عين على العدو

كتب الصحافي الصهيوني عاموس هرئيل معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس الإسرائيلية": "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه صعوبة في تسويق حيلته المعتادة. يحاول تسويق قرار الكابينيت بشأن عملية احتلال مدينة غزة، في خطوة جديدة ستؤدي أخيرًا إلى حسم المعركة مع حماس. لكنّ القليل مستعدون لتصديق هذا الوعد المستهلك. رئيس الأركان إيال زمير يعتقد أن الخطة العملياتية المحدودة التي عرضها هي الأفضل. أما أحزاب اليمين المتطرف التي طالبت بالعملية؛ فترى أنها غير واسعة بما فيه الكفاية. ويبدو أن معظم الجمهور الإسرائيلي يفضل أصلًا إنهاء الحرب، في إتمام صفقة تبادل الأسرى، حتى وإن كان الثمن باهظًا".
يتابع هرئيل: "وزير المالية بتسلئيل سموتريتش نشر، مساء السبت، مقطع فيديو قصيرًا يعلن فيه عدم ثقته بقدرة نتنياهو على قيادة "إسرائيل" نحو حسم الحرب والانتصار فيها. هذا أمر غير مسبوق: بطريقة تبدو وكأنها طبيعية، لا يستخلص سموتريتش في الوقت الحالي النتيجة المنطقية من تصريحه، ولا يعلن استقالته من الحكومة. ولمَ يفعل ذلك؟ فما تزال هناك مهام "مهمة" أخرى؛ مثل: ضم الضفة الغربية والاستمرار في نهب المال العام لمصلحة المنافع الفئوية للحريديم والمستوطنين، وتدهور الاقتصاد وتمرير قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية. وربما لا يدعو ذلك للدهشة على الإطلاق: فسموتريتش ونتنياهو يرفضان حتى اليوم الاعتراف بمسؤوليتهما عن الإخفاقات التي مهدت الطريق للمجزرة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول"؛ بحسب تعبيره.
كما يرى هرئيل أن نتنياهو، والذي تعرض لهجوم من جميع الاتجاهات منذ إعلان قرار الكابينيت، عقد أمس بشكل استثنائي مؤتمرين صحفيين، أحدهما بالإنكليزية والآخر بالعبرية. وعلق الكاتب: "مشاهدة الحدث الثاني لم تكن تجربة سهلة؛ فرئيس الحكومة ما يزال مقدمًا بارعًا، لكن مضمون تصريحاته كان مستفزًا للغاية: في احتفاظه بحق توجيه السؤال الأول، كالمعتاد، لممثل القناة 14 في عرض تطبيل واضح، إلى سلسلة من التملصات المرتبكة والمتناقضة والكاذبة بشأن جهود الائتلاف لتمرير قانون الإعفاء من التجنيد لليهود الحريديم. نتنياهو تظاهر وكأنه لم يسمع تصريحات عضو الكنيست أرييه درعي من حزب شاس الداعمة للإعفاء من الخدمة، وكرر الادعاء المضلل بأن الغالبية العظمى من الأسرى أُعيدوا سالمين، في حين أن عددًا كبيرًا منهم قد قُتلوا، وحرّف حقائق تجنيد الاحتياط المتوقعة، ومجددًا وعد بالنصر، هذه المرة في قطاع غزة. لكنه لم يتمكّن من شرح لماذا سيتحقق ذلك الآن، بعد أن فشل في جميع قرارات الكابينيت السابقة".
من جهة أخرى؛ يؤكد الكاتب: "في هذه الأثناء، وكما هو متوقع، ظهرت مبادرة جديدة قطرية–مصرية لدفع صفقة تبادل الأسرى قدمًا. يبدو أن الخطوة تستهدف التوصل إلى صفقة جزئية، مع أن ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب غيّر مؤخرًا موقفه، وأصبح يدفع نحو صفقة شاملة. من المتوقع أن تزور بعثة من حماس القاهرة، هذا الأسبوع، لاستئناف المحادثات، وقد تُعقد لاحقًا جولة تفاوضية أيضًا في الدوحة، عاصمة قطر، وربما بمشاركة وفد إسرائيلي. بعد أن حصلت حماس على ما أرادته، فتحت أبواب المساعدات الإنسانية بشكل أوسع، ولن يبقى للحركة عذر لتجنب المفاوضات لمدة طويلة، إلا إذا قامت إسرائيل فعلًا باجتياح غزة. وفي غضون ذلك، سيكون بإمكان نتنياهو أن يدّعي أن استئناف المحادثات، إذا تم بالفعل، هو إنجاز أول لخطة احتلال غزة التي صادق عليها الكابينيت".
