اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي المعارضة "الإسرائيلية" تتحضر "بيقظة" للانتخابات: نتنياهو قد يكون في البيت إلى الأبد

ترجمات

ليندسي غراهام في لبنان: المتعصّب الإنجيلي وصاحب سياسة
ترجمات

ليندسي غراهام في لبنان: المتعصّب الإنجيلي وصاحب سياسة "إسرائيل أولًا"

31

محمد حمود- موقع العهد/قسم اللغة الإنكليزية

لم تكن زيارة السيناتور الأميركي ليندسي غراهام الأخيرة إلى لبنان زيارة ودّيّة. فبصفته عضوًا ضمن وفد للكونغرس الأميركي، التقى بالرئيس جوزاف عون، وشدّد على ضرورة نزع سلاح حزب الله وتعزيز قدرات الجيش اللبناني، لكن بشرط واضح: ألّا يمتلك الجيش يومًا القدرة على مواجهة "إسرائيل." وبعد اللقاء، صرّح غراهام للصحافيين بلهجة واضحة أنه لن يكشف عمّا تخطّط له "إسرائيل" ما لم يسلّم حزب الله سلاحه. هكذا قلب المعادلة رأسًا على عقب، مصوّرًا حزب الله كأنه الطرف المعتدي، متجاهلًا في الوقت نفسه الخروقات "الإسرائيلية" المتكررة لسيادة لبنان.

لمن يعرف غراهام، لم يكن هذا مستغربًا. فهو إنجيلي متطرّف، وقد استخدم الكتاب المقدس في مجلس الشيوخ لسنوات طويلة، مستشهداً بآية في سفر التكوين 12:3 -"أبارك مباركيك"- متوجهًا بحديثه، لا إلى ناخبيه في ساوث كارولينا، بل إلى دولة تبعد ستة آلاف أميال. على مدى ثلاثة عقود، جعلت هذه القناعة من غراهام أكثر مناصر موثوق لـ"إسرائيل" في واشنطن. هو رجل يضع مصالحها فوق مصالح الولايات المتحدة ويصور المسلمين باستمرار كتهديد. الجدير بالذكر أنه خلال تجمع جمهوري في آب/أغسطس 2025، صرخ قائلًا: "إذا تخلت أميركا عن "إسرائيل"، فإن الله سيتخلى عنا". وكان هذا التصريح بمثابة كشف عن العقيدة الدينية التي تحرك سياساته: الدفاع عن "إسرائيل" مهما كان الثمن.

الكتاب المقدّس فوق السياسة

تكوّنت رؤية غراهام للعالم في كنيسة كولومبيا الأولى المعمدانية وجامعة بوب جونز، حيث تربط العقيدة الدياسبنسيونية عودة المسيح بقيام دولة يهودية قوية وآمنة. وبحلول الوقت الذي دخل فيه الكونغرس عام 1995، كان قد استوعب المعادلة: حماية "إسرائيل" تسرّع تحقق النبوءة، وتضمن رضا الله. فالدستور مجرد أداة، أما سفر الرؤيا فهو الذي يرسم المسار.

لقد شكّلت هذه العقيدة مساره السياسي. ففي عام 1998، شارك في رعاية قانون "تحرير العراق"، ووصف صدام حسين بأنه "هامان العصر الحديث". وبعد ثلاث سنوات، دعم غزو العراق، قائلًا أمام جماعة في تشارلستون إنه "يحمي ثمرة عين الله". كما دعا إلى قصف سوريا لحماية شمال "إسرائيل". وعارض اتفاق إيران عام 2015، مع تعهّد بـ"دعم غير مشروط" لأي ضربة "إسرائيلية"، قبل أن يستعرضها مجلس الشيوخ حتى. وفي عام 2020، قدّم تشريعًا لتقليص المساعدات الأميركية للمستشفيات الفلسطينية وتمويل ضمّ "إسرائيل" للضفة الغربية.

