مقالات

يُدخل الأميركيون والصهاينة القوات الدولية "اليونيفيل" في جنوب لبنان كلّ عام في دوامة التمديد أو اللاتمديد. قصّة ابتزاز واستفزاز، يبدأ الجدل حولها في شهر حزيران ويمتد حتّى اجتماع مجلس الأمن أواخر آب/أغسطس، وفيما يتمسك لبنان ببقاء تلك القوات على أرضه ضمن المهام المرسومة لها في القرار 1701، يعيد الكيان الصهيوني اعتراضاته السنوية على بقاء "اليونيفيل" في لبنان، فلماذا كلّ هذا الضجيج؟
بحسب الموقع الرسمي للجيش اللبناني جاء في مقال نشر في العدد 272، في العام 2008، "جاءت القوات الدولية إلى لبنان منذ العام 1978 بعد تبني مجلس الأمن الدولي القرارين 425 و426. وبموجب القرار 426، أنيطت بالقوات الدولية مهمتان أساسيتان وهما مراقبة تأكيد انسحاب قوات العدوّ الصهيوني من جنوب لبنان والحفاظ على وحدة وسيادة لبنان واحترام استقلاليته، والثانية، عودة السلطة اللبنانية الفعلية إلى الجنوب بعد خروج "الإسرائيلي". وانتشرت قوات "اليونيفيل" شمال نهر الليطاني في الجانب اللبناني، على الخط الفاصل ما بين المنطقة المحتلة والمنطقة المحررة.
في العام 2000 وبعد تحرير الجنوب، باتت مهمتها ترسيم الحدود بحسب الخرائط الموجودة في الأمم المتحدة ومراقبة الانسحاب "الإسرائيلي" من باقي النقاط المحتلة. في العام 2006، وبعد نهاية حرب تموز، التي شنها الصهاينة على لبنان تبنى مجلس الأمن القرار 1701، والذي بموجبه ازداد عديد "اليونيفيل" من 5900 عنصر تقريبًا إلى 15 ألف. مهمتاها السابقتان لم تتغيرا بالشكل العام، ولكن أضيف إليهما مواكبة الجيش اللبناني ودعمه في عملية انتشاره وتسهيل عودة المدنيين الذين نزحوا عن قراهم. ومع تعدد الاعتداءات الصهيونية التي تعرضت لها القوات الدولية منذ العام 1978، إلا أنها لا تمتلك أمر رفع السلاح والدفاع عن نفسها، أو رد أي عدوان صهيوني ليس على جنوب لبنان بل على عناصرها وقواعدها كما حصل في الحرب الأخيرة نهاية عام 2024. ورغم أن أهم الأسس التي قام عليها ميثاق قوات الأمم المتحدة هو عدم مشاركة أي من الدول الخمس التي تملك حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن، فقد تمت مخالفة هذا البند في لبنان فشاركت فرنسا بقوة في قوات "اليونيفيل" وأنشأت موقعًا مدججًا بالسلاح والمركبات ودبابات "اللوكلير" في موقع ببلدة دير كيفا الجنوبية، بالإضافة إلى مشاركة قوة بريطانية
على الرغم من وضوح المهام الموكلة بها قوات "اليونيفيل" في لبنان، والتي يفترض بها أن تكون على الأقل شاهدة على الاعتداءات ""الإسرائيلية""، إلا أن التجارب تثبت أنها أضحت مجرد شاهد زور تدير الأذن الطرشاء للخروقات والاعتداءات الصهيونية التي يرتقي فيها لبنانيون بشكل يومي وكذلك لآلة التجريف العسكرية الصهيونية ومحاولة تثبيت الاحتلال في مناطق حساسة والتوسعة نحو مناطق أخرى. وإذا كانت واحدة من مهمات "اليونيفيل" الأساسية بموجب القرار 1701، هي تسهيل عودة المدنيين إلى قراهم فاليوم تعطل العمل بهذا القرار بينما يسرح ويمرح الكيان في الجنوب.
وإذا ما كانت مستعمرات الكيان اليوم آمنة بعد التزام المقاومة الكامل باتفاق وقف إطلاق النار على مدى ما يزيد عن ثمانية أشهر، لماذا يصر الكيان إذًا على المطالبة بسحب قوات "اليونيفيل" في كلّ عام؟
لأن "إسرائيل" تريد تحقيق أهدافها لناحية التخلص من الرقابة الدولية لتجاوزاتها المتكرّرة واليومية في لبنان، ولأن الكيان المارق يعتبر ورقة "اليونيفيل" من الأوراق الهامة جدًا لابتزاز لبنان والضغط عليه من أجل التخلص من سلاح المقاومة الذي عجز أمامه في الحرب الأخيرة. فالكيان يعتبر أن "اليونيفيل" غير قادرة ضمن مهامّها الحالية على كشف طرق إمداد المقاومة بالسلاح ووقفها، أي غير قادرة على تحقيق حماية وأمن "إسرائيل"، علمًا أن ذلك ليس من مهمتها وإلا تصبح مجرد لواء في جيش العدو. وهذا ما عبر عنه المستشار السابق للأمن القومي في البيت الأبيض مارك فايفل حينما صرح مؤخرًا، بأن الأميركيين يسعون لإنهاء مهمّة اليونيفيل لأن عملها كجزء من خطة إحلال السلام قد فشل، ولا يمكن أن تبقى المهمّة إلى الأبد، وأن السلام لا يمكن تحقيقه إلا بنزع السلاح.
لربما يكون هدف العدوّ الصهيوني من مساعيه لإخراج قوات "اليونيفيل" بشكل نهائي من جنوب لبنان وخاصة في المرحلة الحالية، هو إعادة احتلال جنوب لبنان وإنشاء منطقة عازلة فيه مرة ثانية. وذلك تماشيًا مع دعوة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى إنشاء منطقة عازلة في الجنوب وخالية من السكان تخدم كمنطقة حرة اقتصادية لـ"اليونيفيل". لعله من المضحك التفكير بالأمر بهذه الطريقة، لأن "اليونيفيل" تأتي بجميع احتياجاتها مهما كبرت أو صغرت من بلادها. مع أنها عملت خلال السنين الماضية على التواصل مع أهل الجنوب ونفذت مشاريع اقتصادية صغيرة مثل سوق الخيام الذي تم من خلاله عرض منتجات الجنوبيين وبضائع المؤسسات التجارية الصغيرة، ولكن حتّى هذه المنافع الصغيرة المتبادلة لربما يفضل ترامب أن تكون مع مستوطني المستعمرات الشمالية في فلسطين المحتلة.
من شواهد المطالبة الأميركية - الصهيونية بتغيير مهمّة "اليونيفيل" في جنوب لبنان كانت في 31 آب/أوغسطس من العام 2022، حيث تم التمديد لـ"اليونيفيل" بموجب القرار 2650، حين ألحقت تعديلات أعطت "اليونيفيل" حرية في حركة الدوريات دون إذن مسبق وتنسيق مع الجيش اللبناني، رغم تحفظات الدولة اللبنانية آنذاك، ما أفضى إلى صدامات ما بين الأهالي ودوريات "اليونيفيل" التي بدا أنها خرجت عن دائرة مهامها المناطة بها، ولعل هذا النوع من إطلاق يد "اليونيفيل" هو ما تريد كلّ من أميركا و"إسرائيل" وحلفائهما المقربين في الغرب تعزيزه في قرار التمديد المطروح حاليًّا أمام مجلس الأمن الدولي وبمعنى آخر تحويل "اليونيفيل" تلك إلى قوات احتلال.