نقاط على الحروف

يتلطّى رئيس الحكومة نواف سلام خلف شعارات "السيادة الشوفينية".. يُنفّذ أجندات أميركية، فهو ليس زعيمًا سياسيًّا ولا رجل دولة ولا صاحب رؤية وطنية.. تسلّله إلى رئاسة الحكومة لم يكن صدفة ولا استحقاقًا، بل تموضعًا محسوبًا ضمن مسار مدروس؛ لإعادة هندسة القرار اللبناني على وقع إملاءات السفارات الغربية، وتحديدًا الأميركية.. من محكمة العدل الدولية إلى السراي الكبير، مسارٌ مريب لرجل لم يُعرف عنه يومًا موقفٌ وطني جريء أو انحيازٌ حقيقي للقضايا القومية والعروبية. لقد أثبت بجدارة وامتياز أنه موظف دولي وفيٌّ؛ قناعه القانون، وقناعته التبعية والارتهان للغرب؛ بما يخالف الدستور والميثاق الوطني.
القاضي الذي غطّى جرائم العدوّ في غزّة
عند كل استحقاق، يستعرض سلام بطولاته الوهمية المزيفة.. يذكِّرنا على الملأ بقراراته "الهمايونية" ضدّ الاحتلال "الإسرائيلي" يوم اعتلى رئاسة محكمة العدل الدولية. يقدم نفسه على أنّه نصيرٌ "تاريخي" للقضية الفلسطينية، فيما تؤكد الوقائع أنّه لم يكن في الحقيقة يومًا في موقع المبادر أو المدافع الحقيقي، بل مجرد موظف أممي تابع، أُوكلت إليه مهمّة إتمام ما بدأه غيره.
فالقرار الأبرز الذي يفاخر سلام بصدوره عنه، خُطّ في عهد سلفه، القاضي الأميركية "جوان دونوهو"، فهي كانت أوّل من واجه الاحتلال بقرار دولي يدينه بارتكاب إبادة جماعية في غزّة، ودفعت ثمن ذلك إقصاءها من منصبها وتجييره لنواف سلام الذي خلفها في رئاسة المحكمة، ولم يأتِ بجديد، بل اكتفى بالتوقيع، والمصادقة، وربما التغطية القانونية والسياسية، لا أكثر.
يزعم الرجل أنّه يرفع لواء العدالة الدولية، لكنَّ سجلَّه وتاريخه "النضالي" في أروقة الأمم لم يُدوَّن فيه ما يشرّف المرء.. فهو لم يجرؤ يومًا على تحدّي الهيمنة الغربية، حتى في أوج ارتكاب أفظع المجازر في غزّة.. فلو بقيت "دونوهو" في منصبها، لربما نُفّذ القرار بحق كيان العدو بحزم أكبر. أما سلام، فكان أضعف من أن يتّخذ خطوة تنفيذية خارج إطار ما يُرسم له على الورق من واشنطن وباريس اللتين لطالما أبدى تجاههما إعجابًا يصل حدَّ التبعية العمياء.
أمام ذلك؛ تُطرح الأسئلة المشروعة: أين هو من قضية فلسطين ومقاومة شعبها؟ أين موقفه من حق الشعوب في الدفاع عن نفسها؟ وأين إنجازاته الفعلية غير تلك التي خطها بحبر الغرب وتلاها؟ هل كان سلام قاضيًا حرًّا؟ وهل هو رئيس حكومة حر أم أداة في خدمة المشروع الأميركي في المنطقة؟ وماذا عن سلوكه، ألا يبدو أنه أقرب إلى سلوك موظفي الأمم المتحدة الذين يختبئون خلف المصطلحات المطاطة لتبرير العجز والتواطؤ، ككوفي أنان وأنطونيو غوتيريش وبان كي مون الذين رأوا الإجرام الصهيوني بأم أعينهم وابتلعوا ألسنتهم؟!.
هرطقة السياسة وانبطاح للغربيين
في تجربتنا الحالية مع نواف سلام كرئيس لحكومة لبنان؛ تُصدم العقول - وفق المحلّلين السياسيين والنفسيين- من حجم "هرطقاتة السياسية" و"أدائه اللاموزون".. فـالرجل ببساطة لا يمتلك أدنى مقوّمات رجل الدولة".. كما يقولون.. إلى حدّ لم يشهد فيه لبنان بتاريخه الحديث والقديم رئيس حكومة ولا حتى موظف فئة عاشرة يتعامل بملفات وجودية ومصيرية بمثل هذه الخفة وهذا الانبطاح الفاضح أمام الضغوط الغربية، لا سيّما أمام "مقرّرات برّاك السياسية"، والتي بصم عليها سلام ومن يدور معه من وزراء في الفلك الأميركي بهدف تجريد المقاومة من سلاحها.
ما فعله سلام اليوم، يعيدنا إلى حقبة فؤاد السنيورة السوداء و"خيانته" في حرب تموز 2006، أيام دموع التماسيح، وشاي فتفت، وقُبَل كونداليزا رايس وموائد عوكر التي تحلّق حولها بعض المتأمركين لحياكة المؤامرات وخيانة الوطن على حساب دماء الشهداء وتضحيات المقاومة.. كأن التاريخ يعيد نفسه اليوم، ولكن بنسخة محدّثة.. تغيرت الأدوات لكن المشروع واحد "شرق أوسط إسرائيلي جديد".
لم يتبدل المشهد عن 2006.. فلم تكد الحرب الأخيرة تضع أوزارها حتى تعرضت المقاومة لأبشع الحملات السياسية والإعلامية التي توجت مؤخرًا بقرار "برّاك" حول سلاحها في مجلس الوزراء، والذي تناطح بعض المستوزرين لتحقيق سَبْقِ إشهاره وإعلانه على قاعدة "اشهدوا لي عند الأمير".. والأنكى أنّ سلام الذي كان له شرف أن يسجل هذا السبق باسمه.. تصرف بعد الجلسة بخفة لا تليق برجل دولة، حينما احتفى بهذا "الانتصار" مع صحفي شيعي لا يمثل نفسه لاستفزاز طائفة برمتها، مثبتًا من جديد أنه غير مؤهل لتولي موقع كهذا؛ نظرًا لعدم احترامه اتفاق الطائف وصيغة العيش المشترك، ما يعكس حالة إنكار للواقع وانفصال تام عن الأخطار التي تهدّد لبنان.
والأدهى؛ أنّ مآثر سلام بشأن تجريد المقاومة من سلاحها ولبنان من قوته، وبطولاته الاستعراضية أمام العدسات، تحولت إلى خضوع واستسلام تام بمواجهة العدو الصهيوني، فتناسى أنّ الاحتلال لا يزال جاثمًا على نقاط خمس، (وبعد قرار حكومته المبتورة صارت ست، وغدًا ربما تصبح سبع...)، وأنّ الجنوبيين لم يعودوا إلى قراهم، وأنّ إعادة الإعمار لم تنطلق بعد.. وأنّ الاعتداءات الصهيونية تطاول يوميًّا الأراضي اللبنانية كافة.. ومسيّرات العدو وطائراته الحربية تسرح وتمرح في أجواء لبنان.. فعن أيّ سيادة يتحدث سلام؟ وأي منطق "شوفيني" أجوف يروّج له، وهو يجرد لبنان من أبرز نقاط قوته، ويترك العدو يتمادى في احتلال باقي الجنوب اللبناني وربّما الاستيطان فيه؟ فكيف يُحمى لبنان وكيف يُؤتمن مثل هذا المسؤول "اللامسؤول" على وطن؟!.