خاص العهد

لم تغب قضية المقاطعة بكلّ أشكالها عمّا يعيشه المجتمع اللبناني من مظاهر وقضايا مستجدّة، فالبلد الذي قاوم كلّ محاولات التطبيع السابقة مع العدوّ الصهيوني، يعيش اليوم واحدًا من أشد الظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة، في محاولةٍ لوضعه على مسار التطبيع المخزي.
مواكبة قضية المقاطعة مستمرة، وقد كشفت حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان مؤخرًا عن وجود منتج "إسرائيلي" يدخل الأسواق اللبنانية ويحمل اسم "Moroccanoil"، وهو علامة تجارية عالمية تُنتِج مستحضرات تجميلية (كالزيوت الطبيعية)، مما استدعى تدخل ومتابعة مكتب مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان.
الأستاذة كوثر عقيل، عضو حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان، أوضحت لموقع العهد أن الشركة تأسست عام 2008 في مونتريال - كندا، وهي مُلك لـكارمن تال الكندية من أصول تشيليّة، ولزوجها "الإسرائيلي" الجنسية عوفر تال.
أطلقت كارمن تال شركتها من الكيان المحتل، لينتقل مقر الشركة الرئيسي لاحقًا إلى نيويورك، بينما لا زالت الشركة تصنّع معظم منتجاتها في الكيان، وقد عملت الحملة على تحضير الملف بكلّ تفاصيله، وتابعت عملية البحث عن الصفحات التجارية التي تبيع هذا المنتج والموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً وأن عملية الشراء تتم من متاجر إلكترونية، وقد تمكّنت الحملة فعلًا من رصد إحدى الصفحات التي تبيع هذا المنتج في رفوف متجرها، ورفعت الملف كاملًا إلى مكتب المقاطعة في وزارة الاقتصاد لمتابعة الأمر وسحب المنتج من السوق اللبناني.
في سياق متصل أشارت عضو الحملة إلى أن القانون يحمينا حين تكون معركتنا مباشرة مع "إسرائيل" وهذا القانون تبنّاه لبنان عام 1950 في جامعة الدول العربية، ويعاقب هذا القانون على جرم التطبيع أو التعامل مع العدوّ بالحبس والأشغال الشاقة (رغم الحاجة إلى تعديل بنوده لتواكب التحديات والخروقات الراهنة)، وفي هذا النوع من المقاطعة (حالة منتجات تابعة للعدو مباشرة) تكون الإجراءات أسهل من تلك المرتبطة بـ"منتجات داعمة له"، وكذلك الأمر في ما يتعلق بمكتب المقاطعة حيث يتحرك المعنيون مباشرة في الحالة الأولى.
وعن كيفية متابعة مكتب المقاطعة التابع للوزارة لقضايا مرفوعة سابقًا من قبل الحملة، أكدت الأستاذة عقيل أن الحملة حققت إنجازات عديدة بهذا الشأن، على سبيل المثال لا الحصر، منذ أشهر قليلة أسفرت تحركاتها عن سحب الوزارة لمنتجات شركتي Doona وAlka من السوق اللبنانية، بعد أن تبين أن مؤسسيها "إسرائيليون"، ومنتجات عديدة أخرى، لافتةً إلى أن الحملة تسعى للتأكد من المعلومات على نحو وثيق ومن قِبل أكثر من جهة قبل رفعها للجهات المختصة.
وفي الإطار عينه، أوضحت عضو الحملة أنه ليس من السهل أبدًا على "الإسرائيلي" أن يخترق السوق اللبنانية بمنتجاته، وهي حالات نادرة بشكل عام، لكن ما يعوّل عليه العدوّ -وهو عادة سهل المنال بالنسبة إليه- هو اختراق أفكار ووعي الرأي العام لا سيما عبر الفن والأفلام وغيرها، وتكثر هذه الحالات بالطبع، لذا تسعى الحملة لرصد الأعمال الجديدة في السينما اللبنانية، إن كان من ناحية الممثلين أو المنتجين أو المخرجين أو حتّى الأفكار والقصص التي تتناولها هذه الأعمال البصرية، والتي قد تكون مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالكيان المحتل.
وعن نشاط الحملة في ظل موجات الترويج للتطبيع التي يشهدها لبنان حاليًا، شددت على أنها لا زالت تعمل بنفس الوتيرة وستبقى لحين زوال "إسرائيل" من الوجود، وأن المعركة هي في جوهرها معركة وعي ولن تتأثر بالخطابات المناهضة لمبدأ المقاطعة والداعمة للتطبيع.
ولأن المعركة هي معركة وعي، فالحملة ركزت ولا تزال على رصد وتوثيق كافة أشكال التطبيع الجديدة، وكشفها للرأي العام بطريقة دقيقة ومقنعة بالأدلة والوثائق، فضلًا عن تعزيز الخطاب التوعوي على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى عقد ندوات إلكترونية وحضورية عبر التنسيق مع المدارس والجامعات، والتوجّه من خلالها إلى الطلاب والشباب، والتواصل الدائم مع الوسائل الإعلامية لكشف مخاطر التطبيع على القضايا الوطنية، والتحذير مما يسمّى أدوات "الاختراق الناعم" للرأي العام، ولعلّ "المخاطبة المتبادلة مع أفيخاي أدرعي" هي أوضح مثال على ذلك، مع ضرورة ممارسة أدوات الضغط والمساءلة المشروعة للجهات الرسمية والقطاع الخاص والمطالبة بالالتزام بالقوانين اللبنانية التي تحظر التعامل مع العدو.
الأستاذة عقيل أكّدت على مقاربة مبدأ المقاطعة باعتباره حقًّا مشروعًا لمقاومة الاحتلال، وهو واجب وطني وأخلاقي، من خلال تثبيت مفاهيمه قانونيًا وإعلاميًا كمقاومة شعبية تتوحد في أهدافها مع المقاومة المسلّحة، بالإضافة إلى الرفض القاطع لاعتبار التطبيع "حرية رأي" لتبرير أي علاقة مع الاحتلال.
في السياق نفسه، فإنه من المؤسف أن تفاعل الرأي العام مع عملية المقاطعة يتأثر بوتيرة كبيرة عند ارتكاب العدوّ لأي عمل إجرامي، بينما انخفاض وتيرة الحرب ينعكس تراجعًا في وتيرة التفاعل، وكأنّ الرأي العام اعتاد مشاهد الإجرام والقتل، وهو ما يراهن عليه العدوّ عمليًا. وعلى الصعيد اللبناني، فإن أبرز التحديات على مستوى الرأي العام تكمن في عدم وجود قاعدة شعبية تدعم المقاطعة مقارنة مع الدول العربية الأخرى، وهذا ما يفسر فعليًا مبدأ أن معركة المقاطعة هي فعليًا "معركة وعي"، وعلى الناس أن يتخذوا المقاطعة "كخيار مقاوم، مدني، سلمي، وأخلاقي".