المال والولاء

تكشف سجلات تمويل الحملات الانتخابية مسار أموال غراهام. إذ يُدرج موقع "أوبن سيكرتس" ميريام أديلسون ولجنة "نورباك" من بين كبار المانحين على مدى الحياة. وعندما يُسأل غراهام عن تأثير المانحين، يشير مرة أخرى إلى الآية 12:3. لكن الروابط تمتد بشكل أعمق. ففي عام 2016، تلقى صندوق النصر الخاص به 500 ألف دولار من شركة وهمية في قبرص مرتبطة بمقاول حرب "إسرائيلي". وفي عام 2018، كشفت رسائل إلكترونية مسرّبة أن فريقه قد كتب مقالات رأي باسم لجنة الطوارئ لـ"إسرائيل" مستخدمًا أوراقًا رسمية من مجلس الشيوخ. وفي عام 2020، خلال جائحة كوفيد، سافر إلى "تل أبيب" على متن طائرة خاصة، وصلّى عند حائط المبكى، وتجاوز القوانين "الإسرائيلية" للحجر الصحي. كل هذه امتيازات مُخصّصة للسيناتورات المستعدين لدفع أجندة "إسرائيل" قدمًا.

دروس من الرسائل المسربة

تعكس الرسائل الدبلوماسية المسربة عام 2025 نمطًا مألوفًا: سيادة لبنان تُقيّدُ مرارًا بأمن "إسرائيل". في هذه الوثائق، يظهر غراهام وهو يوجّه المسؤولين اللبنانيين للحد من نفوذ حزب الله، وتوسيع عمل الجيش اللبناني وفق معايير صارمة، وعرقلة صفقات الطاقة المموّلة من إيران. كما تسلّط الرسائل الضوء على دعم الولايات المتحدة لإنشاء خلية اتصال "إسرائيلية" داخل الجيش اللبناني وفرض عقوبات على أي حكومة تضم وزراء من حزب الله. مجتمعةً، تكشف هذه التعليمات عن استراتيجية متسقة دافع عنها غراهام طويلاً وهي: إعادة تشكيل مؤسسات لبنان ليس لتعزيز استقراره الداخلي، بل لخدمة أولويات أمن "إسرائيل".

السيناتور لصالح "إسرائيل"

لطالما لاحظ النقّاد أن غراهام يبدو وكأنه يعامل دوره كحامٍ لمصالح "إسرائيل" بجدية تضاهي واجباته في واشنطن. عامًا بعد عام، عمل على تأمين مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية "لإسرائيل"، وفي الوقت نفسه دفع لفرض عقوبات وتهديدات عسكرية ضد إيران. وغالبًا ما تتجاوز خطاباته حدود المعتاد؛ فقد اقترح ضرب المنشآت النووية الإيرانية وهدّد بقطع المساعدات عن لبنان بالكامل إذا ظل حزب الله مسلّحًا.

لقد أكسبه هذا الالتزام الثابت لقب "السيناتور لصالح إسرائيل" بين منتقديه. بعيدًا عن الشعور بالإهانة، يتبنّى غراهام هذا اللقب، متفاخرًا بعلاقاته الوثيقة مع القادة الإسرائيليين ومؤكدًا بفخر تنسيقه معهم. وتعزز رحلاته الأخيرة إلى المنطقة، بما في ذلك لقاءاته مع بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين، هويته كواحد من أكثر الحلفاء الأميركيين ولاءً لـ"إسرائيل".

النبوءة قبل السياسة

لا يخفي غراهام ترتيب أولوياته. ففي جامعة ليبرتي عام 2022، صرّح قائلًا: "عندما يقول الكتاب المقدس "صلّوا من أجل سلام القدس"، لا يضيف "إلا إذا تعارض ذلك مع قانون صلاحيات الحرب"". كل حرب يروّج لها، وكل عقوبة يسنّها، وكل رحلة سرية يقوم بها، تخدم هدفًا واحدًا: سلامة "إسرائيل"، تقييد المسلمين، وأولوية ثانوية لمصالح أميركا.

الخلاصة: سيناتور لصالح "إسرائيل"

تجسد مسيرة ليندسي غراهام ولاءً ثابتًا "لإسرائيل" وعداءً تجاه المسلمين الذين يعارضونها. سواء في واشنطن، أو في القدس، أو في بيروت، يتصرّف كواعظ ووسيط سياسي في آن واحد، مسترشدًا بالنبوءة أكثر من القانون. فقد يكون الكتاب المقدس في يد، ولكن في يده الأخرى توجد سياسة مكتوبة ليس لساوث كارولينا -ولا لأميركا- بل لـ"إسرائيل". في سياسات غراهام، تأتي "إسرائيل" أولًا دائمًا، أما من تبقّى، بمن فيهم أميركا، فيأتي في المرتبة الثانية. يخدم ليندسي غراهام "إسرائيل"، بينما يعتبر مصالح لبنان والمسلمين وحتى أميركا اهتمامات ثانوية ليس إلّا.

الكلمات المفتاحية
مشاركة