خاص العهد

فقدت جلسة مجلس الوزراء ميثاقيتها بخروج الوزراء الشيعة الخمسة، بعد الإصرار على مناقشة خطة الجيش لما يُسمى "حصر السلاح". هذا التطور يطرح علامات استفهام كبرى حول شرعية أي قرارات قد تُتخذ في ظل غياب مكوّن أساس. الانسحاب الذي جاء قبل عرض الخطة، أعاد إلى الواجهة النقاش حول ميثاقية الحكم، الأمر الذي يعني أن القرارات التي قد تصدر عن الحكومة في هذه الجلسة غير دستورية، ما يضعها أمام مأزق سياسي وقانوني يهدّد شرعيتها.
المتخصص في القانون الدكتور عمر نشابة أوضح لموقع العهد الإخباري أنّ "مقدمة الدستور اللبناني نصّت بوضوح على أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، مبيّنًا أنّ "هذا النص ليس شعارًا بل قاعدة تأسيسية لحياة الدولة اللبنانية، حيث لا يمكن لأي سلطة تنفيذية أن تدّعي الشرعية إذا استبعدت مكوّنًا طائفيًّا أساسًا من المشاركة".
وأضاف نشابة أنّ "انسحاب الوزراء الشيعة من الجلسة أفقد الحكومة شرعيتها الدستورية وأدخلها في خانة الحكومة البتراء، كما وُصفت حكومات سابقة فقدت مكونًا وازنًا"، مشددًا على أنّ "أي قرار يصدر عن مجلس الوزراء بعد هذا الانسحاب يكون منعدم الشرعية، لا من زاوية السياسة فحسب بل من زاوية القانون الدستوري نفسه".
ورأى أنّ "ما جرى اليوم يثبت أنّ الميثاقية ليست تفصيلًا ولا ترفًا سياسيًّا، بل هي قاعدة وجودية لحماية السلم الأهلي ومنع الانزلاق نحو نزاعات داخلية. وأي محاولة لتجاوزها أو الالتفاف عليها هو ضرب للدستور وتهديد لأساس العيش المشترك".
ولفت إلى أنّ الخطة المطروحة لم تكن سوى محاولة لتطبيق "الورقة الأميركية" المتعلقة بالسلاح والمقاومة، والتي أُعدّت في واشنطن بهدف إخضاع لبنان لشروط العدو "الإسرائيلي". وأكد أنّ "الإصرار على إدراج هذا البند في جدول أعمال الحكومة لم يأت من فراغ، بل كان محاولة متعمدة لجرّ السلطة التنفيذية إلى مواجهة مع أحد المكونات الوطنية الأساسية".
وشدد على أنّ "الوزراء الذين انسحبوا مارسوا مسؤوليتهم الوطنية بحكمة؛ لأن المشاركة في نقاش كهذا يعني إضفاء شرعية على مسار خطير قد يفتح الباب أمام فتنة داخلية، فيما الانسحاب نزع الغطاء عن أي قرار غير ميثاقي، وحمى السلم الأهلي من اهتزاز خطير".
تحذير من زجّ الجيش في الانقسامات
إلى جانب البُعد الميثاقي، أثارت الخطوة الحكومية تساؤلات حول دور المؤسسة العسكرية. فقد حذر نشابة من "محاولة زجّ الجيش في مهمة سياسية خلافية، وهو الذي يفترض أن يكون مؤسسة جامعة لكل اللبنانيين لا طرفًا في صراعات داخلية". وذكّر بتحذير رئيس مجلس النواب نبيه بري من "رمي كرة النار في حضن الجيش"، مشددًا على أنّ "المؤسسة العسكرية يجب أن تبقى فوق التجاذبات، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة بفعل الاعتداءات "الإسرائيلية"".
واعتبر أن ما جرى في جلسة مجلس الوزراء اليوم لم يكن تفصيلًا عابرًا، بل محطة دستورية وسياسية فارقة. فانسحاب الوزراء الشيعة أسقط الميثاقية عن الحكومة، وأعاد التذكير بأنّ الميثاقية هي شرط وجود لا يُمكن تجاوزه.
وفي الوقت الذي تحاول فيه واشنطن بحسب نشابة فرض إملاءاتها عبر "ورقة حصر السلاح"، يؤكد الوزراء الشيعة أنّ الأولوية تبقى للمصلحة الوطنية والاستقرار الداخلي، وأنّ أي محاولة لتجاوز الدستور والميثاق لن تمرّ؛ لأن لبنان لا يُحكم بمنطق الغلبة بل بمنطق الشراكة الوطنية.