسقة، وأسلوبه مطمئن، لكن لا وجود لوعي أو فهم حقيقي وراء تلك الكلمات.


الدراسة توصلت، أيضًا، إلى أن هذه النماذج تمر بثلاث مراحل في تعاملها مع المشكلات: في المرحلة الأولى، عندما تكون المشكلات بسيطة تعمل النماذج التقليدية (التي لا "تفكر") بكفاءة أعلى وتصل إلى الحلول بسرعة. في المرحلة الثانية، عندما يصبح التحدي متوسطًا، يظهر تفوق النماذج التي تُنتج سلسلة أفكار، فيبدو أن التفكير يساعدها في تجاوز العقبات. أما المرحلة الثالثة، وهي الأخطر، تبدأ عندما تصبح المشكلات معقدة بشكل يتطلب تخطيطًا عميقًا. عندها، تفشل النماذج جميعها، وتُظهر انهيارًا تامًا في الأداء، حتى لو كان لديها وقت كافٍ للتفكير.


الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه النماذج لا تحاول بذل مجهود إضافي حين تصبح المهام أصعب. على العكس، هي تقلّل من خطوات تفكيرها وتكتفي بمحاولات قصيرة، وكأنها تستسلم من دون مقاومة. هذا يشير إلى وجود حدود غير مرئية داخل هذه النماذج تمنعها من التوسع العقلي الحقيقي، حتى عندما يبدو أنها "تفكر".


في النهاية، تكشف لنا هذه النتائج شيئًا بالغ الأهمية: الذكاء الصناعي كما هو اليوم لا يمتلك عقلًا، ولا يخوض تجربة التفكير كما نعرفها نحن البشر. إنه جهاز يولد إجابات بناءً على أنماط سابقة، ويبدو ذكيًا بفضل وفرة البيانات التي دُرِّب عليها. لكن ما إن نخرجه من نطاق ما يعرفه، ونعرضه لمسألة جديدة فعلًا، حتى يتضح أن وراء المظهر المنطقي توجد فجوة عميقة في الفهم.


من المهم إذًا أن نتعامل مع هذه النماذج بوصفها أدوات قوية؛ لكنها محدودة، لا بوصفها عقولًا جديدة تنافس الإنسان. ما تحققه هذه التقنيات رائعًا ومبهرًا، لكنه لا يُغني عن الوعي البشري، ولا يمكنه أن يحل محله في مجالات التفكير العميق أو القرارات الأخلاقية أو الإبداع الحقيقي. 

 

الكلمات المفتاحية
مشاركة