فلسطين

غزة تحت المجاعة: حين يحاول نتنياهو قلب الحقائق
من الميدان إلى الإحصاءات.. ما يثبت بطلان رواية نتنياهو عن التجويع
في الوقت الذي تحذّر فيه وكالات أممية ومنظمات حقوقية دولية من كارثة إنسانية غير مسبوقة تضرب قطاع غزة وتسلّط الضوء في تقاريرها على جريمة التجويع التي يفرضها الاحتلال الصهيوني على أهالي القطاع، خرج رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني المجرم بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحفي الأحد 10/8/2025، ليطلق مزاعم جديدة بأنه ليس مسؤولًا عن المجاعة، ويهاجم الأمم المتحدة ووسائل إعلام عالمية، بينها صحيفة "نيويورك تايمز"، متهمًا إياها بـ"الكذب" و"فبركة الصور"، بل يلقي بالمسؤولية على الأمم المتحدة التي رفصت توزيع المساعدات، بحسب قوله.
تعتبر هذه التصريحات محاولة بائسة لتشويه الحقائق، إذ تكذبها التقارير الأممية الموثقة بالصوت والصورة بشكل قاطع. فكيف يعقل أن ينفي مجرم حرب، الذي يستهدف يوميًا المنتظرين للمساعدات والمدنيين في مخيمات النازحين من أطفال ونساء مجوعين، مسؤوليته عن جريمة التجويع، في حين هو نفسه يقتل ويدمر ويرتكب أفعالًا أشد قسوة من مجرد التجويع؟
وعلى الأرض، المشهد أبلغ من أي بيان سياسي أو مؤتمر صحفي. فبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، لم يدخل القطاع خلال الأسبوعين الماضيين سوى 1,210 شاحنة، أي 14% فقط من الاحتياج الفعلي البالغ 8,400 شاحنة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان. المساعدات التي وصلت، تعرّض معظمها للنهب في ظل "فوضى أمنية متعمدة" يخلقها الاحتلال، بينما يحتاج القطاع إلى 600 شاحنة يوميًا لتجنب مجاعة تضرب 2.4 مليون نسمة.
إذا كان الاحتلال يمنع دخول 86% من المساعدات الضرورية، فكيف لنتنياهو أن يتنصل من مسؤوليته عن شن حرب التجويع، وهو الذي يفرض شروطها ويصنعها يوميًا؟
التقارير الميدانية والموثقة من برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية تؤكد أن غزة دخلت مرحلة "المجاعة المؤكدة"، حيث يواجه ربع السكان خطر الجوع الطارئ. وزارة الصحة الفلسطينية سجلت 217 وفاة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي بسبب الجوع وسوء التغذية، بينهم 100 طفل، وسط تحذيرات من "انفجار كارثي" مع انعدام المكملات الغذائية وانهيار البنية الصحية.
هذه الإحصاءات الدولية لا تأتي من خيال أو دعاية، بل من أرض الواقع، وهي شهادة دامغة على أن المجاعة ليست "أكذوبة"، بل جريمة مكتملة الأركان من صنع صهيوني مئة بالمئة.
صور وفيديوهات من داخل غزة – بعضها نشرته وكالات دولية وصحف أجنبية – تظهر فلسطينيين يبحثون عن حبات المعكرونة المتناثرة على الأرض لإطعام أطفالهم، وأطفالًا نحيلين نُقل أكثر من 20 ألفًا منهم إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد، في حين يُقدّر عدد الأطفال دون سن الخامسة المحتاجين لمساعدات علاجية بـ300 ألف، بالإضافة إلى 150 ألف امرأة حامل أو مرضع مهددات بفقدان حياتهن أو حياة أطفالهن.
هذه المشاهد الحية وحدها كافية لفضح الأكاذيب، فمن يرى طفلاً يلفظ أنفاسه جوعًا لا يمكنه أن يصدق كلمات نتنياهو الملطخة بالدماء.
أمام هذا الواقع، تدعو المنظمات الحقوقية والأممية – مثل يونيسف والفاو – إلى تحرك عاجل وفتح المعابر دون قيود، وتعتبر سياسة منع المساعدات جريمة حرب وجزءًا من "هندسة التجويع" التي تمارسها "إسرائيل". حتى الأسرى "الإسرائيليون" في غزة ظهرت عليهم – في مقاطع مصورة – آثار الجوع، ما ينقض رواية نتنياهو نفسه، وهذا ينفي رواية الاحتلال ويؤكد أن سياسة التجويع شاملة ويقف خلفها قرار سياسي صهيوني متعمد.
إن محاولات رئيس حكومة الاحتلال قلب الحقائق واتهام الإعلام الدولي بـ"الكذب" لا تمحو الأدلة الحية والموثقة، ولا تمحو شهادات الميدان التي تؤكد أن ما يجري هو عملية إبادة جماعية بطيئة عبر التجويع. والسؤال الذي يطرحه كل من تابع الصور والفيديوهات الصادمة من غزة:
أما يخجل نتنياهو من إنكار مجاعة موثقة أمام العالم، بينما الجرائم تُبث على الهواء؟