نقاط على الحروف

في إطار الفعاليّات المقرّرة بمناسبة الذكرى السنويّة الأولى لارتقاء سيد شهداء الأمّة وصفيّه الهاشمي، جرى الإعلان عن وقفة رمزية في بيروت، بيروت المقاومة، تتخلّلها إضاءة صخرة الرّوشة بصورة السيّدين الشهيدين، وذلك في إطار تكريم المدينة التي قاومت المحتلّ وشكّلت عقدة في تاريخه، إذ فرضت عليه وهو في عزّ قوّته وجبروته عام ١٩٨٢ أن ينسحب منها ذليلًا مناديًا أن "يا أهالي بيروت، لا تُطلقوا النّار، نحن منسحبون!". الفعالية المتماهية تمامًا مع هوية بيروت وأهلها، استفزّت إلى حدّ بعيد صبية السفارات في البلد، فأرادوا تحويلها إلى معركة تحت عنوان "اشهدوا لنا عند السفير"، أو عند المبعوث..
جرت رياح الواقع والهويّة بعكس ما اشتهى أبطال المعارك الوهمية، وخسروا حتّى في المعركة التي اخترعوها! هو موقف لا يُحسدون عليه، بل مأزق، إذ توّرطوا في محاولة تشويه بيروت وتزوير وجدان أهلها، وبدل أن يثبتوا لسفير ما قدرتهم على منع تجمّع رمزيّ وصورة، انكشف حجمهم الحقيقيّ الذي لا يؤهلهم حتّى لمنع إضاءة صخرة! بكلام آخر، أرادوها معركة ضدّ صورة تُضاء بها الصخرة، فما استطاعوا سوى إلى مناطحة الصخرة سبيلًا!.
في الواقع، بذل الفريق الإعلاميّ العوكريّ جهدًا صادقًا في سبيل تنفيذ ما أُمِروا به، وحاولوا اللعب على وتر القانون، ففشلوا إذ غاب عن ذهنهم أنّ القانون لا يمنع تجمّع الناس ولا إضاءة الصخور إن هم التزموا الآلية المحدّدة لهذا النوع من الأنشطة، كما لعبوا على الوتر التمثيليّ فنطقوا زورًا باسم المدينة وأهلها، وادعوا على سبيل تزوير الحقائق أنّ "البيارتة" يعادون المقاومة، فكان الردّ بيروتيًّا بالدرجة الأولى، إذا أشهر أهل المدينة الأحرار هوّيتهم المقاومة، المعادية لـ"إسرائيل"، وقالوا بأعلى صوتهم إنّ مدينتهم تعتزّ بصورة سيّد المقاومة وشهيدها الأسمى.
وفي مكان ما، ساهم الضخّ الإعلاميّ المعادي الذي سبق الفعالية بجذب الناس إلى الحضور والمشاركة لتأكيد المؤكّد، وتثبيت الحقيقة. حدث ما يمكن اعتباره مصداق آية "يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، إذ تمّ تنفيذ برنامج الفعالية بشكل كامل، من دون أيّ تعديل، رغم كلّ محاولات التشويش والعرقلة التي تمثّلت بالضغط على الشركة المتعهّدة بالإضاءة بجودة عالية للانسحاب من تنفيذ ما عليها. تمّت الفعالية كما أُريد لها أن تكون: مشهدية تروي هويّة بيروت كما هي، وترسم ملامحها الأبيّة المقاومة بعيدًا عن أوهام من يريدون لها أن تكون مدينة تطبيع واستسلام. رسالة حبّ ووفاء في مواجهة الكراهية والجحود، وتحيّة مرسومة بالضوء على وجه الصخر، تحيّة من بيروت إلى كلّ أحرار الأرض.
