عين على العدو

أثار تصريح رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، قبل أيام، أن "إسرائيل" "ستضطر بسبب عزلتها الدبلوماسية إلى التكيّف مع اقتصاد ذي سمات "أوتاركية" وأن تصبح "إسبارطة عظمى"، جدلًا واسعًا وانقساما حادا بين الاقتصاديين، ووصفه خبراء بأنه عودة إلى "العصر الحجري".
في هذا السياق، تناولت المحلّلة السياسية أنا بارسكي، في تحليل لها في صحيفة "معاريف الإسرائيلية"، خطاب نتنياهو، قائلة بسخرية :"بنيامين نتنياهو رجل ذكي. عرف تمامًا ما يقوله عندما تكلَّم عن اقتصاد إسبارطة في مؤتمر المحاسب العام هذا الأسبوع. "سنكون أيضًا أثينا وأيضًا سوبر-إسبارطة"، أعلن من على المنصة، ولم يبتسم. إلى هناك نحن نسير. وهو يقودنا إلى هناك".
وتابعت :"لا، لم يختلط عليه الأمر، ولم يزل لسانه، ولم تُخرَج كلماته من سياقها. وصف نتنياهو الوضع بدقة كما هو. اقتصاد مغلق، عزلة دبلوماسية، "إسرائيل" تحت حصار. هذه ليست زلة لسان بل إعلان نوايا. ما همس به آخرون بهدوء، داخل الغرف المغلقة، قاله هو علنًا. لحظة انكشف فيها القناع، وخرجت الحقيقة إلى العلن".
وتابعت :"في العام 2025 لا شيء يردعه. لا التهديد بالعقوبات، لا تآكل مكانة "إسرائيل"، لا خطر أن نصبح دولة منبوذة. كل ذلك ثانوي أمام الهدف المركزي: حسم حماس. نتنياهو يضع لنفسه خطيْن أحمرين فقط. وهما ليسا أمنيين أو اقتصاديين. عاملان فقط يمكن أن يوقفاه: دونالد ترامب الرئيس الأميركي، والذي إذا قرّر أنّ هذا يكفي، إذ اظهرت الاستطلاعات أن صبر قواعد "الليكود" و"جمهور الناخبين" قد نفد. والباقي مجرد ضجيج في الخلفية".
ووفقًأ لـــ"بارسكي"، يختار نتنياهو سيناريو الحرب، ليس لظنه الطريق النهائية للنصر المطلق، بل لاعتقاده أن البدائل أسوأ بكثير، فهناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة على طاولته. الأول مواصلة الحرب بكل قوة. هذا السيناريو المفضّل لديه، يقوم على الإدعاء أنَّه كلما ضعفت حماس أكثر حضرت إلى مفاوضات ما بعد الحرب وهي تحمل أوراق مساومة أقل، لكنّ الثمن هائل: الزمن يعمل ضدّ "إسرائيل"، و"الشرعية الدولية" تتآكل، والخوف الأكبر أن تتحوّل حياة "المخطوفين" (الأسرى) إلى "قربان" على مذبح الإنهاك".
السيناريو الثاني هو صفقة جزئية؛ تقول بارسكي، وتتابع :" وقف مؤقت لإطلاق النار مقابل تحرير بعض "المخطوفين". على الورق يبدو إنجازًا إنسانيًا؛ عمليًا هو فخ. ستستغل حماس وقف النار لإعادة التنظيم، وتطالب بضمانات، وتحاول إعادة "إسرائيل" إلى خطوط أضيق ومواقع انسحاب من محور فيلادلفيا أو معبر رفح. شهران أو ثلاثة من الهدوء، وفي نهايتها تكون حماس أقوى و"إسرائيل" أضعف".
أما السيناريو الثالث، بحسب الكاتبة، يتحدّث عن صفقة شاملة. إنهاء فوري للحرب وتحرير شامل لـ"المخطوفين"، وإقامة مجلس إدارة مدني في غزة. يبدو مغريًا، خاصة لمن يطالبون بـ"صفقة الآن". لكن في هذا السيناريو لا تتفكك حماس من سلاحها، بل تبقى القوة المركزية في القطاع، وتنسحب "إسرائيل" إلى الخلف. هذا تنازل كامل عن أهداف الحرب كلها منذ " 7 أكتوبر". وعمليًا تبقى حماس في غزة وتعود "إسرائيل" إلى نقطة البداية".
وتابعت بارسكي :"من بين هذه السيناريوهات الثلاثة، اختار نتنياهو المسار الأول: الاستمرار في الحرب حتى أعماق مدينة غزة. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية. رئيس الأركان إيال زمير حذَّر: احتلال غزة يعني خطرًا جسيمًا على حياة "المخطوفين"، وخسائر بشرية كبيرة بين جنود "الجيش الإسرائيلي"، وخاصة ضرورة فرض حكم عسكري في قلب قطاع غزة. في الجيش لا أحد يريد نظام حكم عسكري من هذا النوع".
وأردفت المحللة السياسية :"التجربة الميدانية واضحة: سيكون ذلك مستنقعًا سياسيًا وأمنيًا بلا مخرج. لكن نتنياهو لم يقتنع. هو يؤمن، أو يريد أن يجعل الجمهور يعتقد، أنه إذا زال سلاح حماس من منصتها الحاكمة ستدخل السعودية والإمارات والأميركيون لتطوير غزة وتحويلها إلى "ريفييرا" الشرق الأوسط".
ورأت بارسكي أنه: "خارج قاعة الخطابات، الواقع بدأ يرد فعلًا. في اليوم التالي لـ"خطاب إسبارطة"؛ سجلت بورصة تل-أبيب تراجعات حادة. بعض المؤشرات هبطت خلال اليوم بأكثر من 2%، وأغلِق التداول بانخفاض إجمالي بنحو 1% لجميع المؤشرات. مؤشر النفط والغاز هبط نحو 2%. تراجع سعر "الشيكل" مقابل الدولار. حذر محللون واقتصاديون من أن هذا مؤشر على ارتفاع المخاطر المدركة في الاقتصاد "الإسرائيلي". بالنسبة إلى القطاع الاقتصادي هذه ليست تذبذبات يومية فحسب، بل هي إشارة إنذار حقيقية؛ فأسواق المال، خلافًا للساسة، لا تشتري الأوهام".
بحسب بارسكي :"حتى اليوم، لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه سيتوقف حتى ولو كان الثمن دماء، وحتى لو كان الثمن عزلة. وحده ترامب، إذا قرر أن الكيل قد طفح، ووحده "الجمهور الإسرائيلي" إذا أرسل له إشارة عبر صناديق الاقتراع أو عبر استطلاعات الرأي بأنه تجاوز الخطوط الحمراء، هذان وحدهما يستطيعان أن يوقفاه".
وختمت :"حتى ذلك الحين، يستمر الثمن في التزايد. "المخطوفون"، الجنود، و"الجمهور" بأسره أسرى في حرب اختار رئيس الحكومة الاستمرار فيها على الرغم من التحذيرات كلها والمخاطر كلها والتداعيات كلها. وذلك كله تحت مظلة تلك النظرية التي سماها هو بنفسه: "سوبر إسبارطة"، حين أعلن: "سيتعين علينا أن نكون أثينا و"سوبر إسبارطة". ليس أمامنا خيار". والتاريخ، كعادته، هو من سيحسم في النهاية: هل كانت هذه حكمة أم خطأً قاتلًا".