ينتقل الكاتب ليعلق على مذيعي "القناة 14" الذين باتوا يدعون علنًا للتضحية بحياة الأسرى وبعدد كبير من الجنود، بحجة أن هزيمة حماس أهم. ويقول موضحًا: "في الكابينيت، ضغطت الوزيرة أوريت ستروك (من الصهيونية الدينية) لتقليص أولوية تحرير الأسرى ضمن أهداف الحرب. وليس مؤكدًا أن هذا ما يريده نتنياهو فعلًا. إذ إنّ هدفه الأساسي هو كسب الوقت كي تفادي إنهاء الحرب وتأجيل صفقة تسوية قد تجبره على المواجهة مع أحزاب اليمين الديني المتطرف. والضغط الأميركي عليه محدود في هذه المرحلة، باستثناء مطالب بالامتثال للمعايير الإنسانية في حال حدوث إخلاء قسري لسكان مدينة غزة. ويبدو أن المسألة مرتبطة بالانتباه الدولي: ويتكوف وترامب منشغلان حاليًا بمحاولات تحقيق السلام في جبهات أخرى (بين أذربيجان وأرمينيا، وروسيا وأوكرانيا). وإذا ما حصل ترامب على جائزة نوبل للسلام بحال نجحت هذه المبادرات، فقد يتضاءل اهتمامه بما يحدث في غزة".
بخصوص دور زامير رئيس الأركان؛ يرى الكاتب أنه مرّ بتجربة صعبة ومحبطة أخرى في اجتماع الكابينيت الأخير: "فهو ليس لاعبًا ساذجًا أو عديم الخبرة في الساحة السياسية، فقد عمل ثلاث سنوات تقريبًا مساعدًا عسكريًا لنتنياهو، وهي كافية لإعداد أي شخص لمعظم السيناريوهات المحتملة. ومع ذلك، تعرّض لإهانة علنية وسلسلة من الاتهامات والتلميحات من بعض الوزراء، بدعم ضمني من نتنياهو نفسه. زامير لا يزال مقتنعًا بأن الحل الذي اقترحه، خلال الجلسة، أفضل من ذاك الذي أقرّه الكابينيت. كما أوصى رئيس الأركان بتنفيذ خطة تطويق وضغط على ثلاثة جيوب ما تزال تحت سيطرة حماس، والتي تتركز فيها غالبية السكان المدنيين في القطاع؛ وهي: مدينة غزة، ومخيمات اللاجئين في وسط القطاع، ومنطقة المواصي على الساحل الجنوبي".
يتابع الكاتب كاشفًا هدف زامير في أنه لا يوصي باحتلال هذه المناطق: "هو يقترح مزيجًا من الاستنزاف والغارات المحدودة. من وجهة نظره، يمكن للجيش الإسرائيلي أن يستغل هذا الوقت لإراحة بعض الوحدات النظامية، وتفادي تحميل منظومة الاحتياط أعباء جديدة وغير محتملة. كما أن هذا النهج قد يقلّل من المخاطر على حياة الأسرى، وفي الأثناء، ربما يحدث تقدّم ما في المفاوضات. وزامير لا يؤمن بالخطة العسكرية التي يدفع بها رئيس الحكومة، وقد حذّر من تبعاتها. لكنه، خلافًا لبعض التقديرات المبكرة، لا "يكسر الأدوات"، أي لا يعلن موقفه هذا. ورئيس الأركان يدرك جيدًا أمرين: أولاً، في عالم نتنياهو، كل إعلان هو مجرد بداية لمفاوضات جديدة، ولمزيد من الضغوط وربما تغييرات لاحقة؛ وثانيًا، بالنسبة إلى أهالي الجنود والأسرى، هو الشخص الوحيد في القيادة العليا ممن يشعرون بأن مصير أبنائهم يهمّه حقًا، وأنه ما يزال يملك قدرة حقيقية على التأثير لصالحهم".