اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي العدوان على غزة.. ارتقاء عشرات الشهداء منذ فجر اليوم الخميس

خاص العهد

ترخيص
خاص العهد

ترخيص "ستارلينك" انتهاك للسيادة الرقمية وتجاوز فاضح للقوانين

81

أثار مشروع ترخيص خدمات الانترنت الفضائي "ستارلينك" (Starlink) في لبنان جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والقانونية، وسط اتهامات لوزارة الاتّصالات بتجاوز الأطر المؤسساتية والقانونية الناظمة للقطاع، وخاصة بعد الإعلان عن عقد بالتراضي لصالح الشركة المذكورة شكّل مخالفة واضحة لقرار مجلس الوزراء، الذي ناقش الموضوع في 13 آب 2025، لكنّه قرر تأجيل البت النهائي بالموضوع لمزيد من المشاورات والعودة لاحقًا لاتّخاذ القرار المناسب. هذا المسار المعتمد لمنح الترخيص لشركة أجنبية لا يشكّل تجاوزًا فاضحًا للدستور ومجموعة من القوانين الأساسية، فقط، بل يُمثل انتهاكًا للسيادة الرقمية يتوجّب الوقوف عنده وتبيان مخالفاته وثغراته.

مسار إشكالي

كان قد شاب ملف ترخيص خدمات شركة "ستارلينك" (Starlink) في لبنان سلسلة من المخالفات الجسيمة، بدءًا من تهميش الهيئة الناظمة للاتّصالات وهيئة الشراء العام، وصولًا إلى إبرام عقد "هزيل" لا يحمي بيانات المستخدمين أو المصلحة الوطنية، معتمدًا على مبررات قانونية وأمنية "شكلية" لا ترقى إلى مستوى المتطلبات السيادية.

هذا المسار الإشكالي انطلق خارج الأطر القانونية والمؤسساتية المنصوص عليها في القوانين اللبنانية. في خضمّ التدهور المستمر في قطاع الاتّصالات وتفكّك البُنى التنظيمية، عمد وزير الاتّصالات إلى تمرير مرسوم حكومي يمنح الترخيص لشركة أجنبية، من دون إشراك الهيئة الناظمة للاتّصالات، وبالاستناد إلى استشارة قانونية محدودة من هيئة التشريع والاستشارات.

وإلى جانب الحاجة القائمة لتنويع مصادر الاتّصال، فإنَّ المسار المعتمد يثير مخاطر إستراتيجية ومخالفات قانونية جدّية تتعلق بالسيادة الرقمية، وحماية البيانات، واحترام القوانين. والأخطر من ذلك أنَّ الترخيص يقوم على اتفاق مباشر يمنح الشركة امتيازًا فعليًا دون أي مناقصات أو أدنى شروط المنافسة والشفافية. كما يُجيز العقد توجيه كامل حركة البيانات إلى خوادم خارجية في قطر، في انتهاك صريح لقانون المعاملات الإلكترونية وقانون سرّية المخابرات، ودون أي آليات رقابة أمنية فاعلة.

ويُعدُّ الترخيص لشركة أجنبية لتقديم خدمة على كامل الأراضي اللبنانية مخالفًا للأصول القانونية للترخيص لعدم صدور مرسوم من مجلس الوزراء، إلا أنَّ وزير الاتّصالات أعدّ مسودة تجاوز فيها الحكومة وأُعد "الاتفاق الرضائي" قبل صدور المرسوم، علمًا أنّه لا يجوز في عقود بهذا الحجم عدم المرور بمبادئ المنافسة والعلنية المنصوص عليها في قانون الشراء العام رقم 244/2021، خصوصًا وأنَّ هناك شركتين أخريين على استعداد أيضًا لتأمين الانترنت وهما "Arabsat" و"Eutelsat".

المخالفات

1 - مخالفة المادّة 89 من الدستور: يتم منح حق استغلال مورد طبيعي، وهو الطيف التردّدي، دون قانون يُجيز ذلك، وهذا تجاوز فاضح لصلاحيات مجلس النواب.

2 - مخالفة قانون الشراء العام (رقم 2021/244): جرى الالتفاف على وجوب عرض المشروع عبر "بوابة الشراء العام". صلاحية التلزيم بالتراضي التي كانت متاحة سابقًا أصبحت لاغية، وهذا العقد يقع خارج أي مسار قانوني سليم.