إذًا اخترع أهل الانبطاح والذلّة معركة، وخسروها. والمضحك في الأمر أن لازمتهم المكابرة إلى آخر لحظة، وراهنوا على أن يقوم الجيش اللبناني بالتنكيل بأهله إن هم حاولوا التجمّع في مدينتهم كي يقولوا للمقاومة إنّا على العهد. وأكثر من ذلك، حين أدركوا أنّ الفعالية ستجري ولا تراجع عنها، حاولوا الترويج لوهم يقول إن المنظمين أُرغموا على التزام الشروط الواجبة في فعالية مماثلة وحسبوا الأمرَ انتصارًا في معركتهم. وتُرجمت هذه المكابرة عبر تقرير أوردته قناة Mtv جاء فيه حرفيًا: "انصاع الحزب تحت ضغوط البيارتة وتعميم نواف سلام". غفل التقرير عن أن البيارتة كانوا أوّل الحاضرين إلى الفعالية وأكثر المتحمسين لرؤية صورة السيّدين الأمينين الشهيدين تُضاء على صخرة مدينتهم. كما غاب عن ذهن المعدّين أن الحصول على التراخيص المطلوبة لهذا النوع من الفعاليات لا يستدعي انصياعًا وإنّما فقط القيام ببعض الإجراءات الروتينية والبسيطة. لا بأس، يُعذر المنصاعون إن هم ظنّوا أنّ الآخرين يشبهونهم، فهؤلاء، لشدّة ما ألِفوا الانصياع وصار "روتينًا" عندهم، باتوا يظنّون أنّ كلّ إجراء روتينيّ هو انصياع. بالمحصّلة، حاولت Mtv القول عبر هذا التقرير إنّ المعركة المُخترعة قد جرى حسمها لصالح الفريق المنبطح، ولكن، لم يطل الأمر بهم حتّى جُنّ جنونهم فجأة ليقوموا عبر مقدّمة النشرة المسائية بفتح نار غضبهم وفشلهم ضدّ الجيش والقوى الأمنية كونها لم تمنع الناس بالقوّة من المشاركة بفعالية مرخّصة! لا بأس أيضًا، فالتناقض سمة الخائبين. هذا التناقض سرى في كلّ ما نُطق عبر Mtv في الليلة الماضية، وبدا أنّ المحطة المعادية جهارًا للخطّ الوطني والإنسانيّ الذي تمثّله المقاومة قد أرهقتها انعكاسات الضوء الساطع من صور السيدين الشهيدين كما من الصور التي جمعت السيّد نصر الله برئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري ونجله رئيس الحكومة المبعد قسرًا عن العمل السياسي، حبيب البيارتة، سعد الحريري، وصورة السيد الشهيد مع أخيه الأكبر رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي، فشوهدت حين "صار الوقت" غارقة في بحر التناقضات وأمواجه الغاضبة وبدا مارسيل غانم أقرب منه إلى ناعٍ ينعى الدولة ويتهم المقاومة باغتيالها.
بالأمس إذًا، نعت Mtv هيبة الدولة: "هيبة الدولة انتحرت" ووضعت الحزن في الجرن وناحت أنّ "منطق الدويلة قد هزم الدولة" بعد شهور من الابتهاج بما كانت تسمّيه هزيمة حزب الله وانتهاء حالة المقاومة في البلد، وذلك فقط بعد دقائق من تقرير اعتبرت فيه أنّ الحزب الضعيف الواهن قد انصاع ورضخ! وأكثر من ذلك، تحوّلت المحطة إلى منصّة محاكمة تدين الجيش وتدعو إلى محاسبته لأنّه لم يمنع نشاطًا مرخّصًا بحسب الأصول، أيضًا بعد شهور من احتفالياتها التعبيرية عن أهمية قول "الأمر لك" للجيش.
أما المجلس الإعلامي الحربي ضدّ المقاومة المتمثّل بجريدة "نداء الوطن"، فقد طالت ساعات انتظاره لإصدار العدد المدجّج بالغضبة "القواتية" ضدّ الجيش والقوى الأمنية، وبالحقد العتيق المتجدّد على كلّ ما ومَن يمثل الهوية المعادية للكيان المؤقّت، فوضعت صور مسؤولي القوى العسكرية والأمنية في لبنان وكأنهم مطلوبون متهّمون بعدم تنفيذ ما أرادته عوكر، وكادت تحكم عليهم بالإعدام انتقامًا!
وبعد، بدأت فعاليات إحياء الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد سيّد المقاومة وحبيب الأحرار في كلّ العالم. وإن كانت الفعالية الرمزية الأولى قد غسلت عن وجه بيروت كلّ مساحيق الزّيف الأميركي وظهّرت هويّتها الحقيقية، وأخرجت المتصهينين عن طورهم إذ بيّنت لهم حجمهم الحقيقي، فالفعاليات التالية ستكون بمجموعها تحيّة حبّ وتجديد عهد من كلّ الأحرار في البلد إلى سيّد الأحرار في عليائه.