اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي حزب الله يُشيّع الشهيد المجاهد أحمد محمد صالح في بلدة يحمر الشقيف

تحقيقات ومقابلات

من حكايا الصمود.. 14 يومًا في بلدة الطيبة الجنوبية
تحقيقات ومقابلات

من حكايا الصمود.. 14 يومًا في بلدة الطيبة الجنوبية

186

كلما عادت ذكرى حرب تموز 2006، يغزو الحاجة سلوى صالح "أم محمد" المشهد بكله، كأن صوت الغارات يخرج من مخيلتها. ترى في إحدى الزوايا وجوه الأطفال الشاحبة، يسكنهم الخوف من أصوات القذائف. هناك جلست أختها الحامل في شهرها التاسع تستنجد بالدعاء. هي التي فقدته في رحمها بعد انقطاع "الأبر" الضرورية عنها. وفي هذا الزاوية رتل والدها القرآن، وهمست أمها بالأذكار.

14 يومًا في بلدة الطيبة الحدودية الجنوبية، قضتها مجموعة من النسوة مع أطفالهن. المشهد في القرية أشبه بفيلم سينمائي، تصفه أم محمد؛ عدد كبير من المنازل المدمرة وشوارع خالية من أهلها. "كل شيء هنا يمشي على مهل، ساعات بطيئة، ما عدت أحصيت البيوت التي تنقلنا بينها، ولكنني شعرت بالجدران التي شقتها القذائف".

تفاصيل تعيشها برجفة صوت أم محمد، بنبرتها؛ هن نسوة ذهبن لقضاء عطلة الصيف في الجنوب، فتحولت إلى رحلة صمود ومقاومة، تخللها الخوف والرجاء.

كان يوم الأربعاء، تخبرنا أم محمد، ذهبنا نتبضع من "السوق الأسبوعي" في القرية، فجاءت أنباء عملية الأسر البطولية. لم يأتِ في بال أحد منا أن الأمور ذاهبة إلى التصعيد. وزعنا "المغلي" احتفاءً بالعملية، تقولها ببسمة، وتردف: "وبدأت حكايتنا".

منذ اليوم الأول على العدوان، كانت الطيبة عُرضة لقصف وحشي مركّز على الأحياء والمنازل، لا سيما منها تلك المقابلة للأراضي المحتلة. "شاهدنا الموت بأم العين أكثر من مرّة". شعرنا أننا فعلًا أصبحنا في قلب المعركة. لم تتمكن فرق الدفاع المدني والإسعاف من الدخول لمساعدتنا. الطرقات انقطعت. وبدأت الوحشية الصهيونية.

كنا 30 شخصًا، أمهات حوامل، وأطفال، ومعنا رجلان فقط أبي وزوج أختي. غادرنا منزل أهلي في حي "البيادر" نظرًا لخطورة المنطقة، حيث حلَّ الذين يسكنون في الجهات المقابلة للأراضي المحتلة ضيوفًا عند جيرانهم في الأحياء الآمنة. أقمنا 3 أيام في منزل آخر، حتى نفذت مؤونتنا، فبتنا ندخل البيوت المجاورة والمحال التجارية التي خُلعت أبوابها، نأخذ منها ما تيسر. جاءنا الخبر أنه يتعين علينا مغادرة المنزل فورًا. خرجنا على عجل، وسط بكاء الأطفال، وأصوات الغارات. فنزلت حمم الغارة الجوية على المنزل الذي كنا فيه بعد دقائق. فانتقلنا إلى منزل في حي آخر من البلدة.

هنا أصبحنا نخبز بطحين وماء فقط، ونأكل رغيف خبز يابس واحد كل النهار. وعندما نفذت مياه الشرب المتوفرة، أصبحنا نقتات على العصير المعلب، ونتقوى بالشوكولا والبسكويت والسكاكر التي لا قيمة غذائية لها. أهالي القرية الذين غادروا تركوا أبواب بيوتهم ومحالهم مفتوحة للصامدين وللمقاومين على حد سواء. مقاومة من نوع آخر. هو كرم أهل العطاء.

وفي إحدى الليالي الصعبة، التي ضجّت فيها مسامعهم بأصوات القصف والغارات، اخترق المنزل صاروخ فأردى أسقف الطوابق العلوية. انتشلتنا يد العناية الإلهية من الموت، حيث كنا في الطابق الأرضي. خرجنا مع أطفالنا من تحت الركام. لا يزال أصوات بكاء الأطفال وصراخ النساء في ذاكرتي. كيف لنا أن نتجاور الموت، أن تصير اللحظة التالية أمرًا غير حتمي.

تحدثنا عن مشهد ابنتها التي وضعت رأسها بين يديها، "يا ماما هل انفجرت أذني؟". رحت أحدّث نفسي: "ما ذنبها هذه المسكينة؟". لا أنسى الليالي التي أمطرت فيها السماء قذائف، كيف كنا على أهبة الاستعداد للساعة التي نضطر فيها للهروب.

تروي لنا كيف تلاشت يومياتهم ليحلّ محلها طنين المسيّرات وهدير الطائرات وأصوات الصواريخ وعصف الانفجارات. أن يُختصر الكون إلى أمتار قليلة، في غرفة واحدة.

في المنزل الأخير، كنا بلا طعام، بلا ملابس، خارجين من بين الركام، حتى جاءنا أحد الشباب يعلمنا أن جيش العدو الصهيوني بات خلفنا، وعلينا المغادرة فورًا. كأنها "فرصة النجاة الوحيدة". ولكن كيف السبيل إلى ذلك مع عدم وجود وسيلة نقل؟ هنا سلمنا أمرنا، أطفأنا الأضواء، والهواتف، عانقنا بعضنا، وتركنا الأمر لله.

رغم الظروف المستحيلة والطرقات المقطوعة، جاءني الاتصال أن زوجي قادم مع أخيه، مستغلًا هدنة الساعات، للسماح للمدنيين بمغادرة القرى الحدودية، " يا الله"، "يا ميسِّر". بين الغارات والقصف وصلا. 30 شخصًا أمام سيارتَي "BM" صغيرتين. كل سيارة احتضنت 15 شخصًا. لا أدري كيف حصل ذلك! إلى الآن لا أملك جوابًا!، قرأنا ما حفظت ذاكرتنا من أدعية وأذكار، وانطلقنا.

استغرقت الطريق ساعات إلى بيروت. لم أرَ شيئًا من الطيبة إلى مرجعيون. كان همي الوصول بأمان. هناك في مرجعيون تنفست الصعداء، وحين وصلت إلى بيروت وضعت يدي على قلبي؛ هناك فقط قلت: "سبحان من يبعث القوة والسكينة في القلوب، فصمدنا وثبتنا حتى النهاية".

وتختم: "كانت الحرب قاسية جدًا، لكن بالرغم من ذلك، كنا نشعر بأجواء من الهدوء والتسليم والتوكل على الله، متشبثين بقرار الصمود واليقين بالنصر".

الكلمات المفتاحية
مشاركة