3 - مخالفة قانون المعاملات الإلكترونية (رقم 81/2018): هناك إهمال كامل لمبدأ السيادة الرقمية، حيث لا يوجد أي شرط لتخزين بيانات المستخدمين اللبنانيين داخل لبنان.

4 - مخالفة قانون الاتّصالات (رقم 431/2002): تم تهميش "الهيئة الناظمة للاتّصالات" بشكل كامل، وهي المرجع القانوني الحصري لتنظيم القطاع وإصدار التراخيص.

5 - تجاوز المرسوم الاشتراعي (126/1959): هذا المرسوم يحصر تقديم خدمات الاتّصالات الدولية بالدولة. منح هذا الترخيص لشركة خاصة هو انتهاك صريح للنصوص النافذة.

أبرز الثغرات

بالإضافة إلى أنَّ العقد بحد ذاته يُظهر ضعفًا بنيويًا فاضحًا في الموقع التعاقدي للدولة، يمكن تلخيص الثغرات بالآتي:

1 - غموض الترخيص والطرف المُلزَم: لا يُحدّد العقد نوع الترخيص ولا يربطه بأي فئة قانونية. كما أن التوقيع يتم مع كيان محلي (S.A.L) دون أي ضمانات مباشرة من الشركة الأم SpaceX، ما يُضعف القدرة على المحاسبة.

2 - غياب الالتزامات على الشركة: في مقابل التزامات الدولة، لا يُلزم العقد "ستارلينك" بأي استثمار في البنية التحتية، أو التقيد بأسعار وجودة خدمة، أو حتّى معايير للرقابة والعقوبات.

3 - ضعف حماية المستهلك: لم يتضمن العقد آلية لتحديد سقف الأسعار، بل اكتفى بتحديد "سعر أدنى" هو 100 دولار شهريًا، دون أي مرجعية للسوق المحلي أو حق رقابي للدولة.

4 - استعمال الطيف التردّدي دون رسوم عادلة: العقد لا يفرض أي رسم على استعمال الطيف التردّدي، وهو مورد وطني سيادي. هذا يُخلّ بمبدأ العدالة والمساواة مع باقي الشركات العاملة في السوق.

واستنادًا إلى ما تقدّم، يتبيّن باختصار أنَّ العقد المُبرم يحوّل الدولة إلى مجرّد وسيط تنفيذي بدلًا من أن تكون طرفًا سياديًا وشريكًا ناظمًا يحمي المصلحة العامة.

توصيات

إنَّ تمرير هذا الترخيص بشكله الحالي لا يمثل تقدمًا تقنيًا، بل انزلاقًا خطيرًا نحو منطق الامتيازات الخاصة على حساب المصلحة العامة، وتكرارًا لتجارب الماضي الفاشلة. وعليه، فإن لجنة الإعلام والاتّصالات النيابية أوصت بوضوح بما يلي:

1 - عدم السير في مشروع الترخيص بصيغته الحالية، إلى حين تصحيح المخالفات واستكمال المسار الرسمي عبر هيئة الشراء العام.

2 - الطلب من وزارة الاتّصالات إعداد دراسة جدوى شاملة (مالية، تقنية، قانونية)، تُعرض على الجهات الرقابية وتكون أساسًا لإعداد دفتر شروط رسمي.

3 - التأكيد على احترام المسار القانوني والمؤسساتي الكامل في كلّ ما يتعلق بإدارة موارد الدولة، لضمان الشفافية وحماية المصلحة الوطنية ومنع أي تفويضات استنسابية تفتقر إلى المشروعية.

وممّا تقدّم، بدا جليًا أنَّ مشروع ترخيص "ستارلينك" بصيغته الحالية لا يهدّد السيادة الرقمية للدولة ويُخلّ بالتوازن الاقتصادي في سوق الاتّصالات فحسب، بل يؤسس لسابقة خطيرة في منطق إدارة المرافق العامة، في ظل تجاهل كامل لمؤسسات الدولة الرقابية والتنظيمية، من مجلس النواب ومجلس الوزراء إلى هيئة الشراء العام والهيئة الناظمة للاتّصالات، لصالح الصفقات الفردية والامتيازات الخاصة محل القانون والمؤسسات. وعليه، فإن التوصية بتجميد هذا المسار والعودة إلى الأصول القانونية لا تُمثل موقفًا تقنيًا، بل هي دعوة صريحة لحماية المصلحة العامة من التجاوزات.

الكلمات المفتاحية
مشاركة